الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 456الرجوع إلى "الثقافة"

سلاح الدعاية

Share

(١) الدعاية سلاح له قيمته في الحرب كما هو شأنها في السلم. وقد استله المحاربون كأي سلاح آخر للتأثير على أفكار اعدائهم، وإضعاف روحهم المعنوية، والانتصار عليهم؛ من ذلك أنه بمجرد ما شرع الألمان في الهجوم على الحلفاء في الحرب الأخيرة كان همهم الأول محاولة إرباكهم بإفهامهم عن طريق المذياع والنشرات التي كانوا يلقونها من الطائرات انهم على وشك الهزيمة وحالتهم ميئوس منها، قاصدين بهذا أيضا منع اصدقاء اعدائهم من ارسال المعونة إليهم، أو ترددهم في ذلك، خوفاً من وقوعها في أيدي محاربيهم. وقد وفقوا لغرضهم وقلت المساعدة.

وكم من مرة حاولوا إثارة الشك في نفوس الحلفاء، أو إيقاع الخلاف بينهم، أو جعلهم يعتقدون أن هناك من يفاوض منهم لإتمام صلح منفرد. بدأوا ذلك "الهجوم السلمي" كما كانوا يسمونه قبل هجومهم العظيم على روسيا بغية إشعارها أن حلفاءها أوشكوا أن يسلموا، أو أنهم لا يفكرون إلا في مصلحتهم هم، وقد يتخلون عنها.

ومن ضمن الوسائل التي استخدمها الألمان في فترات الهدوء التي كانت تتخلل كثيرا من حملاتهم العسكرية، عندما كانوا يستعدون بكل ما لديهم من قوة لهجوم جديد، نشرهم أخباراً تدل على ان الحالة في المانيا سيئة، وأن نظامهم فيها قد ينهار وبذلك ضمنوا كف المحاربين عن إرسال الإمدادات لحلفائهم لاعتقادهم أنها لم تعد لازمة لهم. وقد استغل الروس إغارات الطائرات البريطانية الشديدة على مدينتي كولونيا وإسن بألمانيا لتقوية عزيمة رجالهم، وفي نفس الوقت لإضعاف الروح المعنوية لدى الحدود الألمان بما كانوا يذيعونه عليهم في مراكز مختلفة من جهة القتال بمكبرات الصوت.

وقد تنعكس الآية أحياناً، فيستعمل السلاح الحربي كوسيلة لنشر أخبار يقصد بها تحقيق أغراض عسكرية كما حدث عندما ألقت الطائرات اليابانية قنابلها من سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا. لم يكن الغرض من إلقاء هذه القنابل حربياً، بل قصد بها الإقلال من أهمية الخطبة التي القاها رئيس الجمهورية في نفس الوقت الذي حدثت فيه الغارة، كما قصد بها - وهو الأهم - إبقاء السفن الحربية الأمريكية بالبلاد لحماية شواطئها، لتخلو البحار لغواصات الأعداء وسفنهم ما أمكن.

وكان رجال النازي - وقد انشأوا لمراسلي الصحف الأجنبية أندية خاصة استخدموا فيها فتيات من صالات اللهو وممثلات السينما الألمانيات للحفاوة بهم، ووضعوا تحت تصرفهم إلى أية ساعة من الليل سيارات رسمية تصحبهم فيها من يشاءون منهن عند انصرافهم - بنسبون أخبارهم التي كانوا يذيعونها يوميا عليهم إلى ما كانوا يسمونه "المصادر ذات الشأن" او " المصادر العليمة " او "المصادر التي يعول عليها" أو "متحدث مسئول"، لكى يبدو أن مخبري الصحف المستقلة هم الذين جمموها أو أنها نقلت إليهم بطريقة ما، في حين أن هذه الأخبار ما هي إلا أخبار النازي وقد نشروها لأغراضهم هم.

ولما كانت المحطات اللاسلكية بالولايات المتحدة لا نسمع غير إذاعات الموجة القصيرة، فالإذاعات الداخلية في ألمانيا واليابان وإيطاليا كانت لا تصلها، لأنهم كانوا يستخدمون لها الموجة المتوسطة، وهي أضعف من أن تعبر المحيط، بعكس محطات بريطانيا وسويسرا فكانت قادرة على التقاط الإذاعات الداخلية في ألمانيا وإيطاليا، تسمعها مع إذاعاتها على الموجة القصيرة، فتقارن بين إذاعات البلدين المختلفة.

وما دمنا بصدر الإذاعات اللاسلكية فيجب أن ننوه إلي "التشويش" المقصود الذي كان يتخلل الإذاعات

أحياناً، كما حدث في عام ١٩٣٨ عندما عاكست روما محطات بريطانيا في إذاعتها العربية، وكما فعل النازي في الإذاعات البريطانية باللغة الفرنسية.

وقد وقع بين الروس والألمان أكثر من هذا، إذ بينما كان الالماني يلقي بياناً يأخذ الروسي في مقاطعته مستهزئاً "باللغة الالمانية طبعاً". وكان النازي يستعملون "صوت الروح" - كما كانت تسمى هذه الطريقة - لمقاطعة الروس ومن الحيل التي لحأ إليها الألمان لإيهام الإنجليز بأن لديهم جواسيساً بإنكلترا ينقلون إليهم اخبارها سراً، أنهم اذاعوا كذباً في الساعة السابعة من مساء أحد الأيام أن ساعة مدينة برمنجهام توقفت منذ عشرين دقيقة أي في الساعة السابعة إلا ثلثا. وقد تناقل البريطانيون هذا الخبر الذي لم يكن في الإمكان التحقق من صدقه إلا لسكان برمنجهام نفسها الذين يهتمون بالخروج لمعاينة الساعة.

ومن الطرق التي أغروا الناس بها إلي الاستماع لدعاياتهم اللاسلكية "حيلة اسرى الحرب"! وقد لجأوا إليها بعد ان نشب القتال في أوربا بشهور قليلة. وكان النازي والطليان يقرأون عقب إذاعتهم أسماء الأسرى البريطانيين الذين وقعوا في أيديهم كما فعل البريطانيون بعد ذلك بالنسبة للأسرى الألمان والإيطالين.

وقد لجأ اليابانيون إلي هذه الحيلة، فجعلوا أسرى الأمريكان بذيعون إذاعات قصيرة خلال او في نهاية إذاعاتهم التي كانوا يحضون فيها الأمريكين على القيام بأعمال ليست في صالحهم، او يبثون لهم اسطوانات يذيعونها حينما يشاءون. وقد نجحت حيلهم أيما نجاح. وكان النازي ببدأون إذاعاتهم الإنكليزية أحياناً بكلمة "تحية من بحارة أمريكين" قائلين إن الطائرات النازية أنفذتهم في مياه القطب الشمالي عقب الإغارة على إحدي القوافل البحرية.

وقد أعلن الألمان أنهم عثروا خلال عملياتهم الحربية في النرويج على مستندات وخطط مع ضباط بريطانيين يستدل منها أنهم كانوا ينوون غزو النرويج في بادئ الأمر، إلا أن الألمان سبقوهم إلى احتلالها، ولكن حيلتهم هذه لم تجر على الكثيرين.

وقد حدث في كثير من الأحيان ان حصل الالمان على معلومات صحيحة فأبلغوها لقياديهم العليا، كما أذاعوها على أعدائهم لغرض خاص. وقد سمعنا في أوائل الحرب عما كان يفعله الألمان في الجبهة الغربية من إعلان الفرنسيين بمكبرات الصوت بقدوم فرق فرنسية معينة لخط ماجينو ويرحبون بها؛ و باقتناع الفرنسيين بوجود "عين نازية ساهرة" بينهم انحطت روحهم المعنوية.

وفي أثناء الحملة على بولندا أخذ الراديو النازي بتابع الضباط البولنديين الفارين معلناً أنه يعرف مكانهم، وبذلك تمكن الألمان من إيقاع الرعب في نفوس البولنديين .

وقد يحدث أن يرغب أحد المتحاربين معرفة ما يجري عند عدوه، فيبشيع الإشاعات ليرد عليها خصمه، فيدرك نواياه وقد يخلق أحدهم جوا مضللاً يخفي الحقيقة فيه عن الآخر فيربكه.

اشترك في نشرتنا البريدية