الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

رسالة للشابي لم تنشر

Share

حمدا وصلاة وسلاما توزر : ١٣٥١/١٠/٢٦

اخي العزيز تحية وسلاما وبعد فقد وردت على رسالتك الحبيبة فما ذكرت ناسيا ولا نشرت ما في القبور ولكنها عانقت فى النفس ذكرا لك حبا وولاء قويا فكيف سولت لنفسك يا صديقى ان تحصب اخاك بظنون آثمة ليس لها من الحق نصيب ، ولكن ما لنا ولهذا ؟ لأتريب عليكم اليوم يغفر الود لك ما ظننت

اما كلمة " قبر الفولاذ " التى راسلت بها الاخ البشروش فقد كتبتها اثر ثورة نفسه عصفت في نفسى ومن حوالى - وانت تعلم اننى رجل نوبات - وقد كان من اسبابها انني لم اقتنع بما في رسالتك الاولى من قول وحجة ، وانني اصارحك بعد ان قرات رسالتك الاخيرة اننى مقتنع برايك مؤمن به - واننى اعتذر اليك عما في تلك الكلمة من قسوة وعنف ، بثورة النفس وضعف الاقتناع . فهل انت غافر ؟

وانني على رايك في انه لا غضاضة علينا من الدخول فى جمعية التأليف والنشر المزمع على تاسيسها في تونس - ان صحت - ولكن على شرط ان لا يكون في بنودها ما ينافي مبادئا المقدسة التى كرسنا لها ما لنا من قوة وحياة .

شكوت يا صديقى من جمود الشعب ، وركود الادب ، وموت احلام الاديب وشكوت من قسوة هاته الحياة التى تجبر الواحد منا على ان يحيا حياة السوقة والرعاع ، حياة السخافة والجمود ، حياة المادة الصماء الضيقة التى لا ترحم قلبا ولا عاطفة ولا خيالا ! ولا تحيي مثلا من الامثلة العليا او طيفا من اطياف الحنين الاعظم والشوق الالهى النبيل . . وهي شكاة لا تسمع فى هذا القطر الضائع المغمور ، لانه لا يفهمها الا افراد قلائل ، ولا يحس بها الا الاقل ، ولا يتغنى

بها الا بضعة فلوب غريبة هائمة في مجاهل الاحلام ، ولكن ما لنا وشكوي الحياة :

فمن تالم لم ترحم مضاضته   ومن تجلد لم تهزأ به القمم

لنترك الالم جانبا ، ولنصعد باقدام ثابتة جبل الدنيا المقدسة جبل الفن " والفكر والاحلام :

فالمجد في القمم الرفيعة . مالئ   جبل الحياة بضوئه الخلاب

ولنعرض بأبصارنا عن اشباح الموت وغيلان الظلام السارية فى اعماق الوادى وفي شعاب الجبل ، ولنصرف اسماعنا عن صرخات الياس واصوات الابالسة ، فان في الذروة العليا موسيقى الوجود الخالدة وفجر الحياة السر مدى :

ولنرتفع يا صديقي باجنحتنا الصغيرة فوق هاته الحياة الحقيرة التافهة . ولنحلق في افاق النور والحق والجمال بكل ما في ايماننا من حماس وبكل ما فى شبابنا من قوة وحياة وطموح

كذلك يا صديقي اكتب حينما يهيج بقلبى روح الامل وتطغي حوالي امواج الشباب ، ولكنني اذا رجعت الي نفسى وثابت الى اشباحي الكئيبة الدامية ، وقرت حوالي امواج الشباب وسكنت السنة الحياة الهاتفة ، اذ ذاك تتراخي اجنحتى . وتغشاني سكرة الموت واهوي الى لجة الياس المظلمة هوى " ايسكاروس " الى اعماق البحار . اجل يا صديقى ، وان فى نفسى من مضاعفات الياس اضعاف ما انت فيه : فهذا الداء الدي يخايلنى كل يوم وساعة باكفان القبر وظلام الرموس هو وحده كاف لان يهد عزائم الاقدار

انه لا يحزنني شيء في هذه الدنيا اكثر مما يحزنني التفكير فى اننى اموت قبل ان اؤدي رسالة الدنيا التى احس اننى لم اخلق لغيرها فى هذا العالم .

رسالة ! اي سخافة واى جنون ؟ كبرت كلمة ينطق بها فمي ويكتبها قلمي على صفحه هذا القرطاس - ومن انا حتى اؤمل هذا الامل او انتخب هاته الغاية ؟ إن انا الا صدفة مكسورة تضطرب في لجة الزمان وستمسى بدادا فى اكف الرياح المظلمة اليوم او غدا .

لست ادري يا صديقى كيف كتبت ما كتبت وهي على كل حال ثرثرة سخيفة

ارجو ان تمر عليها ببسمة مشفقة وان شئت فلتكن بسمة الساخر الحنون

ثم ماذا عساي ان احدثك عن حياتي المقفرة ؟ لا شئ فيما اظن ، ولكن أه ! لقد ذكرت لقد طلب منى فى هاته الايام طائفة من الشبان ارباع المثقفين ان نسعى لتاسيس ناد ادبى بتوزر ، فقابلنا عامل الجهة وتحادثنا معه فى هذا الغرض فوجدنا منه نفسا غير نافرة وقد وعد باعانة المشروع بما يستطيعه وقد احضرت منذ يومين القانون الاساسي واظن اننا سنقدمه الى المراجع ذات النظر بعد يوم او يومين - وقد كان في الامكان تقديمه اليوم او امس ولكن الجو منذ ثلاثة ايام مغبر والرياح عاصفة تسفى الرمال على الابصار فتكاد تعميها وتلحس الوجوه ببردها الشديد فتكاد تسلخها ، والناس او انا ان شئت الدقة فى التعبير لائذون بالبيوت . بحيث انني منذ زوال اول امس لم اغادر منزلي ثم ماذا ؟ لا ادرى ولكن لا تناول رسالتك على اجد فيها ما يفتح امامى بابا للحديث ويدحولى دنيا من التفكير والكتابة انك تتحدث عن " أبولو " وتقول : " انها مجلة عالية وسيكون لها اثر عظيم في توجيه الشعر العربى من النزعة المدرسية إلى النزعة الرومانتيكية وقد اعجبت بها جدا " وانا اشاركك فى هذا الاعجاب ، ولكننى ارى ان بينها وبين السمو خطوتين الاولى ان يقسو صاحبها فى انتخاب ما يرد عليه فلا ينشر الا ما سمت روحه وشرف اسلوبه حتى اصبح جديرا ولو اقل من كل الجدارة " بان يصير " فنا " فاننى اراه فى كثير من الاحيان ينشر بعض الأشعار السخيفة المبتذلة في روحها او اسلوبها بالرغم عن انه كثيرا ما يصرح ويصرح له بانه يجب ان يكون قاسيا لا يعرف مجاملة او هوادة فى سبيل الحق والفن - ولكنها خطوة اعتقد انه سيخطوها فى مقتبل الايام . الخطوة الثانية مشاركة عظماء مصرفي تحريرها : كالعقاد والمازني وطه حسين ومن لف لفهم فان الطبقة التي تحررها هاته الايام وخصوصا فى الناحية النثرية - ليست من القوة في شئ .

اما علاقتى انا " با بولو " فقد حدثتك فى رسالتى السالفة بانني وجهت لها قصيدتين ومعلوم الاشتراك وطلبت من صاحبها ان يوجه الى الاعداد الاولى منها وقد ورد علي كتاب منه بعد ذلك وطيه معلوم الاشتراك نفسه قائلا انه يستميحني

عذرا في ارجاعه لان المجلة توجه الي كهدية خالصة ، وصحبته ورقة مطبوعة في طلب العضوية بجمعية " ابولو " وطلب منى تعميرها وامضاءها وتوجيهها حتى يضمن اسمى في ثبت اعضائها كما طلب ان ارسل صورتى لتنشر بالمجلة مع شعري وقد ضمن رسالته ما سمحت به نفسه من ثناء واعجاب . كما اهدى الى نسخة من ديوان له حديث اسمه : " اشعة وظلال " ووجه الى الاعداد الاولى من المجلة والى هنا اقف يا صديقى لاسألك ما رايك فى اخلاق ادباء مصر وصحافييها الآن ؟ ثم لاقول لك ايضا : ما نسبة اخلاق ادباء تونس وصحافييها الى هاته الاخلاق النيلة الفاضلة ؟ لست ادرى ما سيكون جوابك - وقد اهديته من " الخيال " نسخة ووجهت ثلاث قصائد لمجلته وصحبتها مطلب العضوية والصورة منذ نحو ٣ ايام ذكرت لي ان جريدة السياسة الاسبوعية عادت الى الظهور - والذى اعلمه انها تظهر باسم ملحق السياسة اليومية الاسبوعي - فهل عادت الى اسمها القديم ايضا ؟ وذكرت انك تريد ان تكاتب السياسة الاسبوعية وتنشر على صفحاتها وحي افكارك ورايى انا الذى يجب ان اصارحك به ان كبرياء مصر وفرعونيتها انما تتمثل في جريدة السياسة الاسبوعية وجماعتها اكثر من كل صحيفة وفريق - وانني افضل نشرك ابحاثك فى " ابولو " لاسباب :

١) لانها مجلة خلفت لخدمة الادب العربى بقطع النظر عن الفروق الوطنية والسياسة .

٢) لان جماعتها اقل فرعونية وادمت اخلاقا من جماعة السياسة الذين على راسهم هيكل اول داع للفرعونية ومشيد بها ، وقد رايت من اخلاق جماعة " ابولو " ذلك المثل الصغير الذى ذكرته لك .

٣) ان جماعة " ابولو " ما زالوا شبانا لم يبلغوا الكهولة بعد ولم يبلغوا من لشهرة وشيوع الذكر ما ينفخ فى آنافهم نفخة الشيطان بعكس جماعة السياسة .

ولهذا فان اقتنعت برأيي وبدا لك النشر في مجلة " ابولو " فان مما يسر اخاك ويثلج قلبه ان يكون واسطة التعارف بينك وبين جماعتها وان ينشر ادبك وادبه متاخيين فى سجل واحد - ولا تحسب انها لا تنشر الا الشعر فانها لتسر

بالابحاث النثرية وخصوصا اذا كانت حول الشعر العربي الحديث او القديم او الادب الافرنجي

وانني انتظر بفارغ صبر رسالتك بالايجاب وبحثك الرائع الجميل الذى لا استطيع ان انظر به ما نشرته المجلة لحد الآن من بحث ونثر .

نسيت ان اذكر لك ان مما طلب منى ابو شادى فى رسالته الثانية ان امده من حين لاخر ببعض الدراسات والابحاث وعلى الخصوص فى الادب الفرنسى (!) فصاحبنا يعتقد اني اعرف الادب الاجنبى ولذلك يطلب مني هذا الطلب ، وانه ليحز في قلبي يا صديقي ويدمي نفسي ان اعلم اننى عاجز ، عاجز ، عاجز ، وانني لا استطيع ان اطير في عالم الادب الا بجناح واحد منتوف فعساك اذن تلبي رغبتي ، واننى في انتظارك .

لقد ظهرت مجلة اسبوعية جديدة تصدر موقتا نصف شهرية تحت اسم  " الرسالة " يحررها طه حسين وهيكل والعقاد وعنان وأحمد الزيات صاحبها وغير هؤلاء وهي مجلة قيمة ان دامت على مسلكها هذا وقد ظهر منها لحد الان عددان . فيما رايت وصاحبها يزعم انه اصدرها بمشاركة " جماعة الترجمة والتاليف والنشر " لرفع راية الادب العالي الذي طغت عليه السياسة واوراق الادب الوضيع فهل اطلعت عليها ؟ انها من الزم اللازم للاديب الذى يريد ان يتصل معنويا بعظماء مصر في الوقت الحاضر

لم اقابل الاخ البشروش من عهد بعيد

اشترك في نشرتنا البريدية