- ٣ -
شاعريته
حدثني الأستاذ عبد الحميد طه (١)شقق الشاعر بأنه بدأ يفرض الشعر وهو دون السادسة عشرة من عمره ، ونشرت أولى قصائده في " السفور " عام ١٩١٨ أي وهو دون السابعة عشرة ، وقد أخذ عليه الأستاذ الزيات حينئذ ما جاء في القصيدة من هنات لغوية ونصحه بأن يرقد قريحته بمادة اللغة وآلة الفن ؛ ولعل هذه الأخطأ ، اللغوية هى اهم ماعابه النقاد من شعر على طه ، ولقد كان مرجعها ولا ريب بعد ثفاقته بعدا كبيرا عما ينمي فيه هذه المادة ، فهو قد تعلم تعليما صناعيا فنيا لا تعلما أدبيا ؛ لكنه رغم ذلك قد استجاب لنصيحة الزيات حتى إن شعره الأخير قد انعدمت فيه هذه الأخطاء التي لا تنتقص من شاعريته .
وشعر الشاعر مرآة تنعكس فيها نفسه الصافية ذات
الطباع الهادئة والخصال اللينة التي تنأى عن العنف حتي في الوقت الذي يحمل فيه العنف والثورة . ولنتأمل معي هذه الأبيات :
أخي ا جاوز الظالون المدى فحق الجهاد وحق الفدا
أتتركهم يغصبون العروبة مجد الأبوة والسؤددا
وليس بغير صليل السيوف يجيبون صوتاً لنا أو صدى
فجرد حُسامك من غِمده فليس له بعدُ أن يغِمدا
أخي أيها العربي الأبي أرى اليوم موعدنا لا الفدا
إنها لحظة حاسمة في تاريخ العروبة تلك هي حرب فلسطين ، ومع خطورة الموقف وما يتطلبه من ثورة عنيفة جارقة تهز المشاعر وتستنهض الهمم والعواطف تري على طه يدعو العرب إلى الثورة لكنها دعوة رقيقة تحاج العقل والمنطق وتدعوهم إلى القتال لأن الأعداء ان يستجيبوا إلا اصوت السيوف ولا يصح أن تركهم يغتصبون مجدنا وديارنا . .
يقول الأستاذ أنور المعداوى صديق الشاعر الحميم يصفه :
" لقد كان على طه ( ١ ) واحدا من هؤلاء الذين يفتحون القلب على مصراعيه أمام المخلص من الأصدقاء . حتى ليخيل إلى من يعرفه منذ شهور أنه يعرفه منذ أعوام وأعوام . كان واضحا في فرحه كما كان واضحا في حزنه . وكان واضحا في سره كما كان واضحا في جهره . حتى لو أنه حاول أن يصمت لكان صمته فنا من الكلام أو حاول أن يكتم لكان كتمانه ضربا من البوح والإفضاء . ومن هنا كانت حياته على لسانه سلسلة من الأحاديث وكانت في شعره سلسلة من الاعترافات . واستمع إلي هذا الاعتراف من كتابه شرق وغرب وهو حديث ينبع من قلب أبيض كزهرة الحقل البيضاء :
إن أكن قد شربت نخب كثير
وات و أترعت بالمدامة كأسي
و تولّعت بالحسان لأنّي
مغرم بالجمال من كلّ جنس
و توحدّت في الهوى ثم أشركـ
ت على حالتي رجاء و يأس
و تبذّلت في غرامي فلم أحـبس
على لذّة شياطين رجسي
فبروحي أعيش في عالم الفنّ
طليقا و الطّهر يملأ حسّي
تائها في بحاره لست أدري،
لم أزجي الشّراع أو فيم أرسى
لي قلب كزهرة الحقل بيضاء
نمتها السّماء من كلّ قبس
هو قيثارتي عليها أغنّي و عليها وحدي أغنّي لنفسي
لي إليها في خلوتي همسات أنطقتها بكلّ رائع جرس
كم شفاه بهنّ من قبلاتي وهج النّار في عواصف خرس
ووساد جرت به عبراتي ضحك يومي منه و إطراق أمسي
أيّهذي الخدزر! أنوارك الحمـ ـراء كم أشعلت ليالي أنسي
أحرقتهنّ! آه لم يبق منهنّ سوى ذلك الرّماد برأسي
هذا شعر صادق كل الصدق وأصدقه ذلك الوساد الذي
جرت به العبرات . ولابد لك من أن تقف معنا طويلا عند هذا البيت من هذه القصدة الاعترافية ، لأن فيه مفتاحا رئيسيا يفصل بين فترتين من حياة الشاعر ، فترة تحفل بالدموع وفترة تعج بالبسمات ، الأولى فترة الأمس أو ما قبل الثلاثين . والثانية فترة اليوم أو ما بعد الثلاثين . وها هو ذا يعترف بأن يومه يضحك لمنظر العبرات في حين يأسى لها الأمس ذلك الأسى المعبر عنه بالإطراق .
وكما أن شعر الشاعر مرآه تنعكس فيها صورة نفسه كذلك نفس الشاعر الحساسة مرآة تنعكس فيها صور بيئته ويتردد في جواعها صدي أحداث عصره ولذا نري على طه يسجل الفترات الوطنية في تاريخ أمته وقد عاصر ثورة سنة ١٩١٩ التي اشتعلت وهو في فجر شبابه ومقتبل العمر ؛ وكانت له فيها جولات من الشعر موقفة . ولقد ظل ينبه المصريين بل والعرب بل والشرقيين عامة ويدعوهم للأخذ بأسباب القوة :
دعوها منى واتركوه خيالا فما يعرف الحق إلا النضالا
بني الشرق ماذا وراء الوعود نطل يمينا ونرنو شمالا
وما حكةُ الصمت في عالم تضج المطامع فيه اقتتالا
زمانكمو جارح لا يعِف رأيت الضعيف به لا يوالى
ونري الشاعر في سنى الحرب العالمية الأخيرة ، وقد حقق للعالم إلى أي جحيم تقوده هذه المدينة المادية ووقف حائرا يتلمس خلاصا من سعير المادة ، وأخذ يولى وجهه شطر روحانيات الهند والصين والشرق عامة . . تري الشاعر ينبه في مطلع العام الهجري سنة ١٣٦٣ إلى ما شرعه الإسلام من اغتراب وعذاب وصراع في سبيل المبدأ الحق والعدل الإلهى . ويدعو إلي النهج الإسلامى نهج الأخوة والمحبة :
كن بشير الـحـب والـنـور إلى مهج كلمى وأكـبـاد دوامـي
صفحات من صراع خالد ضُمِّنَتْ كُلَّ فخار ووسام
لم تتح يوما لجبار طَغَى أو لباغ فاتك السيف غرام
بل لداع أعزل في قومه مستباح الدم مهدور الدمام
زلزل العالم من أقطاره بقوى الروح على القوم الطغام
وبنى أول دنيا حُرَّة برئت من كل ظلم وأثام
تسع الناس على ألوانهم لم تفرق بين آري وسامى
حاطم الأصنام هل منك يد تذر الظلم صديعا من حطام
لم تطقها حجرا أو خشبا ويطاق اليوم أصنام الأنام (١)
وفي الحرب أيضا ، حسد الرقيب من حرية الصحافة والكتاب واختصرت أزمات الثمن من حجم الصحف فضاقت بما لديها من مواد ، وأول ما اختصرته الشعر وقد عد من الكماليات في تلك الفترة ، وقد عبر عن محنة الشعر وصورها تصويرا فكها لطيفا في قصيدته " سمر " (٢)
يا وحي شعرى أين أنت في أي زاوية ركنت؟
هل رحت في إغماءة أم بالمخدر قد حقنت؟
أم نمت أم نام الزما ن، أم اعتُقِلْتَ أم انسجَنْتُ؟
أم خِفْتَ من قلم الرقيب فما أشرت وما أبنت
أم هل سقيت (كزوزة) أم هل حَسَوْتَ (البرمننت) (٣)
أم قد شربت زجاجة من صنع بار (الكونتننت) (٤)
أم في البنوك لأزمة حَلَّتْ بِأهْلِكَ قد رُهِنْتُ
وهو في حرب فلسطين يسجل بطولة الجنود المصريين الذين حاصرهم الأعداء في قرية الفلوجة عدة أشهر فصمدوا لحصار ولم يهنوا ولم يستسلموا فاستحقوا من الشاعر التحية : هاتوا حديث الحرب كيف تطاحنت
لكمو منازعها وهان عصيبها
في قرية محصورة كسفينة
في لجة هاجت وماح غضوبها
لم تدر فيها الريح أين قرارها ؟
والشمس أين شروقها وغروبها ؟
ولقد كان لحديث الحرب المتصل أثر في نفس الشاعر وخياله الذي جمح ، وسبح في تاريخ العروبة ينقب عن صورة من البطولة تبرز ما تناقله الناس في الحرب العالمية الأخيرة من احاديث موانيء الغزو وفرق العدائيين الكوماندو " فلم يجد أروع من غزوة طارق بن زياد للأندلس التي قام بها من ميناء طنجة في أفريقيا في أسطول يقل اثنى عشر ألف محارب منذ أكثر من ألف ومائتى عام ، وسار به إلى الصخرة الأشياء التي نزل بها سميت باسمه وحقق في غزوته نصرا عظيما في أغنى وأجمل وأقوى بقاع القارة الأوربية
بعد أن حطم أسطوله ليوجد رجاله بين أمرين أحلاها قتال العدو :
أشباح جن فوق صدر الماء تَهْفُو بأجنحة من الظلماء (١)
أم تلك عُقْبَانُ السماءِ وَثَبْنَ من قنن الجبال على الخضم النائى
لا، بل سفين لحن تحت لوائه لمن السفين تُرى، وأي لواء ؟
والشرق، من بعد حقيقة عالم والغرب من قرب خيالة رائي
ضَحِكَتْ بصفحته المُنى وتراقصت أطياف هذي الجنة الخضراء
وَوَثَبت فوق صخورها وتَلَمَّسَتْ
كَفاكَ قلبا ثائر الأهواء
فكأنما لك في ذرَاهَا مَوْعِدٌ ضَرَبَتْه أندلسية للقاء!
ووقفت والفتيان حولك، وانْبَرَتْ
لك صيحة مرهوبة الأصداء !
هذي الجزيرة، إن جهلتم أمرها
أنتم بها رهط من الغُرباء
البحر خلفي، والعدو إزائى
ضاع الطريق إلى السفين ورائي
وتلفتوا فإذا الخضم سحابة حمراء مطبقة على الأرجاء
قد أحرق الربان كل سفينة من خلفه إلا شراع رجاء
وأتى النهار وسار فيه طارق يبني لِمُلْكِ الشرق أي بناء
ومهما تكن المناسبة التي يتحدث عنها الشاعر فإنه لا يتحدث إلا من شعور صادق وإحساس ببخطورة هذه المناسبة وأهميتها من وجهة نظره ؛ ولد في شعر على طه المديح ، ولم يمدح إلا من استحق في نظره المديح وكان له في فنه مكانه ومحبه فكان يدعو له آية من آيات الفن الرفيع ؛ ومن امثلة هذا المديح قصيدته " الشاعر " التى قالها في صديقه الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي تقتطف منها هذه الأبيات :
عبقري من النعم رَجْعُهُ الحب والألم (٢)
نَبْعُه قلب شاعر شارف النُّورَ في القمم
ورأى مولد الحيا ة على شاطئ العدم
ذوب الحب قلبه ويرى جسمة السقم
وجلا الغيب سره بين عينيه وارتسم
فانظروا أي شاعر هو في الحفل بينكم
ذلك البدع الروائع فى صورة الكلم
فاسمعوا الآن شعره وتماره عن أمم
ضامر الجسم واسمه يسمع الكون بالعظم
وقصير ويجسد بازخ كالضحى أتم
ذلك الشاعر الذى فاز بالحب واتسم
خالد بالذى شدا خالد بالذى تقلم
ذاك ناجى وحسبه انه الشاعر العلم
كما أن شعر على طه يمتاز بخاصية التنسيقالتي تنبعث من مزاجه كمهندس يضع تصميم المبنى أولا ثم يشرف علي تنفيذه في حدود هذا التصميم فتأتى الصورة الشعرية في نسق هندسى محدد العالم والأهداف ، وكأنها تسير على أبعاد وزوايا هندسية رائعة لاتحيد عنها ؛ ولذلك فلما تجد فى صوره الشعرية ما ينبو عن الذوق أو يصدم البصر . . وهاك الغروب كما يصوره وقد توارى النهار خلف ستار من الغمام الغضب يلون الشفق الأحمر في الاحمرار المنعكس على القمام الأفق ، فبدت الطيور في السماء وهى متجهة إلى أوكارها كما لو كانت تسبح في لجة من عقيق . . تلك لوحة فنية كاملة بجميع أبعادها وألوانها بقدمها لنا الشاعر المهندس :
اقبل الليل واتخذت طريقي لك والنجم مؤنسي ورفيقي
وتوارى النهار خلف ستار شفقى من الغمام رقيق
مد طير المساء فيه جناحا كشراع في لجة من عقيق
هو مثلي حيران يضرب في الليل ويجتاز كل واد سحيق
عاد من رحلة الحياة كما عد ت وكل لوكره في طريق
ولا تمتاز هذه الصورة بالتنسيق فحسب ، بل والأصالة الشعرية ، لأن على طه سما بشعره عن التقليد والمحاكاه واتجه إلى مشاعره وخواطره يبرزها للناس إبرازا يتسم بالبساطة وصدق الأداء .
ولقد كان لعلى طه رقة في الشعور مفرطة ووجدان مرهف سريع التأثر بما يقع من أحداث له أو للناس . . بأسى وحزن ويشتد أساء لو صادف في طريق الحياة بائسا أو توهم أن إنسانا ما ممن يلقاهم يعاني ألما أو شدة . في ذات مرة علم أن رئيسة الفرقة الوسيقية في أحد مطاعم القاهرة التي كان يتردد عليها عمياء ، فحز في نفسه ذلك وأمضه وأوهمه أنها شقية بفقد بصرها وتستحق رثاء
وعطف الشاعر كثيرا ، فذهب يصور ما تعانيه في قصيدته الموسيقية العمياء " التى تواصل بكاء خطبها . . ويأخذ هو بيدها ليريها مواضع الجمال في السكون التي تستطيع ان تستمتع بها بلمسها بيديها دون حاجة للنظر ، ويدعو الأقدار للرفق بها والطبيعة والسكون كله لمواساتها ، ويبكي هو قبل كل شئ لهذا الخطب الفادح :
إذا ما طاف بالأرض شعاع الكوكب الفضي ( ١ )
اذا ما اتت الريح وجاش البرق بالومض
اذا ما فتح الفجر عيون النرجس الفض
بكيت لزهرة تبكى بدمع غير مرض
زواها الدهر لم تسعد من الإشراق باللمح
على جفنين ظمآنين للأنداء والصبح
أمهد النور ما الليل قد افك في جنح ؟
أضئ في خاطر الدنيا ودوار سناك في جرحى
بل إن الشاعر أبصر ذات فجر جديد فتاة تسير في الطريق بجوار بيته تتلفت خشية أن يراها رقيب ، فتخيل إليه أنها بائسة من نساء الهوى أو فتاة عاثرة الحظ في حبها ، فهم أن يسعي إليها ليخفف عنها آل الامها الموهومة وذهب يصورقصتها شعرا رائعا في قصيدته " سارية الفجر " :
غيرت بي في صباح باكر
فتنة العين وشعل الخاطر ( ٢ )
وبعينهت رؤي حائرة
بين أسرار مساء غابر
صورت من حاضر العيش ومن
أمسها قصة حب عاثر
من تراها ؛ وإلي اين ؟ ومن
أي خدر طلعت أو سامر ؟
تقطع الإقريز من ناحيتي
كأسير هارب من آسر
تتقى الأعين أن تبصرها
وهى لاتألو التفات الحائر
لا تبالي بلل الثّوب ولا
لفحة البرد الشّفيف الثّائر
أو تبالي قدماها خاضتا
مسرب الماء الدّفوف الهامر
أنت يا سارية الفجر اسمعي
دعوة الرّوح البرئ الطّاهر
و أنا الشّاعر قلبي رحمة
لفريسات القضاء الجائر
إن نأت دارك يا أخت فما
بعدت دار الغريب العابر
إن قلب على طه الكبير حمله اكثر مما يحتمل وجعله يعتقد أنه مسئول عن كل بائس أو محزون ، بل إن نزعته الإنسانية تتعدى بيئه المحدودة لتشمل العالم كله ببرها ورحمتها . . ولقد بلغ المدروة في قصيدته ليلة عيد (٥) الميلاد التى كشف فيها عن الناحية الإنسانية العالمية في نفسه وأبرزها كتابا مفتوحا للناس يدعوهم إلى السلم بعد أن ذاقوا من ويلات الحرب العالمية الأخيرة صنوفا وألوانا .
إنها ليلة الميلاد فليذكر الشاعر الناس بتعاليم المسيح عليه السلام التي مداها الرحمة ولحنها العطف والتسامح مع الباغي والمعتدي والسئ . . إنه يسأل السيد المسيح الرجمة إلى الأرض ليعيد على القوم وصاياء ، واخص هذه الوصايا المحبة والإخاء
وفي القصيدة فوق ذلك تصوير دقيق رائع لبيئة الحرب المقبضة وما استحدثته أساليبها من ظلام شامل في المدن وعكوف في الخنادق في انتظار الموت من السماء أو الأرض . . وأخيرا لماذا القتال ؟ وعلام يقتل الإنسان أخاه الإنسان ؟ إنها خدعة كبرى لحساب الزعماء
إن ما نراه في شعره من الرقة المتناهية والشعور السامي النبيل قد زادتهما الموسيقى عمقا وتأصلا في قلب على طه الذي شغف بالموسيقى طول حياته وأجادها وكان من العازفين الماهرين على البيان ، وطالما أحيا الحفلات في داره يعزف لضيوفه كما كان هو حريصا علي حضور حفلات الموسيقى
وارتياد أماكن عزفها . وكان يحب تناول العشاء غالبا في مطعم به فرقة موسيقية
ولم يكن هذا عجيبا من على طه لأن من كان في مثل شاعريته ومزاجه يستطيع تذوق الموسيقى وتفهمها ، وهي لغة العاطفة العالمية التي يتخاطب بها العالم أجمع دون وساطة أو ترجمان
وللطبيعة موسيقاها ، بل كل ما فيها أنغام متفرقة من لحن كبير تردد أنغامة على قيثارة على طه فتشيع فيها قوة ويضفى هو عليها من قلبه روحا ، فتتحرر من جمودها وتنبض بالحياة وتصبح خليفة بنجوى الشاعر وصحبته بل وبأن تكون له معهدا وأستاذا :
معهدى هذه المروج وأستاذى ربيع الطبيعة الفينانه
وفي بحيرة " كومو " يقول :
هاهنا يشعر الجماد ويوحى لمن شعر
أجل لأن الطبيعة كلها حياة وحركة وهي تتأنق لمرتاديها . . فهي تارة تنتقب بالغمام وطورا تسفر لمطلع القمر أو هى تلبس حلة السهر وهى تغرى الناس وتشجعهم بالقبل :
البحيرات والجبال قد توشحن بالشجر
وتنقبن بالغما م وأسفرن بالقمر
والبرونات غادة لبست حلة السهر
نثرت فوقها الديا ر كما ينثر الزهر
وعبرنا رحابها فأشارت لمن عبر
هاكها قبلة فمن رام فليركب الخطر
بل إن على طه يبدأ قصائده بالحديث عن الطبيعة بدلا من السبب الذي كان المتقدمون يستهلون به قصائدهم . . لأنها هي الرفيق الوفى الذي يستجيب أبدا لندائه فتراه في قصيدته " الموسيقية العمياء يستهلها بقوله :
إذا ما طاف بالأرض شعاع الكوكب الفضى
إذا ما أنت الريح وجاش البرق بالومض
إذا ما فتح الفجر عيون النرجس الغض
بكيت لزهرة تبكي بدمع غير مرفض
( ليست بقية )
