الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 594الرجوع إلى "الثقافة"

روائع الأزرب الغربي في سطور :، مخاطرات " جل بلاس "، للكاتب الفرنسي Rene Le Sage, مخاطرات " جل بلاس "

Share

ولد الكاتب عام ١٦٦٨ ومات عام ١٧٤٧ . وقصته هذه مجموعة سور من الحياة جعلت منه علما من أعلام الأدب البارزين . فقد صور فيها أهل أسبابيا جميعا في مختلف حالاتهم .

كان ( جل بلاس ) بطل القصة شابا في السابعة عشرة من عمره يوم ارسله أهله بعد أن أركبوه بغلا وزودوه بمال قليل ليلتحق بجامعة ( سلمنقه ) وليتم تعليمه وليجد بعد تخرجه منصبا يدر عليه لبنا وعسلا

ولكن صاحبنا لم يبلغ الجامعة بل السلك في عداد اللصوص ومضى في ركاب الممثلين . وسامر الندمان . وصاحب السياسيين . وذلك كله في سلسلة طويلة من المخاطرات

وقد عمل - على التعالب - عند طبيب . وعند سيدة من ذوات الأناقة . وعند كبير الوزراء . وكلهم قد جعلوه موضع سرهم

وعاش هو حينا عيشة البذخ والإسراف . كما ذاق أحيانا مرارة الجوع والحرمان . وفتحت له أبواب القصور . كما فتحت له أبواب السجون .

وخيط القصة لا ينتهي . وهي قصة تشبه في تسلسلها وتتابع حلقاتها قصص ألف ليلة وليلة .

وأبدع ما في القصة صدق انطباقها على الطبائع البشرية وما مثلت به جوانبها من كزاح لا ينقضي ، وسخرية لا تنتهي .

ومن العجيب أن مؤلف القصة كان رجلا فارسيا لم ير البلاد الإسبانية أبدا . ولكنه درس الأدب الأسباني فأحبه . فأخرج هذه القصة إسبانية الروح والقلم . حتى لقد اتهمه واحد من الكتاب الإسبانين بأنه سارق للقصة لا كاتب لها .

وقد كتب الكاتب قصته هذه في عشرين عاما . إذ قد ظهر الجزءان الأولان عام 1715 ، ثم ظهر الجزء الأخير عام ١٧٣٥ . وقد ترجمت القصة إلى لغات كثيرة .

قال الكاتب : كان ( جل بلاس ) وحيد والده الجندي الشيخ . وكان قد تعلم على يدي عمه القسيس قليلا من علم المنطق . وانارة من اللغتين اللاتينية والإغريقية . ثم أرسل وهو في السابعة عشرة من عمره إلى جامعة ( سلمنقه ) ليدرس اللاهوت . ولكنه سرعان ما وقع بين أيدي جماعة من قطاع الطريق فأسروه وأخذوا بغله وماله .

وكان بين زملائه السجناء سيدة من ذوات الثراء ( دونا منسيا ) فلما أعانها وسهل لها سبيل الهرب منحته خاتما من الألماس كما منحته ألف قطعة من النقود الذهبية . وسرعان ما اتخذ لنفسه خطة جديدة في الحياة . فعقد العزم على أن يجرب حظه في مدينة ( مدريد ) فاشتري ملابس زاهية ، واتخذ لنفسه خادما اسمه ( لاميلا ) .

ووصل هو وخادمه بعد يومين إلى مدينة " بلد الوليد " وهناك لقي ( دونا كاميلا ) التى تقدمت إليه بوصفها بنت خالة ( دونا منسيا ) ثم دعته إلى بيتها الفخم . وهناك أدبت له مأدية . وحسب في زمرة من أولوا الملاحة والحسن . ثم أعطته خاتمها ذا الفص من الياقوت لتأخذ خاتمه الآلماسي . وفي الصباح ألفى نفسه في البيت وحيدا ، وألفى متاعه وبغاله ونقوده وقد ضاعت كلها .

والسر في هذا أن خادمه ( لاميلا ) كان لصا ، فاستأجر هو وإخوان له من أصحاب الخدعة والحيلة البيت لمدة أسبوع . وذلك ليخدعوا صاحبنا . أما الخاتم ذو الفص من الباقوت فكان زائفا .

وبينما كان ( جل بلاس ) يسير في الطريق سادما نادما يعض اليدين ، لقي واحدا من لدانه في المدرسة اسمه ( فابريشيو )  الذي سعى سعيه فألحقه كاتم سر للطبيب الشهير الدكتور " سانجرادو " الذي علم ( جل بلاس ) طريقته في مداواة أمراض الناس بالقصد وبجرعات من الماء الساخن

وكان بين مريضاته ( كاميلا ) فاسترجع منها خاتمه الالماسي كما أخذ منها جواهرها وحليها . وذلك بأن ألبس ستة من أصحابه ملابس رجال الشرطة ، موهما إياها أنه سيلقي القبض عليها .

وعالج ( جل بلاس ) فتاة أخرى ولكنها لقيت حتفها على يديه . فرأى لزاما عليه أن يفر من وجه خطيب الفتاة .

ثم احترف في أثناء هروبه مختلف الحرف ، فعمل وصيفا بعد أن بدد ماله في صحبة جماعة من الممثلين والممثلاث . ثم عمل خادما في بيت رجل من الأغنياء كان في شبابه داعرا . واسمه ( دون فنسنت دي جوزمان ) وكان لهذا الداعر بنت مليحة وسيمة اسمها ( أورورا ) ما لبث أن مات عنها .

وخيل إلى ( جل بلاس ) أن ( أورورا ) قد شغفت به حبا ، ولكن الصحيح أن قلبها قد علق بحب فتى نبيل اسمه ( دون لوي باشيكو ) كان غافلا عن حبها له ، فعقدت ( أورورا ( العزم على أن تلحق به في ( سلمنقة ) حيث كان يتلقي العلم ، وأخذت في صحبتها ( جل بلاس ) كما أخذت وصيفتها

وفي ( سلمنقة ) اتخذت لسكناها بيتين كانت تبدو في أحدهما في زي الرجال متسمية باسم ( دون فليكس ) ، وكانت تعيش في البيت الآخر عيش فتاة .

وكسبت ( أورورا ) على أنها ( دون فليكس ) ود ( دون لوي ) كصاحب من أصحاب اللهو والخلاعة ، وأعدت العدة ليتلاقي هو وبنت خالتها ( أورورا ) فأتيا ( دون لوي ) صاحبه المزعوم ( دون فليكس ) أن في نيته أن يتزوج ( أورورا ) ، وعندئذ أزاح ( فليكس ) الشعر المستعار .

وما مضي أسبوعان حتى كانا زوجين ، وعندئذ كوفيء ( جل بلاس ) وأجزل له في العطاء ، ذلك أنه هو الذي مهد للزوجين سبيل اللقاء

ثم عمل ( جل بلاس ) في خدمة سيدين آخرين في مدريد ، ثم سافر إلى ( طليطة ) على أثر حادث له مع فتاة لقي فيه من العناء ما لقي . وفي الطريق إلى ( طليطة ) صادف فارسا شابا اسمه ( دون ألفونسو ) كان قد آواه من المطر في كهف من الكهوف .

وكان في الكهف ناسكان يتعبدان وقد تبين أنهما ( لاميلا ) وشريك له مستخفيان ، وكان الوصيف لا مال عنده فأتخذا زي ضباط محاكم التفتيش ، واقتحما دار يهودى اسمه ( صمويل سيمون ) كان قد ارتد عن دينه . وكان مرابيا فسرقا ماله ، بحجة أنهما جاءا ليفحصا عن أوراقه الخاصة .

وبذلك أصبح ( دون ألفونسو ) وصديقه ( جل بلاس )

بملك كل منهما من المال ألف قطعة ذهبية ، فسافرا إلي ( طلبطلة ) وهناك تم الصلح بين ( دون القونسو ) وبين ( الكونت بولان ) الذي كان ( دون ألفونسو ) قد قتل ولده في مبارزة ، وزاد على ذلك أن تزوج بنته ، فاستقرت ( بدون ألفونسو ) النوي ، وعاش عيشة هانئة سعيدة .

واعترافا بجميل ( جل بلاس ) عمل ( دون ألفونسو ) على أن يلحقه بحاشية قريب من أقربائه هو رئيس أساقفة ( غرناطة ) ككاتم سر له .

وكان رئيس الأساقفة هذا قد ركبه الغرور ، وكان رجلا بادنا سمينا . وكان ( جل بلاس ) يثي على ما يلقيه رئيس الأساقة من مواعظ وخطب ، وبالغ في ثنائه حتى خلب لب الرجل ، إلى أن جاء يوم انتبت فيه رئيس الأساقفة نوبة من الفالج فأصبح الرجل يهذي .

ولم يكن ( جل بلاس ) موفقا حين قال لصاحبه إن خطبه وصلواته قد أصبحت أسوأ من ذي قبل ، فكان جزاؤه على ذلك الحرمان والطرد .

ثم أصبح ( جل بلاس ) فإذا هو فقير معدم ، فادعى أنه أخ لإحدى الغانيات الخليعات ، وبذلك استطاع أن يعمل كاتم سر لأحد أغنياء البرتغال اسمه ( مركيز دي ماريالنا ) ، ولكن الخدعة قد كشفت فطرد مرة أخرى ، وعاد إلى مدريد ، وهناك بعد سلسلة من المخاطرات كلها لا تصدق ، وإن كانت كلها تبعث على الابتسام ، صار صاحبنا سكرتيرا مساعدا ( لدوق دي لرما ) الذي كان كبير وزراء الملك .

وهناك في وظيفته الجديدة عرف ( جل بلاس ) أن الإنسان يستطيع أن يحوز الثناء والمديح جزاء له على أي عمل حقير يعمله ما دام في خدمة عظيم من العظماء .

وقد قال إن تجاربة وصحبته تختلف طبقات الناس من لصوص وشرفاء ، ومن خليعين مستهترين ودجالين محاتلين . ومن شعراء وممثلين ، ومن أفاقين خبثا ء وريفيين طيبي القلب ، قد دلته على أن ذكاءه ، كان بالغا ، وان سلطانه كان قويا ، وأن ما أوتيه من علم قليل قد أعانه وسدد خطواته .

وكأن هذا القول قد آثار ثائرة الغرور عنده ، فهو رجل يسعي الناس إلى لقائه ، ويستعينون بجاهه ، وهو

( البقية على صفحة ٢٠ )

( بقية المنشور على صفحة ١٧ )

رجل يأخذ راتبا ضخما ، فأصبح يبالغ في قدر نفسه ، وأصبح شرها طماعا .

ولكن صرح آماله قد انهار يوم قبض عليه بأمر الملك لأمر من الأمور التي لا تشرفه ، ثم حبس في سجن ( شفويه ) ، ثم أخلى سبيله بمسعى من ولي العهد ، اكتفاء بنفيه ومصادرة أمواله .

ولما عرف ذلك ( دون ألفونسو ) وهو الذي أصبح بفضل مساعي ( جل بلاس ) حاكما على ( بلنسية ) أقطعه قطعة أرض صغيرة تقع في آرباض تلك المدينة ، ويومئذ عقد ( جل بلاس ) العزم على أن يزور مسقط رأسه ، وهناك وجد أباه يحتضر ووجد امه قد أضر بها الجهد في تمريضه والسهر حول سريره ، ووجد عمه قد أصابه انهيار عصبي .

و ( جل بلاس ) وإن كان قد أحاط جنازة والده بمظاهر البذخ والترف ، وإن كان قد جعل لوالدته راتبا سنويا ، فإن القوم في المدينة كانوا عنه غير راضين لمجافاته أهله ولهجرهم ذلك الهجر الطويل .

ولذلك لم ير صاحبنا بدا من أن يرحل عن الديار وأهلها لينجو بنفسه ، ولما عاد إلى ( بلنسية ) ألقى ( دون الفونسو ) وقد جاء لمزرعة صاحبنا بسبعة من الخدم فطرد أكثرهم توخيا للاقتصاد . ثم عاش عيشة هادئة ، وتزوج فتاة اسمها ( أنطونيا ) هي بنت ( دون باسيليو ) أحد أجرائه . ولكن الحزن حل بساحته يوم ماتت زوجته وهي تضع حملها .

ثم تولي ولي العهد العرش . فلما أراد أن يرفع ( جل بلاس ) مكانا عليا ، قال له هذا : إن كل ما أريد هو أن أعمل عملا ليس فيه ما يغري على نقض العهود ، وكان جزاؤه أن عين أمين سر عند كبير الوزراء الذي أوكل إليه أمر تربية وريثه وابنه غير الشرعي .

ثم أصبح ( جل بلاس ) صاحب لقب . ثم لحق بدوق ( دى ليرما ) معتزلا عمله عند كبير الوزراء يوم غضب الملك على وزيره الأول .

فلما مات الدوق ورث عنه ( جل بلاس ) مالا كثيرا ، وعاد إلى أرضه يزرعها ، وتزوج مرة أخرى ، وعاش عيشة هانئة يحوطه الإكبار والإجلال ، يقطع أيامه ولياليه بالسهر على تربية أولاده وتثقيفهم ، ويكتب مذكراته يبدي فيها رأيه في الحوادث والأشياء ، ويقص فيها أنباء مخاطراته . .

( عن الإنجليزية )

اشترك في نشرتنا البريدية