القصيدة الآتية وحي ستة أيام قضيتها محجوب البصر أثناء عملية جراحية بعينى . علمت خلالها أن عالم الجمال خاص بدنيا المرئيات ، ولما كان الجمال في شتى صوره هو غذاء الشاعر . فقد كنت وجلاً كل الوجل أن أعيش بعد هذه العملية بلا غذاء ولكن الله سلم . فهذه القصيدة وحي هذا الشعور .
يا رب أبق الذي أبقيت من بصري حتي أري حسن ما أبدعت في الصور
من كل ( شكل ) ( ولون ) في جمالها ما فيه من بهجة للنفس والنظر
ما أجل العالم العلوي من ( سحب ) ومن ( نجوم ) ومن (شمس ) ومن ( قمر )
وأجمل الأرض من ( سهل ) ومن ( جبل ) ومن ( رواب ) ومن ( بحر ) ومن ( نهر )
في كل شيء جمال حين تنظره
حتى الدياجي بها ما شئت من حور
حتي القرود ! فما تخفي ملاحتها
حتي الكواسر من ليث ومن نمر
يكفيك من رؤية الأشياء رؤيتها
ولو نظرت إلى أفعى علي حجر
فكيف بالكون يصحو بعد رقدته
وقدتبسمت الأضواء بالسحر
وكيف بالشمس دبت نحو مشرقها
وحين تطلع منه ظلمة الحذر
وحين تجنح نحو الغرب متعبة
لطول ما انتقلت في البدو والحضر
وكيف بالليل يسري في مواكبه
نجومه حوله وضاحة الغرر وبالأهلة لاحت فى مطالعها كأنها بسمات الكون للبشر
وبالرياض , وقد أنجمن بالزهر
وبالغصون ، وقد أنهدن بالثمر
وبالطيور إذا ما حلقت فسمت
أو حومت فهوت تأوى إلى الشجر
وكيف بالصحب ، أو بالأهل تنظرهم
أو بالبنين وقد أقبلت من سفر !
ورؤية الظرفاء الأوفياء وقد
جالوا مجالهم في اللهو والسمر
وبالغواني ، وما يخلعن من فتن
وبالعذاري وما يلبسن من خفر
وبالعيون فكم جفن تكسره
يرمي بسهم لخاطر غير منكسر
وبالشفاه تراها في تلهبها
يغتر باسمها عن سائغ حصر
وكيف بالصحف تتلوها وتكتبها
ورب دنيا حوتها الكتب في سطر
وكم على ( الشاشة البيضاء ) من عجب
شتي الأفانين في شتي من الصور
وفي (المسارح ) ما فيها لرائدها
من كل ( فصل ) بروض الفن مزدهر
جد ، وهزل , فإن تضحك لهزلهما
يوماً فكم فيهما ذكري لمدكر
كلتاهما آية سرت مباهجها
عن النفوس ، وصفتها من الكدر
هذا وكم عجب للفن في(الصور )
وفي ( التماثيل ) حتي ( الوشي ) بالإبر
هذا إلى غير هذا لست أذكره
وكيف حصري ما يفضي إلي الحصر
دنيا الجمال اختفت عن كف طالبها
وأذنه , فهي غير اللمس والخبر
دنيا الجمال يراها من له بصر فإن يغب غابت الدنيا على الأثر
وارحمتاه ( لمحمود ) وحادثه
في فقد عينيه ، لا أحداثه الأخر(1) النفي والحبس هانا يوم حل به
في النفي والحبس خطب غير منتظر
وعوض الله ( إبراهيم ) أجمل ما
يعوض الله من آلائه الكبر(2)
ليس العمى في الصبا والعين ما نظرت
شيئاً كمثل العمى يأتي علي الكبر
هذا وكم منن لله في محن
وكم جنى النفع جانبه من الضرر
ورب أعمى أراه لحظ خاطره
ما غلب عن مدرك الأشياء بالبصر
( أبو العلاء ) و (طه) كشفت لهما نفساهما عن دياجي كل مستتر(3)
قل لليمامة لا الزرقاء مثلهما
ولا سواها غداة ( البحث والنظر )
و(الزين ) بشار وادي النيل كم نظمت
كفاه در القوافي نظم مقتدر (4)
فالحمد لله حمد المطمئن له
فما أبالي , وإن روعت بالنذر
الله حسبى فما يغنى سواه ولو
أتى الطبيب ، وأني آخذ حذري
أراح نفسى أن الله خالقها ثم الرضا بقضاء الله والقدر
