في هذا المقال بحث علمي إحصائي قامت به هيئة جامعية ، وهو ينتهي إلى نتيجة هامة ، هي أن سعر الرغيف الشعبي ينبغى أن يظل كما هو ، مع انتاج رغيف انظف بسعر أغلي "الثقافة"
يكاد كلام الناس لا ينقطع في وقت من الأوقات عن رغيف العيش . لكنه في هذه الأيام زاد بنسبة ملحوظة . فالحكومة تقترح زيادة سعره لتخفيض نفقات خفض سعره الذي تقوم الحكومة به وتكاد تنوء بأعبائه . والبرلمان يناقش ويوازن ويفاضل ، وهو حائر بين الموافقة فيرتفع السعر وعدم الموافقة فيبقى على ما هو عليه . والشعب بين هذا وذاك منتظر مترقب . ونحن هنا نورد بهذه المناسبة تقريرا وضعته أخيرا جمعية الأبحاث الإحصائية بكلية التجارة التابعة لجامعة فؤاد الأول عن بحث قامت به بإشراف كاتب هذا المقال عن ميزانية الأسرة المصرية بالقاهرة عام ١٩٥١ . وهاك نص التقرير :
الغرض مع البحث :
لدراسة ميزانية الأسرة عادة غرضان أساسيان :
١ - قياس مستوي معيشة الشعب أو الطبقة المعينة منه موضوع البحث . لأنها تعطينا بيانا عن أنواع الأشياء التي تستهلكها الأسرة وكمياتها في وحدة الزمن .
٢ - المساعدة على إنشاء رقم قياسي لنفقة المعيشة . بواسطتها تحصل على الأوزان المختلفة اللازمة لترجيح أسعار الأشياء الداخلة في تكوين هذا الرقم تبعا لأهمية كل منها كوجه من أوجه الإنفاق .
الاستعداد للبحث :
قام أعضاء الجمعية وعددهم مائة ببحث تمهيدي في شهر ديسمبر ١٩٥٠ استخدم فيه كل منهم كشفين لجمع البيانات
من أسرتين عن مصروفاتهما في يومين معينين متتاليين في منتصف الشهر . وتركت في هذه الكشوف أوجه الإنفاق غير محددة . وكان على الباحث أو رب الأسرة وضع بيان عن كل إنفاق قام به في هذين اليومين .
استفاد الأعضاء من هذا البحث اكتساب خبرة في معاملة الأفراد ومواجهة الصعوبات المختلفة ومحاولة التغلب عليها . كما امكن نتيجة لذلك تحديد أبواب الإتفاق الهامة . ووجد أن الأفضل تقسيم أوجه الإنفاق إلى مجموعات واسعة كل مجموعة منها متجانسة فيما بينها ، على أن تشمل المجموعات جميع أوجه الإنفاق بقدر المستطاع . وقد لجأت الجمعية إلى هذا النظام لتسهيل عملية ملء الاستمارات ثم تفريغها .
وقد طبعت بعد ذلك كراسات على هذا النمط ، تشمل كل منها ثلاثين كشفا يوميا للانفاق ، أضيف إليها كشف أخبر للتخزين والمصروفات المنتظمة على فترات أطول من شهر ، مثل كسوة الشتاء وكسوة الصيف وأقساط التأمين والاشتراكات في جمعيات الادخار ، وأقساط تسديد الديون وما شاكلها . كما صدرت الكراسة بجدول للدخل ذي قسمين : أولهما لتسجيل كل ما يحصل عليه رب الأسرة خلال فترة البحث ، والآخر لكل دخل إضافي آخر ينتظر الحصول عليه خلال العام ، مثل إيجار منزل يملكه أو استحقاق في وقف أو مكافأة سنوية يحصل عليها من العمل أو ما شاكلها .
نطاق البحث :
تخيرت الجمعية لبحثها الطبقة التي ينحصر دخلها الشهري بين خمسة جنيهات وخمسة وعشرين جنيها، لاعتقادها أن هذه الطبقة هي التي تكون أغلبية سكان القاهرة في الوقت الحالي ، كما أنها أكثر الطبقات حساسية بأي تقلبات في الأحوال والأسعار . وعنيت الجمعية في بحثها أكبر عناية يجعل هذه العينة شاملة ممثلة من جميع النواحي بقدر الاستطاعة . فراعت الحصول على عائلات من جميع أحياء القاهرة ، وأن تكون جميع فئات الدخل في الحدود السابق ذكرها موزعة توزيعا ممثلا ، وأن يكون توزيع العائلات معقولا من حيث الأنواع المختلفة لمهنة رب الأسرة ، كما أن تكون محتوية على عائلات تشغل مساكن من درجات مختلفة .
ثم حددت الجمعية الشهر الواقع بين ٢٠ يناير ١٩٥١ ١٨ فبراير لجمع البيانات . ولو حظ في هذا الاختيار أن هذه الفترة كانت خالية من الأعياد والمواسم وأنها لا تبدأ بأول شهر ولا منتصف شهر ، وهي الأيام التي يغلب فيها استيلاء الموظف أو العامل على مرتبه أو أجره . كما أنها تحتوي في خلالها على مثل هذه الأيام .
جمع البيانات :
قام بجمع البيانات في هذه الكراسات حوالى ٨٥ عضوا من أعضاء الجمعية عن حوالى ١٣٠٠ أسرة منتقاة بحيث تفي بشرطين : أولهما أن تكون عينة ممثلة بقدر الإمكان ، والثاني أن يكون أربابها من النوع الذي يهتم بالتعاون في بحث علمى كهذا ويقدر الأمانة والدقة فيه.
وبعد جمع هذه الكرامات وجد أنه من الممكن الاعتماد على البيانات الواردة في حوالى ألف منها. وإلى أن يتم تبويب البيانات الواردة بهذه الدراسات جميعها للحصول على نتائج نهائية رؤي أخذ عينة منها للوصول إلى نتائج أولية .
تركيب العينة:
كانت العينة حوالى سدس العدد الكلى للعائلات ، وكان متوسط عدد أفراد العائلة منها يتراوح بين أربعة وخمسة ، وقد روعي في اختيار هذه العينة أن تكون عشوائية ممثلة كما يلي : -
(١) إذ كانت موزعة توزيعا مناسبا على أحياء القاهرة المختلفة .
(٢) وكان توزيع أربابها على المهن المختلفة كما يلي :- ٣٨ % موظفو حكومة و٣٠% عمال فنيون ١٠% عمال غير فنبين و١٠% موظفو شركات ٨% بالمهن الحرة و٤% بأعمال اخري مختلفة
(٣) أما من ناحية الدخل الشهري للأسرة فكان التوزيع كالآتي : -
١٣% من ٥ جـ . م . إلى أقل من ١٠ جـ . م . ٢٢ % من ١٠ جـ . م . إلى أقل من ١٥ جـ . م . ٢٥ % من ١٥ جـ .م . إلى أقل من ٢٠ جـ . م . ٤٠ % من ٢٠ جـ. م . إلى أقل من ٢٥ جـ . م .
(٤) وكان توزيعها بالنسبة لدرجة السكن كالأتي : - ١٦% ملاك لا يدفعون ايجارا
٣٣% يدفعون ايجارا اقل من ٢ جـ . م. ٣٦% يدفعون ايجارا من ٢ جـ .م. الى اقل من ٤ جـ .م. ١١% يدفعون ايجارا من ٤ جـ .م. الى اقل من ٦ جـ . م. ٣% يدفعون ايجارا من ٦ جـ .م . الى اقل من ٨ جـ .م. ١% يدفعون ايجارا من ٨ جـ .م . الى اقل من ١٠ جـ . م .
النتائج الأولية :
وجد من هذه العينة أن توزيع المصروف الشهري الكلى على أوجه الإنفاق المختلفة كان في المتوسط كالآتي : - ٤٥% للغذاء و١٣% للكساء ١٦% للسكن ١٧ / المصروفات المنزلية الأخرى والعلاجية ٦ % للمواصلات والسينما و٣% للمصروفات الأخرى
هذا التقرير كما نري مجرد سرد لمعنى البحث وطرق إجرائه ومانتج منه . ولكنه خال من أى استنتاج أو تعليق . وقد ترك هذا عمدا لكي يستنتج منه من يشاء ما يريد .
ويلاحظ أن نسبة المنفق على الغذاء ٤٥ من الإنفاق الكلى . هذا هو المتوسط بالنسبة لجميع العائلات بالعينة ، وتتراوح دخولها الشهرية بين خمسة جنيهات وخمسة وعشرين
جنيها . ولما كان المعروف أنه كلما نقص الإنفاق الكلي زادت نسبة المنفق منه على الضروريات وفي مقدمتها الغذاء ، فإن العائلات التي ينقص مجمل اتفاقها عن المتوسط تزيد نسبة ما تتفقه على الغذاء عن ٤٥% أى أن العائلات الفقيرة تصرف معظم دخلها على الغذاء فتتأثر أكثر من غيرها بارتفاع أسعار المواد الغذائية . وقد وجد في هذه العينة أن نسبة الإنفاق على الخبز وحده حوالى ٢٥% في المتوسط ترتفع إلى أكثر من ذلك كلما قل الانفاق الكلى للعائلة عن المتوسط . ومعنى ذلك أن الأسرة التي تتفق عشرين جنيها في الشهر تصرف من هذا المبلغ على الخبز وحده حوالى خمسة جنيهات في المتوسط ، فإذا ارتفع سعر الرغيف من خمسة مليمات إلي ستة فإن مجمل المنفق على الخبز شهريا يرتفع من خمسة جنيهات إلى ستة ، أي يرتفع بمقدار جنيه . ولما كانت العائلات في هذا المستوي لانكاد توفر شيئا من دخلها - إن لم تكن تستدين لنسد نفقاتها - فلابد من أنها تقتطع هذا الجنيه من النفقات على البنود الأخرى ، ويلاحظ أن مصروفات هذه العائلات تكاد تنحصر كلها في ضروريات الحياة ، فليس لديهم فائض يسمح بالإنفاق على كماليات بالمرة ؛ ومعنى ذلك أن توفر العائلة هذا الجنيه من أبواب الغذاء الأخرى كالخضر والفواكه واللحوم التي لا تكاد فعلا تحصل على ما يكفها منها ، فما بالك إذا اضطرت إلي تخفيض النفقات على هذه الأشياء بمقدار جنيه شهريا أي حوالي ربع المتفق فعلا .
هذه الاعتراضات قد تجعلنا تميل إلى تعضيد الرأي القائل ببقاء سعر الرغيف الشعبي على ما هو عليه ، مع إنتاج رغيف أنظف بسعر أعلى بكثير حوالى عشرة مليمات مثلا للطبقات المقتدرة هذا الراي في الواقع وجيه جدا إذا أمكن للحكومة المقتدرة . هذا الرأي في الواقع وجبه جدا إذا امكن للحكومة أن تحكم التنفيذ فتطمئن إلى عدم تكالب القادر وغير القادر على الرغيف الرخيص ، فيبقى الحال كما هو دون أن تستطيع الحكومة أن توفر شيئا من مصروفاتها الكثيرة .
وقد تكون هناك حلول أخرى أقوم من هذا وذاك بها تستطيع الحكومة توفير بعض نفقاتها دون إرهاق لسواء الشعب . منها رفع سكر الطوارئ وزيت الطوارئ بنسبة محسوسة أكثر مما فعلت عن قريب . فما زالت هذه
المواد تباع في السوق السوداء بأسعار باهظة ، فلو أن الحكومة وفرتها في السوق بأسعار تقل قليلا عنها في السوق السوداء لقضت على هذه السوق واغتنمت هي المكاسب بدلا من تجار هذه السوق . ومنها التشجع وفرض ضرائب تصاعدية . ومنها ومنها مما لايخفى على الاقتصاديين الأفاضل من رجال الحكومة والبرلمان . وفقهم الله جميعا إلى ما ينفع هذا الوطن العزيز .
