الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 234الرجوع إلى "الرسالة"

روح العصر في معرض باريس

Share

كانت المعارض إلى عهد قريب تعنى بإبراز البهارج التي  تلفت الأنظار، وتثير إعجاب البسطاء، وإن عنيت أحياناً  بعرض مدى التقدم الذهني في أمة من الأمم. ففي المعرض  البريطاني الذي أقيم في عام ١٨٥١ أنشئ هذا البيت العظيم الجميل  الذي أطلق عليه   (القصر البلوري) ، والذي دمره الحريق أخيراً  وكان دائماً آية ذلك المعرض، وحامل ذكراه للأجيال؛ وفي  معرض باريس الذي أقيم عام ١٨٨٩ أنشئ برج إيفل، وكانت  النزعة التي تمخض عنها نزعة فرعونية كالتي حدت بزوسر  وخوفو وخفرع إلى بناء الأهرام، وإلا فقد كان الفولاذ الذي  أستخدم في بناء هذا البرج كافياً لبناء أسطول صغير يدفع بعض  الأذى عن فرنسا. أما في معرض باريس الأخير   (١٩٣٧)  فقد  تجلى روح العصر، وتناسى العارضون بعض هذه العنجهية التي  كانت تجعلهم يبنون القصر البلوري ويقيمون برج إيفل. هذا  وإن يكن المعرض الأخير يفوق كل المعارض السابقة رونقاً  وعظمة وجلالا. وأحسن ما يشهد لهذا المعرض بتفوق روح  العصر هذه الدار العظيمة التي أقيمت في المعرض، والتي أطلق  عليها   (دار الاستكشاف)  والمراد الاستكشاف العلمي الذي تدين  له الحضارة الحديثة بكل ما تتيه به على غابر القرون. فقد حشدت  في هذه الدار الهائلة جميع الاستكشافات التي أدت إلى تقديم  الإنسانية، وخطت بالعالم أشواطاً بعيدة نحو الكمال. وهي مع  ذاك لم تهمل الاستكشافات القديمة التي كانت سبباً مباشراً  أو غير مباشر لما أبدعته القرائح الحديثة. . . فبينا ترى جهازاً  أتوماتيكيا   (آليا)  يكلمك ويشرح لك نظريات نيوتن وجاليليو  في الحركة والجاذبية إذا بك تنظر إلى جهاز آخر يوضح لك  كيف تستنبط الكهرباء بأبسط الوسائل، وكيف استخدمت  الكهرباء بعد الاهتداء إليها في الإضاءة وتحريك الآلات ونقل  الصوت باللاسلكي والصور بالتلفيزون. . . وتسير بضع خطوات  فترى فوقك العالم السماوي بأكمله، وقد جرت فيه كل النجوم  والكواكب، ووضحت فيه سدم المجرة، وهكذا تعرف من الفلك  ما كان يعوزك أن تعرفه في أعوام. . . ثم تنتقل فترى معهداً

للحياة يضع بين يديك لامارك وهكسلي وداروين،  ويريك كيف تدرجت الحياة من الذر إلى هذا العالم الحافل بعجائب  المخلوقات. . . وأنت فيما بين هذا تشهد التجارب المدهشة لإثبات  قوانين مندل في الوراثة واستكشافات باستير وكوخ في عوالم  المكروب. . . وقل مثل ذلك في كل ما أفاد العلم في البر والبحر  وتحت الماء وفي أجواز الفضاء. . . وقد تكلفت هذه الدار ملايين  الفرنكات، على أنها عوضت ما أنفق عليها، إذ قد زارها حسب  إحصائية المعرض في المدة من ٢٥ مايو إلى ٧ أكتوبر الماضي  ١ , ٦٠٠ , ٠٣٨ زائراً دفعوا جميعاً رسوم الدخول. وزارها غير  هؤلاء ٤٠٠ , ٠٠٠ طالب وعالم وأستاذ، من جميع أنحاء الأرض،  وعقدت فيها المؤتمرات العلمية الطريفة لتبادل الآراء ومناقشة  أحدث المستكشفات

اشترك في نشرتنا البريدية