احتفل المعهد العلمي الألماني أخيراً بذكرى العلامة المخترع فرتز هابر الذي توفي منذ نحو عام في برلين، ودفن في صمت
مطبق. ولهذا الاحتفال الذي يقيمه اعظم معهد علمي في ألمانيا، يجمع أقطاب العلم الألماني كله، مغزى مدهش. ذلك أن فرتز هابر يهودي تنكره ألمانيا الهتلريه، وتنكر كل جنسه، ولكن فرتز هابر هو أيضا اعظم كيماوي ومخترع ألماني ظهر في العصر الأخير، وهو الذي اخترع (غاز) الحرب الخانق، أمد ألمانيا خلال الحرب بأعظم سلاح استطاعت أن تصمد به لخصومها أعواماً، وقد لبث هابر عميد المباحث الكيماوية الألمانية حتى قام الطغيان الهتلري في ألمانيا، ونظمت مطاردة اليهود المعروفة،
فاعتكف العلامة الشيخ في شبه اعتقال، وتوفي بعيداً عن كل تكريم وضجة، ولكن ألمانيا الهتلرية تحاول اليوم أن تعيد صرح العسكرية البروسية القديمة، وهي لا ترى اليوم بأساً من أن تكرم ذكرى قطب من أقطاب الاختراعات الحربية، ولا بأس أن يجمتع أكابر العلماء الألمان برغم النظريات الجنسية لتكريم زميلهم وعميدهم الراحل الذي استطاع أن يستخرج (الآزوت) من الهواء، وأن يخترع (غاز) الحرب، وكذلك أقنعة النجاة الواقية من الغاز؛ وخطب عدة من أكابر العلماء بينهم بعض الرجال الرسميين في تمجيد ذكرى العلامة الراحل وذكرى وطنيته ونبوغه؛ وأكد العلامة بلانك والكولونل كيرث أن فرتز هابر يستحق لقب (العالم المجهول) وأنه لولا اختراعاته لما استطاعت ألمانيا أن تتابع الحرب منذ سنة ١٩١٥، وذكر الخطباء كيف وفق هابر إلى اختراع (الغاز) في أبريل سنة ١٩١٥ وأشرف بنفسه على أول هجوم استعمل فيه الغاز في منطقة (ايبر) ؛ وأنه لو تقتصد ألمانيا في حرب (الغاز) لكان ظفرها في الحرب مرجحاً
ومع أن السلطات الرسمية صرحت بإقامة هذا الاحتفال، فإنها حظرت على الصحف أن تنشر عنه شيئاً؛ ولم يعرف إلا مما نشرته الصحف الأجنبية لمراسليها
وهكذا تعيش ألمانيا النازية في غمر من المتناقضات!

