بعد أسابيع. . . يطالع قراء الرسالة العصماء عددها الألفي، ومجلة الرسالة تعد في طليعة المجلات النابضة بالآداب الرفيعة، الناهضة بكل ما استحدث في الضاد من علوم وفنون.
وغني عن البيان أن لصاحبها الأستاذ أحمد حسن الزيات أكبر الفضل في إبرازها بتلك السمة الأخاذة الرائعة التي وضعتها في مقام الصدارة من الأدب الحي.
وللأستاذ الزيات مكانته الملحوظة، لا في مصر وحدها بل في الأقطار الشقيقة عامة وسائر الديار الناطقة بلفة القرآن، بما برز فيه من أدب عال، وأسلوب جزل رصين، قوي البيان، راسخ البنيان، سديد الهدف، بعيد المرامي، هذا إلى ما عرف عنه من خلق عظيم، وذوق سليم، وغيرة إسلامية قومية وطنية.
وأشهد أنني ما طالعت فاتحة مقال، بارع الاستهلال، في جميع الأحوال لأستاذنا الزيات، إلا وجدت حافزاً قويا يحفزني لإتمام المقال، حتى لم أعد أقنع بما ألفه وزفه للعربية الفصحى من
كتب قيمة جمعتها وقرأتها مرات، ومازلت أطلب المزيد منها.
غير أني أحب أن تفسح رسالتنا الغراء صدرها الرحيب لبعض الملاحظات التي نعرضها لذكرها والذكرى تنفع المؤمنين.
كانت الرسالة في أول عهدنا بها، أفسح مجالا، وأكبر حجما، وأقرب منالا، فلما عطلت الحرب الأخيرة موارد الروق، وضنت على الصحف والمجلات بوفرته، ضاق النطاق، وشجت الأوراق، حتى عاد العدد من المجلة لا يتسع لأكثر الموضوعات. وعشاق الرسالة يحبون أن تكون مجلتهم الحبيبة، جامعتهم العامة، يلتقون فيها بخواطرهم، ويتبادلون نواحي الفكر المختلفة، في الآداب والعلوم الاجتماع.
وفي باب (البريد الأدبي) مجال ضيق الحدود، لا يتسع لأكثر من ثلاث رسائل في غالبية الأعداد. وباب القصص الغربية والمصرية كسابق العهد - مجال واسع لا يزال شاغرا في مجلتنا الأثيرة.
ولقد كانت ومازالت مجلة الرسالة تعتبر مجلة الخاصة من الممتازين بالثقافة العالية؛ لهذا أصبحنا لا نجدها إلا في أماكن محدودة - يوم صدروها، وهي تكاد تطالعنا بغير المقالات الخاصة لفئة خاصة، من كتاب وأدباء الأقطار العربية، وقد تتغير الأسماء وتتجدد الأقلام ولكن في النذر اليسير منها.
فإذا ما عن لأديب من عشاق الرسالة - وكثير ما هم - أن ينشر على صفحاتها بعض ما يعتز ويعتد به من إنتاجه - بعد الكد وطول البحث، أو دفعه دافع من غيرة أدبية، أو حب استطلاع علمي، إلى الفزع إليها، ضنت وما اطمأنت لغير الأسماء اللامعة.
ولو جاز لأديب يعيش في عزلة مثلي، أن يكتب في معظم الصحف والمجلات العربية، مقالات أدبية، وقصائد ومقطوعات شعرية، قرابة ربع القرن مضى من الزمان. . أقول لو جاز له ذلك، لما استطاع أن يجتاز امتحان الرسالة العسير!!
(أحرام على بلابله الدو ... ح حلال للطير من كل جنس)
وفي البريد الأدبي بالعدد ٩٩٣ تحت عنوان (دار العلوم) كلمة للأستاذ (محمد علي جمعة الشايب) فيها إشارة لبعض ما توجهنا إليه.
فإذا لم تكن مجلة الرسالة الناهضة، هي الملجأ الأمين، والمفزع المنصف، لإبراز المواهب وصقل الأفكار وشحذ القرائح. فمن للشعر والشعراء والأدب والأدباء الذين ضاقوا بتدهور سوق الأدب، وقصوره على النواحي الماجنة المبتذلة، لغالبية الناشئين من أدباء اليوم والمطمورين من شعراء الجيل.
لقد حمدنا لأستاذنا الزيات ما أضفناه على مجلة الأزهر من جمال، وما أضافه إليها من بحوث قويمة وأبواب آية في الروعة ومتانة الصياغة، وطرافة النواحي الدينية والتاريخية والأدبية والاجتماعية، فبعد أن كانت مجلة الأزهر مقصورة على طائفة من أهل العلم، والبحث الديني، أصبحت مجلة الجميع! أما آن للرسالة أن نجدها أيضاً مجلة الجميع وملتقى الأدباء والشعراء في مصر والأقطار العربية على السواء؟
وأذكر لصاحب الرسالة قوله في مقال: (الرسالة في عامها الحادي عشر) (وإذا قدر الله للرسالة أن تخرج من محن هذه الحرب وفيها حشاشة نفس، كانت حرية بعد ذك أن تستهين بكل صعب، وتثبت على كل خطب) إلى أن يقول: (ويؤمئذ يتسع لها المجال فتشارك جاهدة مخلصة في رأب ما تصدع وتجديد ما تهدم) وإنا لمنتظرون وعلى الله قصد السبيل.
