كتب الدكتور زكي محمد حسن في العدد ١١٢ من (مجلة الثقافة) مقالاً بهذا العنوان أود أن أعلق عليه بكلمة صغيرة فقد قال: (ومن العجيب أن يعني بزخرفة شبابيك القلل إلى هذا الحد بينما تبقى القلل نفسها بغير طلاء أو رسوم زخرفية) .
ولقد فات الزميل الفاضل أن القلل في العصور الوسطى كانت على نوعين أحدهما نسميه - في اصطلاحنا العرفي - (القلل الصيفية) وتستعمل صيفاً وهي من الفخار غير المطلي، لأن مسامها تساعد على تبريد الماء. والنوع الثاني (القلل الشتوية) وتستعمل شتاء لأنها مكسوة بطلاء زجاجي يحفظ على الماء درجة حرارته الطبيعية.
وقد لاحظنا أن بعض أبدان القلل التي وصلت إلينا من هذين النوعين تزدان برسوم زخرفية غاية في الجمال كما يظهر ذلك في اللوحات الثلاث الأول من كتاب الأستاذ أولمير الذي ذكره في مقاله. وإذا كنا لم نجد كثيراً من القلل ذات الرسوم الزخرفية فهذا يرجع إلى أن الأجزاء التي عثرنا عليها هي بقايا من هذه القلل فقط، ولا ينهض ذلك دليلاً على ما ذهب إليه الدكتور من أن أيدان القلل لم تكن مزخرفة.
وقال أيضاً: (إن الرسوم الآدمية ورسوم الحيوان والطيور والأسماك التي نراها على تلك الشبابيك يشهد معظمها بأن صانعها كانت تنقصه المهارة ودقة الملاحظة حتى أن رسومه تبدو صبيانية وغير دقيقة).
ولئن صحت هذه الملاحظة نسبياً فيما يختص بالرسوم الآدمية فإنها لا يمكن أن تصح بأي حال في الحيوانات والطيور والأسماك
وأن نظرة واحدة للرسوم التي نشرها الدكتور - وهي ليست بأجمل ما في مجموعة شبابيك القلل - لكافية للإقناع بما كان عليه هؤلاء الفنانون من دقة الرسم وحرية التعبير.
وعندما تعرض لتأريخ هذه الشبابيك قال (وليس من السهل تأريخ شبابيك القلل المحظوظة في المتاحف والمجموعات الأثرية لأنها من منتجات الفن الشعبي) .
فهل للزميل المحترم أن يعرف لنا ما يفهمه هنا من اصطلاح الفن الشعبي؟ ألم تكن القلل كباقي أنواع الصناعات الزخرفية في الفن الإسلامي مثل الخزف والخشب والمنسوجات والزجاج الخ. . . فيها الثمين والرخيص، يشتريها خاصة الناس وعامتهم كل على حسب مقدرته المالية؟ وكانت الرسوم الزخرفية والدقة الفنية في الصناعة توزع بين هذا وذاك كل حسب قيمته؟
وفي ختام كلمته قال الدكتور زكي بعد أن أشار إلى كتاب الأستاذ أولمير عن شبابيك القلل: وصفوة القول أن الأستاذ أولمير ظن أنه يستطيع الوصول إلى تأريخ بعض شبابيك القلل بواسطة الموازنة بين رسومها ورسوم سائر التحف الممكن معرفة تاريخها، ولكنا نظن أنه بالغ في تقدير النتائج التي تؤدي إليها هذه الطريقة.
فهل فات زميلي الدكتور أننا عثرنا على بعض هذه الشبابيك مطلية بالطلاء ذي البريق المعدني، وكان الفضل الأكبر في ذلك إلى الأستاذ حسين راشد رئيس أمناء دار الآثار العربية، كما ذكر ذلك الأستاذ أولمير في مقدمة كتابه (ص٨ وما بعدها) ، ونشر صورها في اللوحة الأولى، وكان لهذه المجموعة أكبر الأثر في تاريخ شبابيك القلل التي تنسب
إلى العصر الفاطمي؛ والبريق المعدني كما يعلم صديقي الفاضل معروف وقت استعماله في الخزف المصري. ولا أدري لماذا لم يذكر حضرته هذا النوع في مقاله. ولعله على رأي آخر في هذا الصدد نود لو يكشف لنا عنه.
