الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 157الرجوع إلى "الرسالة"

ذات الثوب الأرجواني

Share

(تنبيه: الكلام خيالي ولا أصل له،  كما مللت أن أقول وأؤكد فى كل مرة)

-  ٤ - غضبت علينا ذات الثوب الأرجواني. . . وما أعرف لي  ذنباً جنيته إلا النظر، وما أحسبها تريد أن تحرم هذا علينا  أو تكرهه منا. وأين المرأة التي يسوءها أن ينظر الرجال إليها  ويعجبوا بها ويفتتنوا بحسنها؟ أو يسرها أن ينصرفوا عنها  ولا يبالوها ولا يعنيهم أبقيت بينهم أو أمامهم، أم اختفت عن  عيونهم؟ إن إتباعَ النظرةِ النظرةَ ثناء صامت. والثناء قوت  المرأة - وخمرها أيضاً - وقد ترى نساء يسوءهن النظر إليهم  لسبب غير راجع إلى وحي الطبيعة في نفوسهن، فيرتبكن  ويضطربن، وتضيق الدنيا في وجوههن ويشق عليهم ذلك  حتى ليكبر في وهمهم أنهن جنينه على أنفسهن وأثرن فضول  الرجال. ولكن حتى هؤلاء لا يكرهن الثناء، بل تشرق له  وجوههن، وتنشرح صدورهن، إلا إذا جاوزت الإطراء إلى  ما هو خليق بسبب نشأتهن أن يزعجهن. وقد كنت مرة أتعلم  الفرنسية وأتلقى دروساً فيها على فتاة أمها روسية وأبوها نمسوي،  فاستغربت بعد بضعة أيام أنها تلقاني متجهمة! وبدا لي أنها  تستثقل الدرس والتلميذ، فشكوت إلى صديق وقلت له: إن  معلمتي لا تكف عن النفخ، وأنها طول الدرس تتأفف، وإني  أريد أن أبحث عن معلمة أخرى، فلست أطيق هذا الضجر  الذي لا تنفك تواجهني به. فقال:   "لا تفعل" . قلت:   " ولكنى لا أستطيع الصبر على هذه الحال" . قال:   "لك العذر،  ولكن ضاحكها وعابثها. . . اثن على حسنها. . . غازلها برفق،  أي من غير أن تخرج عن حدود الأدب) . فوعدته أن أجرب ذلك، وقد كان. أقبلت عليها فأقبلت عليّ، وصارت تهش لي  وتبش، وأصبحت تلميذها الأثير. وكان لي زميل يتلقى عليها

دروساً فى وقت آخر، وكان مثلي قبل أن يرشدني صديقى، أى أنه كان معها كأنها معلم بلحية لا معلمة مدلّة بجمالها وشبابها،  فكان إذا جاء تعبس وتقول: فلينتظر! فأقول لها:   "بل  أخرج أنا لئلا يغضب فيضيع عليك درسه) ، فتقول:   "دعه  يغضب. . . إنه يملني ويزهق روحي" . وكان اسمه  "  عثمان أفندى"     فصرنا - هي وصديقي الذي علمني وأنا - نطلق اسم  " عثمان  أفندي"   على كل من نراه بليدا جامدا في حضرة النساء

وأعود إلى ذات الثوب الأرجوانى فأقول إنها كانت راضية  عنى. وآية رضاها أنها ظلت أياماً لا تبدو لى إلا فى ثوب  أرجوانى. وكنت لا أراها إلا خفيفة مرحة، وإذا بها - فجأة -  تخرج إلى الشرفة فى صباح فلا تكاد ترانى حتى تنثني راجعة،  فأعجب وأتساءل:   (ما لها؟. . .)  ولا أجد جواباً لسؤالى،  فأهز كتفى وأقول:   (سنرى) ، ولكني لا أرى بعد ذلك  إلا الإعراض والنفور وطول الاحتجاب، فلا يسعني إلا أن -  أعرض أنا أيضاً، وأن أظهر قلة المبالاة؛ فلا أفتح النافذة  ولا أطل منها إذا كانت مفتوحة، ولا أنظر إليها إذا طلعت،  فان فى طبعى عنادا، وأنا مفطور عليه وعلى المجازفة، ولست  أعرفنى اكترثت للعواقب حين يستفزنى شىء. وما أكثر  ما أخسر بسبب ذلك. ولكنى أستطيع أن أكبح ثورة نفسى ولا أستطيع أن أصرفها عن الزهد. وما عجزت قط - إلا فى  الندرة القليلة - عن ضبط عواطفي وصد نفسي عن الاندفاع،  ولكنى أرانى عاجزاً عن علاج نفسي إذا انصرفت عن الشىء  وحملها على الاقبال عليه مرة أخرى. وقد كانت أمى تقول إن  قلبى أسود، وكانت تعني بذلك أنى لا أنسى الإساءة؛ على أنى  لا أنسى المعروف أيضاً ولا أجحده، فأنا كما يقول ابن الرومى:  "للخير والشر بقاء عندى" ، وقد صدق فأنا من طينة الأرض،    "والأرض مهما استودعت تؤدي" . وما أساء إلى أحد  إلا نازعتنى نفسى أن أنتقم منه، ولكنى لا أزال أحاورها  وأداورها حتى أقنعها بأن الدنيا تغيرت، وأن أخلاق البدو  لا تصلح فى هذا العصر المتحضر، وأن الناس لا يقتل بعضهم  بعضاً فى هذا الزمان من أجل تمرة أو من جراء كلمة يسبق بها  اللسان، حتى تسكن وتكتفي بالانصراف

وجلست أحاسب نفسي وأسائلها عن ذات الثوب الأرجوانى  ما خطبها؟. ولِمَ تبدي هذا النفور؟. أتراها تتكلفه؟.  ألعل أهلها قد أغلظوا لها وضيقوا عليها فرأت أن تخفف عن  نفسها وتعفيها من ثقل تدخلهم بالاحتجاب؟. ألا يجوز أن  يكونوا قد كرهوا مني طول النظر إليها فكلموها فى ذلك فلم  يسعها إلا أن تكف عن الظهور؟. جائز!! ولكن من الجائز  أن أكون قد صنعت شيئاً أغضبها. . ومن الحزم على كل حال  أن أعرض أنا أيضاً إلى حين، حتى تسكن الثورة التى لعلها  ثارت في بيتها وبين أهلها. . ولكن من الإنصاف أيضاً أن  أحاسب نفسي قليلاً. . فتعال هنا. . أخل بنفسك واجتهد  أن تتذكر. .

فتذكرت. . . ذلك أنى كنت يوماً فى حجرتي فزارنى صديق: وكان الجو حاراً جداً ففتحت له النوافذ جميعاً، فقال لي  بعد برهة:   "أنظر. ."  فسألته   "ماذا؟"  قال   "هذه النافذة. .  ألا ترى الفتاة التي تبدو منها؟ "  قلت:   "إنك بعيد النظر. .  وأنا أعترف أنى لا أرى فتاة وإنما أرى ذراعاً"  قال:   (هذا ما أعنى. . لا يبدو منها الآن إلا ذراعها ولكنها كانت منذ لحظة  تطل علينا وتنظر إلينا" . قلت: "جائز. . كل شيء جائز. . صحيح  إن العمارة التى نحن فيها سبع طبقات. . أو عشر. . لا أدرى. .  وفى كل طبقة شقق كثيرة. . ولكل شقة نوافذ وشرفات لم أعدها. . وقد يكون فى بعض هذه النوافذ والشرفات التى لا نراها رجال يطلون منها. . ولكن المعقول أن الفتاة التى لا أزال لا أرى  منها غير ذراعها - تنظر إلينا نحن دون هذا الخلق الذي لعله فى الشرفات والنوافذ ونحن لا ندرى

قال:   "لا تمزح. . إن نظرتها إلينا نحن. . وهل يخفى اتجاه النظر؟"

قلت:   "ما يدريني ويدريك؟. ألا يمكن أن تكون حولاء؟؟  تعرف كيف ينظر الأحول!؟ تكون عينه عليك ولكنه لا يراك  بل يرى الذي إلى اليمين أو إلى اليسار. . أليس هذا جائز؟"

قال:   حولاء؟؟ كلا!! من قال هذا؟؟ كلام فارغ!! إن  عينيها جميلتان جداً"

قلت:   "معذرة! إنى - كما تعلم - لم أر سوى ذراعها. .

وعهدى بالعيون تكون فى الوجوه لا فى الذراع. وأظن أن هذا  النظام لا يزال هو المتبع فى الخلق. . . على كل حال لم أر عينيها  الجميلتين. . ."

قال:   "والله إنها تنظر إلينا"

قلت:   (صادق. . صادق. . . هذه أصابعها تنقر على حافة  النافذة ولا شك أنها تعنينا الآن. .)

فقال:   "دع المزاح بالله. . أنظر. . أنظر. ."

فنظرت. . وكففت عن المزح بلا حاجة إلى زجر آخر. .  وكانت الفتاة سمراء - لا بيضاء كذات الثوب الأرجواني  - وكانت نظرتها إلينا - لا شك فى ذلك - والرجل يدير  رأسه أن يرى امرأة تُتْئره النظر ولا تكاد تحول عينها عنه. فإذا   وكنت قد نهضت إلى النافذة وأخرجت رأسي منها ورحت  أحدق فى هذه السمراء الجميلة التى تقبل عليه ولا تعرض عنا  أو تتدلل علينا، فأظن أن لى العذر. . ومن أين لى أن  أعرف أن ذات الثوب الأرجوانى كانت واقفة فى هذه  اللحظة وأنها كانت تراعيني وتراقبنى؟؟ ولو كنت أعرف ذلك  لما صدنى عن النظر، فأن حبى لذات الثوب الأرجوانى ليس  معناه أنى عميت وأن عينى لا تستطيع أن ترى غيرها وأنى فقدت  القدرة على الإعجاب بالجمال فى مظاهره المختلفة. ولكن المرأة  أمرها غريب، وإني لأذكر أنى كنت راكباً مع فتاة من  صديقاتى - وكنت أنا السائق كما لا احتاج أن أقول -  فرأيت فتاة جميلة واقفة على الرصيف فتمهلت لأنظر إليها، وإذا  بصديقتي تقرص أذنى فصرخت فقالت:   " هذا جزاؤك"   فسألتها:    "ماذا صنعت؟. . بأي شيء أستحق أن تقطعي لى أذنى؟؟  وكيف أستطيع أن أسمع صوتك الحلو بعد ذلك"  فقالت   "ابق  اسمع صوت التى كنت تنظر إليها الآن"  قلت   "مالها؟. . ألا  تعجبك؟. ألا ترينها جميلة؟"  فعادت إلى  القرص، وعدت إلى  الصراخ، حتى كدت أستنجد بالمارة. وقد ساء رأي صاحبتى  فى بعد ذلك، وصارت كلما ركبت معى تشترط ألا أنظر لا يميناً  ولا شمالاً، فأقول:   "ولكن لماذا؟ ما الضرر من النظر والتلفت؟  ثم كيف أستطيع أن أثبت عينى فى اتجاه واحد وقد خلق الله  لى عينين تتحركان ولا تثبتان؟"  فلا تجيب عن السؤال " وإنما

تروح تهددنى وتتوعدنى فأخاف فأن لها قرصاً حامياً وأنا جلدى  رقيق. ولكنى لا أفهم هذا التحكم من المرأة. وما أكثر  ما قلت لإحداهن وقد أغضبها أن لي عيناً ترى وقلباً لا يسعه إلا  أن يحس   " يا ستى إن لك حديقة زهر. وفيها الفل والياسمين  والورد الأحمر والأبيض والنرجس وما لا أدرى أيضاً. . وأنتن  يا نساء كالزهور. . فلماذا تريدين ألا تكون في حديقتي إلا حواء  واحدة؟ "

فتقول:   "بالله دع هذه الفلسفة السخيفة. . . ثم إنى أكره المكايدة"

فأؤكد لها أنى لا أقصد إلى المكايدة، وأقول:   "نعم أن حواء  واحدة مصيبة. . . وثقى أن غلطة أبينا آدم هي أن جنته لم يكن  فيها إلا هذه الحواء المفردة. . ولو كان فيها. . سواها. . عشر مثلا  أو عشرون. . لما خرج من الجنة"

فتثور بى وتذهب وتعدو ورائى فأضع ذيلى بين أسنانى وألوذ  بالفرار"

وما أشك في أن ذات الثوب الأرجواني أسخطها عليّ نظري  إلى السمراء. وما تعنيني السمراء لو علمت. ولكنها المرأة  لا تعرف إلا نفسها ولا ترضى عما تسميه   (العين الزائغة)  وهي  تشعر بالمنافسة من كل امرأة مثلها، ولا تستطيع أن تفسر النظر  إلى امرأة غيرها إلا بأنه تفضيل لهذه الأخرى عليها ولو كانت  واثقة من حب بعلها أو رجلها. كنت مرة أتنزه في إحدى الحدائق مع صديقة فقالت:   (هل نركب زورقاً؟)  فاستحسنت  هذا الرأي وانحدرنا إلى الماء واستأجرنا قارباً، وقبل أن نمضي به  تناولت ذراعي وهمست في أذني:   (لا تتحرك. . إني لا أكاد   وما أشك فى أن ذات الثوب الأرجوانى أسخطها على نظرى  إلى السمراء. وما تعنيني السمراء لو علمت. ولكنها المرأة  لا تعرف إلا نفسها ولا ترضى عما تسميه   "العين الزائغة"  وهى تشعر بالمنافسة من كل امرأة مثلها، ولا تستطيع أن تفسر النظر  إلى امرأة غيرها إلا بأنه تفضيل لهذه الأخرى عليها ولو كانت  واثقة من حب بعلها أو رجلها. كنت مرة أتنزه فى إحدى  الحدائق مع صديقة فقالت:   (هل نركب زورقاً؟)  فاستحسنت  هذا الرأى وانحدرنا إلى الماء واستأجرنا قارباً، وقبل أن نمضى به  تناولت ذراعى وهمست فى أذنى:   "لا تتحرك. . إنى لا أكاد  أصدق "

فرفعت عينى إليها فألفيتها ناظرة إلى الحديقة التى انحدرنا  عنها إلى الماء. وكان الهواء ساكناً والمنظر الذي أمامنا كأنه  مرسوم، وكان لفرط جماله يذكرنى بأعذب ما قرأت من الأغانى.  ثم أشارت بيد أحلى من أناشيد سيمان بن داود وقالت:   (ليتنى أستطيع أن آخذها!!."  وكأنما قرأت فى وجهى استغراب هذا  الكلام فقالت   "إنها أحلى لعبة رأيتها في حياتى!"

فقلت مستفسراً   "لعبة؟؟ هل قلت لعبة؟؟ أين هى؟"

فصاحت بى وهى تشير بأناملها المغرية   "هذا. . هذا. .  هذا المنظر. . ألا يروقك؟"

فأدركت مرادها وإن كنت قد بقيت أستغرب عبارتها،  وقلت   "لا. . ليس هذا لعبة. . وإنما هو أسطورة. ."

فهزت رأسها كالموافقة ثم وضعت راحتها على كتفى وقالت    "إنى سعيدة لأنى رأيت هذا"

قلت:   "هو أسعد منك. . وما أكثر ما رأى هذا البستان  من نساء ولكنه احتاج أن ينتظر إلى اليوم حتى تروده حواء  لها دل الفتاة وقلب الطفل"

قالت:   "لا أظن. ."  ثم رفعت وجهها إلى وقالت: "انتظر. . لا تتحرك. . إنى أنظر إلى نفسي فى عينيك"

فقلت - وقد أعجبنى ذلك:   "حسن. . والآن. . لا تتحركى  أنت. . فأنى أتأمل قوس هذه الشفة. . ."

فذهبت إلى آخر الزورق وأرسلت لي مع الريح قبلة

وقالت وهى تجلس هناك:   "إن الذي يعجبني منك هو هذا. .  أنك لا تأخذنى على غرة. . الأكثر فى الرجال يعدون المرأة  صيداً أو قنصاً. . أما أنت فتشجعنى على استعمال حريتي وعلى  الشعور بأن لى استقلالاً وإرادة يجب أن يحسب حسابهما. .  وكأنى بك يسرك أن تدع غيرك يحيا حياته على هواه هو، أكثر  مما يسرك أن تفوز من دنياك بمتع حياتك. . والآن ألا نمضى؟؟)

فقلت وأنا اضرب الماء بالمجداف:   (إن فيما قلته عنى بعض الغلط. . فأنا احب أن أصحح لك هذا. . وأنا أعترف أنى لست  وحشاً. . إذا كان هذا ما تعنين. . ولكن نظريات أفلاطون  لا تروقنى. . نعم يسرنى أن أرى كل إنسان يحيا حياته كما يروقه  - ولم لا؟ - ولكن من أبرز نقط الضعف فى نفسى أنى  أحب أن أحيا أنا أيضاً كما أشتهى "

فدنت منى وأراحت أناملها على كتفى   ، وأسندت وجهها  إلى صدرى وقالت وهى تضحك:   (إنك عبيط. . ألست كذلك؟  وهذا هو الذي يحببك إلى. .)

قلت:   "يا ملعونة. ."  وأحطتها بذراعى -   "ارفعى فمك  فإنى أريد أن. . أسوي ربطتى فى مرآة عينيك. . .)

وفى هذه اللحظة الحافلة بالاحتمالات خطرت فى دائرة نظرى

فتاة كان لا يسعني إلا أن أراها. وليس لى فى هذا حيلة ولا كان  منى عن عمد. ولكنها صارت أمام ناظرى، فأنا لا بد أن  أبصرها. وأحست صاحبتى أن عينى تحولت - كما كان لا بد  أن يحدث - فحولت وجهها إلى حيث أنظر فأبصرت الفتاة،  فما كان منها إلا أن انتفضت قائمة، وضربت المجداف من يدى،  وصاحت بى:

"ارجع بى حالاً. . . إلى البر. . . قبل أن نبعد. ." فذهلت وقلت: "ولكن لماذا؟؟. . . إنا لم نبعد  إلا خمسة أمتار. . ."

قالت:   "ليتنا بعدنا جداً. . . ولكن لا. . . كنت إذن  أبقى مغشوشة. . . مخدوعة. . . ارجع. . . أقول لك ارجع. . ."

ولا حاجة إلى رواية كل ما قالت وما أجبت به، وليثق  القارئ أن ريقي نشف كما لم ينشف قط، فقد ثقل على هذا  الطبع، وأضجرتنى هذه الغيرة السخيفة التى لا محل لها على كل  حال. فبعد أن تألفتها من نفرتها ذهبت ألقنها درساً لا أظن أنها  ستنساه فى حياتها

ولكن أمثال هذه الدروس لا خير فيها ولا جدوى منها؛  وما أظنها إلا كالكتابة على الماء

وقد تظهر المرأة مجاراتك ساعة تتلقى الدرس، لأنها ترى  هذه المجاراة والتظاهر بالاقتناع والتوبة أحزم وأحسم للنزاع،  ولكنها لا تملك أن تغير طبيعتها، فهى تظل على الرغم من  دروسك كما هى

وقد أحنقنى من ذات الثوب الأرجواني هذا النفور الذى لا داعى له، فغضبت وثرت وانتفضت، فرميت ورقات كانت  بيدي؛ وكنت جالساً بحيث أراها وتراني، ويظهر أن ما رأته  من خروجي عن طوري المألوف أدهشها جداً، فقد رأيتها تهب  وتطل، فِعْلَ من يريد أن يثبت ويتحقق. ومضيت أنا فى  ثورتي، فجعلت أروح وأجىء فى الغرفة، وأقول لنفسى:

"لماذا تحرمُ قبل أن تعطى؟؟ لماذا تبدأ بالمنع ولا تبدأ  بالجود؟؟ لماذا تؤثر السوء ولا تؤثر الخير؟ ما هذه الطباع؟  وماذا جنيت أنا؟ إنى أرانى وهبتها الشعور بحسنها حين أحببتها،

ولو أنها لم يحببها أحدٌ لما وسعها أن تدرك أن لها حسناً يعشق  وجمالاً يُحب. . . فشعورها بحسنها هو هبةُ وعطية منى، لأنى  أحببتها. . . فكيف تتيه عليّ وتتدلل، وتحاول أن تعذبنى  جزاء لى على مجهودى الذى استفادت هى منه ولم أستفد أنا  شيئاً؟

أي يدٍ لها عليّ؟؟ أنى أراها؟؟ فكل من شاء أن ينظر  إلى شرفتها ساعة تكون فيها يستطيع أن يراها مثلى فلا فضل لها  فى ذلك يحسب عليّ. . ماذا غير ذلك؟ لا شىء. . انتهينا إذن! .  . وما دامت لا تختصني بشىء فلا حق لها فيما تتكلفه من  حرمانى. . . لو كانت لم تتكلف لما عبأت ولما أحسست أن  فى الأمر عمداً. . ولكنها عامدة ولست أنوى أن أشايعها على  ظلمى. . إذن فأنا أنفر كما تنفر. . . وأحتجب كما تحتجب  وليكن ما يكون!"

وبعد أيام عدت أقول لنفسي: "اسمع. . إنها ليست مثلك.  أنت تستطيع أن تخرج، وتروح، وتجىء، وتتسلى وتتلهى،  ولكنها مسكينة لا تملك ما تملك من الحرية ومن وسائل التعزى.  . وما يدريك أنها ليست مضطرة إلى هذا الذى ثقل عليك  وكرهته منها؟؟ ولا تنس أنها رقيقة القلب. . أليست قد رأت  أنك تشكو ألماً فى ذراعك فحدثتك نفسك أن قد بدا لك منها  عطف كان له وقع حسن فى نفسك

وقد توسطت وخير الأمور الوسط - كما يقولون - فأنا  لا أتكلف الاحتجاب ولا أتعمد أو أتحرى أن أراها، وأدع  هذا وذاك للمصادفة؛ وسأرى ما يكون. وأخوف ما أخافه أن  أمل هذا التعب العقيم فيركبنى عفريت العناد وأجازف

اشترك في نشرتنا البريدية