الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 205الرجوع إلى "الرسالة"

راء (المبرد) مرة أخرى للأستاذ إبراهيم مصطفى

Share

لقي اسم المبرد من عناية الرسالة وعناية الأدباء الباحثين  حظاً حسناً. وكان مثار الخلاف أني قلت (المبرَّد)  بالفتح  في محاضرة ألقيتها بالجمعية الجغرافية فنقدني أديب وتصدى  له أديب وامتلأ الحوار بالحجة وبقيت أقرأ مستفيداً شاكراً.  وحق عليّ من بعد، أن أذكر ما من أجله فتحت هذه الراء

لقد تلقيت هذا الاسم بالكسر عن الشيخين اللغويين  الشنقيطي والمرصفي. وسمعنا من الشنقيطي شعراً أو نظماً في  ذم من فتحها ليس يخلو ذكره من تفكهه وهو: والكسر في راء المبرَّد واجب ... وبغير هذا ينطق الجهلاء وكان رحمه الله يلقي القول يفخمه ويمط البيت عند آخره.  أما شيخنا المرصفي فلم يكن متشدداً في الكسر تشدد الشنقيطي،  ولكن كان يفضله ومن هنا غلب على لسان الأدباء كسر  الراء وتلقيناه ولقيناه كذلك. ثم تبين لنا أن الصواب هو  الفتح لما رأينا أن هذا الاسم إنما وضع نبزاً للعيب لا لقياً  للمدح. وكان من عادة ذاك الزمن أن يكون تكريم العلماء  بالكنية؛ ويكثر أن تغلب عليهم ألقاب تحمل نبزاً وعيباً؛ وقد  يبدو ذلك غريباً ولكنه أمر واقع. فأبو العباس محمد بن يزيد      (المبرد)   شيخ النحاة بالبصرة، وأبو العباس احمد بن يحيى    (ثعلب)  شيخ النحاة بالكوفة في زمنه يعاصره وينافسه؛  وثعلب والمبرد نبزان، وكذلك أمام الأدباء في ذات العصر  أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.

والجاحظ نبز بلا ريب. ومن ألقاب العلماء في ذاك  الزمن قطرب وعجرد والجعد والبغل والحامض والأخفش  والأعمش والأعور والأعمى والأثرم والأشعث والفراء  والزجاج والرؤاس (بائع الرؤوس) ولكل كنية لا يدعى  إلا بها ولا يحب أن يتسمى بغيرها.

ولو كان في هذه الأسماء مثار للخلاف واحتملت  أنبازهم الفتح والكسر كالمجحظ والمخفش والمعور لرأيت من  يدعى لها ويقربها من المدح بوجه ما (كالمبرد)  وينسى أصل  النبز وعادة العصر ولولا سعة صدر الجاحظ لقال أيضاً جحظ  الله من جحظني. وقال الأخفش خفش الله من خفشني كما  قال المبرد: برد الله من بردني - على أن السعي لتجميل ألقاب

العلماء عاطفة جميلة، ولكنها تباعد التاريخ وتخفي الحق؛ فقد  رأيت لم خالفنا ما روينا عن الشيخين. ولعمري لو أنهما  شهدا وهدي إليهما ما قدم في الرسالة من النصوص لما رأيا إلا  الفتح، ولشكراً للأديب العالم الذي تسمى (أحد القراء)  فطوى  اسمه ونشر علمه. فما كان لهؤلاء العلماء من التشدد في الحق إلا  ريثما تنكشف لهم الحجة في غير ما بأيديهم؛ فهم أتباع الحق  أبداً. ولقد ذكرت بهذا قصة للمرحوم الشيخ الشنقيطي  كان يقرأ عليه الأستاذ الخضري شعراً فيه كلمة   (الخرامي)   بالراء المهملة، فقال الشنقيطي هي الخزامي بالزاء أصلحها،  فحدثنا الشيخ الخضري أن نفسه تطلعت أن ينظر القاموس  ليرى الكلمة وكان قريباً منه فنظره وإذا في القاموس الخزامي  والخرامي بالزاء وبالراء وكل منهما نبت بالصحراء، فقرأ على  الشيخ ما وجد. قال الشيخ: أعدها بالراء وأستغفر الله. قال  الخضري: كنت أظن أن القاموس أدنى علم الشيخ من اللغة.  فضحك الشنقيطي وقال:  (دون هذا وينفق الحمار)  فتلك منزلة  العلماء من الحق إذا تبين وما التوفيق إلا بالله

اشترك في نشرتنا البريدية