الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 297الرجوع إلى "الرسالة"

ذكرى الهجرة، لإمام المسلمين الأستاذ الأكبر

Share

فى مستهل  هذا الشهر العظيم  بذكراه، أذعت على  العالم الإسلامى نجوى لصاحب  الهجرة صلوات الله  وسلامه عليه، كان  فيها تذكرة وفيها  بلاغ. وليس شىء  أحب إلى نفسى من إعادة هذا الحديث،

فإن التذكير بسيرة رسول الله، وبهجرته فى سبيل الله، شفاء لغل  الصدور، وجلاء لرْين القلوب، وقوة لضعف الأنفس

إن دعوة الرسول الأعظم كانت فى مكة أشبه بالغيث أنزله الله  فى يباب القفر، ففاض بعضه فى سباخ الأرض، واحتبس بعضه  فى أصلاد الصخور، ثم نفّس الله عنه من شدة الضيق والحصر فانبثقت عنه الحواجز الصم، فجرى سيولاً فى السهول والأودية،  وتشعّب ينابيع فى القرى والمدائن، يحمل الخصب والنماء، ويوزع  الرى والغذاء، فأحيا موات الأرض، وروى غُلة الناس، وكان  منه العمارة والحضارة والخير

نعم كانت هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة  هى هذا الانبثاق الذى انساح به الإسلام فى أقطار الأرض يحمل  الهدى للأرواح الحائرة، والسلام للنفوس المحروبة، والألفة للقلوب المختلفة، فسارت الإنسانية فى طريق الحياة على ضوئه، تنعم بالإخاء فى الدين، وتتمتع بالمساواة فى الشريعة؛ فلا عصيبة تزرع الأحقاد

وتنشر الفرقة، ولا امتياز فى الجنس أو فى اللون أو فى الثروة  يوجب الاستعباد ويقتضى الظلم. وحمل خلفاء الرسول رضوان الله  عليهم أجمعين مصباح الهداية وزمام القيادة من بعده، ثم استاروا  بسيرته، واستنوا بسنته، فأورثهم الله مللك الأرض، وملكهم مقادة العالم، فقادوه على بصيرة وساسوه عن دراية؛ فكان كتاب الله  هو الدستور، وحكمه هو القاضى، وسنة رسوله هى الخطة. فلما  ابتعد المسلمون عن مشرق النور وأعرضوا عن الذكر، غشيتهم  الغواشي فضلوا وجهة أمرهم، وجهلوا غاية قصدهم، وتفرقوا شيعاً  فى الضلال، وتدفقوا أحزاباً فى الباطل، وأصبح كلام الله  على ألسنتهم ألفاظاً لا معانى لها ولا رَجْع منها، فأفلت من أيديهم  زمام الأمر، وسلب الله من أعدائهم الرعب منهم، فتقهقروا  إلى مؤخرة الركب، وساروا أتباعاً بعد أن كانوا أئمة، وإهمالاً  بعد أن كانوا سادة. كل ذلك والإسلام هو الإسلام، أنواره لألاءة  لا تخبو، ومنبعه ثَرَّة لا تنضب؛ ولكن المسلمين نسوا الله  فأنساهم أنفسهم، واستعزوا بغير سلطانه فوكلهم إلى غير راحم أشهد أن هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله:  رجوع إلى الله فى أمره ونهيه، وردُّ الخلاف إلى تنزيله ووحيه،  وتأليف القلوب على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة. وفى يقينى  أن الضال متى أدمت قدميه وعورة الطريق، وأنهكت قواه  مشقة الحيرة، عاد يلتمس الهدى من مصدره، ويبتغى القصد  من دليله. فالإسلام كما كان المبدأ سيكون المعاد، وكما أنقذ العالم فى الأولى سينقذهم فى الثانية. ومادام الله عزه اسمه قد ختم به الوحى فلابد أن يجدد حبله كلما رث ليعتصم به اللاجئ ويجتمع عليه  الشتيت ويفىء إليه الشارد.

إن آية الهجرة التى ظهر بها الإسلام وعلا فيها الحق هى الإخلاص  للعقيدة والتضحية للمبدأ والمصابرة فى الجهاد والمؤاخاة فى الله. وهذه  الصفات التى زود الله بها رسوله الكريم لتبليغ رسالته وتمكين أمره، هى عدة كل دعوة ووسيلة كل نهضة؛ وبدونها لا يتفق رأى  ولا تجتمع كلمة ولا تؤدى سياسة. يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله  وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحمل بين المرء وقلبه،  وأنه إليه تحشرون. يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) أسأل الله المسلمين عامة ولهذا البلد  خاصة هَديْا وسدادا، وعونا وإسعادا، وألفة واتحادا، إنه واسع  الفضل عظيم الطول سميع الدعاء.

اشترك في نشرتنا البريدية