قبل ان اتحدث عن شخصية المراة التونسية يجب ان اذكر المشاكل التي تعتبر - عادة - مشاكل المرأة والتي طالما بحثها الباحثون وفتشوا لها علاجا . فمنها : هل المرأة كالرجل فى القوة وحدة الذكاء ؟ هل لها ان تشتغل خارج منزلها وهل توجد مهن تليق بها دون غيرها ؟ وإذن هل يكون تعليمها مماثلا للتعليم الذي يتلقاه الرجل؟ وكم من مشاكل اخرى من هذا القبيل تتطلب كلها دراسة طويلة وهي قيمة وجديرة بالاعتبار . لكن الانسان الذي يعلق عمله على حل المشاكل النظرية لابد ان تعترضه دائما مشاكل جديدة عويصة فيغرق في بحر النظريات ولا يتيسر له العمل ابدا . ونلاحظ ان العاملين الناجحين هم الذين لا يفصلون بين التفكير والعمل . الا ان ذلك لا يعنى انه يجب الاعراض عن التفكير وإنما المقصود منه ان المفكر الذى آمن بمبادئ عامة بعد روية وإمعان يتعين عليه أن يبادر بالعمل . وتلك الاعتبارات تكفى لاجتناب الخوض من دون فائدة في المشاكل الخاصة الجزئية التى ذكرنا . وتدعونا لان ننظر إلى شؤون المراة من زاوية اخرى تكشف لنا عن وضعيتها . فلنتساءل هل المرأة شخص وهل لها شخصية ؟؟
كل امراة مفكرة تحتقر وضعيتها فى بعض الاحيان وتتشاءم او ترضى عنها وتتفاءل فى بعض الاحيان الاخرى - فهى تحس إحساسا مبهما بأن لها منزلة خاصة فتتساءل : إن كنت ضعيفة العقل محدودة الذكاء فكيف أكون "مكلفة" ومسؤولة ؟ ومجرد التساءل والبحث يدل على قيمتها ويبعث فيها الثقة بالنفس . فاذا احس الخادم بأنه جدير بالاحترام واذا شعر الولد بأنه يساوي اباه في ميادين شتى وإذا آمن الشعب بأنه أهل للاستقلال فعبثا نحاول إقناعهم بعكس ذلك لان الادلة تضعف وتفقد قيمتها المنطقية في أعينهم
واذا تصفحنا كتب علم النفس نستنتج أن وجود طرق مختلفة في التربية والتعليم وبذل جهود وافرة فى دراسة النفسية تدل اولا على أن المفكرين في هذه الميادين يحاولون دائما اكتشاف حقيقة طبيعة الانسان التى هى طبيعة معقدة حساسة تتاثر بعوامل شتى لم يظفر بها البحث . وتدل ثانيا على أن العلماء والمربين لم يرضوا - قانعين - بالشذوذ والبلادة والجمود العقلي ولكنهم يراجعون دائما اساليب التربية حتى تزدهر مكنونات الفرد . ففى الغالب لا يعتبر العجز فطريا بل نتيجة سوء تربية ، ورغم صعوبة تحديد النفسية او الفردية او الشخصية من الممكن أن نعتبر الشخص عامة كائنا حيا يرمى متجهزا ببعض الاجهزة فى وسط او بيئة لها صيغتها الخاصة فيها ما يعينه على نموه وفيها ما يهدد كيانه . فيها من يعينه على تقوية استعداداته ويشجعه على احترام نفسه وفيها من يثبط نشاطه ويضعف ارادته ويرغمه على احتقار نفسه وإهمالها
وهذا الوصف للانسان ينطبق على الرجل وعلى المراة لانه عام وكلنا يعلم انه اذا حاول باحث أن يبرز الفوارق الكائنة بينهما نجح فى بحثه ومدنا ببعض الاختلافات - واذا سالناه ما هي اسبابها لا يجيب لانه لا يبحث عن الاسباب . ويذهب بعض الباحثين الى حمد الخلاق على هذه الاختلافات كما يحمده على كل ما يلفت نظره بدون تعمق فى البحث وسرعان ما تبنى على اعتبارات سطحية حياة المرأة كلها .
فاريد هنا ان اتتبع حياة المرأة التونسية منذ صغرها مفتشة عن العوامل التى تصبغها وتؤثر فيها وعن الظروف التى تحيط بها . والمقارنة بين الرجل والمراة لازمة في كل مرحلة من حياتهما للظفر باسباب الاختلاف . وساهتم خصوصا بالمتعلمين منهما فمنذ الصغر يظهر الفرق الكبير في اختيار اللعب التى تشترى في الاعياد.
فلعب الفتاة كلها تستدعى الرصانة وقلة الحركة مثل الدمية وادوات الطهو والشاي والقهوة أما لعب الطفل التى تتطلب الهدوء فهى قليلة وزيادة على هذا فثياب الفتاة نفسها تعطلها بسبب شكلها ونوعها . فلا تدرك طيلة حياتها تمام قواها - ثم يطلب منها ان تكون أما من صغرها وزيادة على هذا لا يطلب من الفتى الا القيام بعمله
المدرسي على احسن وجه ولا يمنع من صرف بقية اوقاته فى اللعب وبالعكس يطلب من الفتاة ان تقوم باعمال متعددة فى المنزل ويحكم عليها بالمكوث فيه فى غالب الاوقات فتنجح في حياتها المدرسية وتبرع فى التطريز والخياطة بينما يعجز الولد عنهما وعن كل عمل يدوى فنى . وقد انتبه المربون لهذا النقص فحاولوا إدخال الاعمال اليدوية فى المدارس . واذا تحدث العقلاء او الكبار فى شأن الاطفال فانهم يشكرون في شخصية الطفلة جمالها ورصانتها وفى الطفل قوة الذكاء وما يسمى "بالتشيطن". وبما أن الصغير يرغب فى أن يكون كما يريده الكبار فالقضاء على شخصية الفتاة يبدأ من صغرها لان المجتمع لا يحترم فيها الا العناصر الطبيعية الفانية كالجمال او العناصر المضرة بجسدها وصحته كقلة الحركة.
فالفتاة تتعلم - لكن لا يعتني احد بتعليمها نجحت أم لم تنجح . فلها مهنة قارة في الحياة وهى الزواج وربما حالت دون نجاحها لان الكسل يتغلب عليها فتعتاد تشتيت مجهوداتها فى اعمال مختلفة من دون ان تركز انتباهها . تترك عملا وتشرع في غيره حسب الظروف المتغيرة . فهى تتثاءب حياتها . هى عجين قابل لان يعجن دائما وقابل لان يتشكل بكل الاشكال . والشخصية لا تتكون الا اذا كان لها طابعها الخاص فكيف يمكن للفتاة ان تكتسب هذا الطابع الخاص وحياتها تنقضى
على هذه الصورة ؟ فكل عمل تقوم به يدل على تفاهة وقتها وقلة قيمته . وهو لا يستدعى ذكاء ولا مهارة فنية . بل يتكرر كما يتكرر الاكل والنوم . وهكذا لا تفتح امام المراة ابواب التسامى والابتكار ولا يدخل تغير على اعمالها الا اذا اعتنى الرجال بذلك . وربما اعتنوا بصنع الآلات المنزلية لاغراض تجارية او حينما يشتغلون هم بهاته الاعمال ويأخذونها مهنة لهم ، ويلاحظ ان مشاهير الخياطين والطباخين وغيرهم رجال لان الفرص اتاحت لهم ان يتفننوا فى اعمالهم وان يتقدموا فيها : فالسفر وعلاقاتهم مع افراد المجتمع ومعرفتهم له ولحاجياته كل ذلك مكنهم من ان يبلغوا ما بلغوه . ومن الغريب ان الرجل فى تونس لا يتعجب اذا استعمل فى ادارته آلة الكتابة او الحساب ولا ينتقد هذا الاستعمال ويصعب عليه اكل طعام مطبوخ فوق نار غير نار "الكانون"
هذا كله يبين ان ابواب الرقى منغلقة فى وجوه النساء وستبقى منغلقة امامهن
ما دام باب المنزل منغلقا وما دامت جدرانه هي الشاهد الوحيد على حياتهن . ولا يمكن ان تقوى شخصية المراة الا اذا تشبعت بمعنى "الاختيار". والاختيار ضد التقليد والتقاليد - وهو يقتضى خوض معركة الحياة وربط علاقات مع الغير واحتكاك الآراء والعادات.
لقد قصرت حديثي على الفتاة المتعلمة فاذا بى اتحدث عن الجاهلة . والحقيقة ان غالب الامهات فى تونس جاهلات وبما ان الاب يترك تربية بناته فى عهدة امهاتهن فان البنت لا تنشأ على حب العلم وطلبه فى حد ذاته بل يكون غرضها التحصيل على عدد من الشهادات والمباهاة بها كما ترغب فى ذلك امها - اما ان يكون التعليم مدعاة للتجدد الذاتي ومشجعا على الازدراء بالقيم الاجتماعية البالية التى يتشبث بها الجميع رجالا ونساء فذلك شئ يجب اجتنابه
فللفتاة ان تقصى كامل يومها منكبة على كرارسيها ولها ان تشتري الكتب والمجلات ولها ان تصور .. لها كل ذلك بشرط ان تقتصر عليه واذن فما هو الفرق بينها وبين امها ما دامت تكتفى بالمطالعة او بالتطريز وما دامت لا تتحرك الا للقيام بشؤون المنزل .. فهذه المتعلمة تسمى مثقفة لانها طالعت عدة كتب ويتغني والدها بثقافتها كما يتغنى البخيل بكنزه الموارى فى جوف الارض.
إن جميع المفكرين ينكرون هذا التعريف للثقافة ويحذرون منه لانهم يعتبرون الثقافة ثمرة بحوث طويلة ومناقشات عديدة حتى ان بعضهم في " اثينا " أبى ان يؤلف ويدون أفكاره خشية ان تجمد وتموت . وكذلك العرب فقد رأى بعضهم " ان من تفقه من بطون الكتب ضيع الاحكام " . وكانوا كثيرا ما يجتمعون فى الاسواق والقصور والجوامع ويتبادلون الآراء والاقوال وكان المدرس العربى فى القديم لا يعتبر نفسه علامة الا اذا اعجز مناقشيه ، وكان العلماء وطالبو العلم يقومون باسفار متعبة لاجل العلم والثقافة . وقال البعض إن السفر هو المربى الاصيل للشباب ولا تتم الثقافة الا به .
هل عندنا إذن نساء مثقفات بتونس ؛ لا ادري ولكنى الاحظ ان المراة المحافظة المحترمة للتقاليد والتي تتعلم من دون ان تتأثر بعلمها وتؤثر على مجتمعها تعتبر عندنا - صالحة - لانها لم تخيب ظن مجتمعها فيها .
والذي لابد منه هو ان تنجو المرأة من واقعها بفضل تعلمها ولا ارى وسيلة اخرى للخلاص لكن ما هو هذا التعليم وما مقدار صلاحيته ؟ نلاحظ ان اغلبية الفتيات التونسيات يتلقين تعليما يسمى فنيا تلبية - على ما يقال - لرغبة اوليائهن وهؤلاء الاولياء راغبون ايضا فى ان يكون التعليم عربيا لكن رغبتهم هذه لم ينظر إليها بعين الاعتبار إلا منذ بعض سنين . بحيث نجد اكثرية فتياتنا متعلمات تعليما اجنبيا . وهكذا فانه من الصعب وجود نساء تونسيات مثقفات ثقافة قومية . ولذا نستطيع ان نقول إن المراة التونسية بحكم الظروف والاحوال عديمة الشخصية !
فنظرة الفتاة الى الحياة غالطة فى بعض الاحيان لانها تعيش في ظل امها التي تطالبها باتقان الطهو وباتقان التطريز من جهة وفى جو الكتب من جهة اخرى راضية عن نفسها مطمئنة إلى مصيرها . لكن فاتها ان الحياة عمل متواصل وبناء مستمر وانها عدوة السلبية.
وهذه المقارنة بين الرجل والمرأة يمكن الاستمرار فيها ولكن المهم هو معرفة الظروف التى تكونت فيها شخصيتاهما.
بعد ان ذكرنا خصائص تربية الفتاة من الواجب أن ننتقدها ونصدر حكمنا عليها . يقال ان التربية المحكمة هى التي تهىء الطفل للحياة الاجتماعية احسن تهيئة فاذا كانت غاية الوالدين أن يقضى ابناؤهما حياتهم كما قضيا - هما - حياتهما فطبيعي ان تربى الفتاة كما سبق . فتقول الام : لا بأس على ولا ينقصي شيء وامنيتي ان تصبح ابنتي مثلي !
والام تعنى بالحياة الحياة الزوجية لانها كل شىء في نظرها ولا يهمها ان يضيع شباب ابنتها .
وانا اتساءل : لماذا تعتبر الحياة الزوجية هى الحياة ولماذا ينفرد الزواج باسعاد المرأة واكساب حياتها معني ؟
ولو سلمنا بذلك - ولن نسلم به - فنتساءل سؤالا آخر وهو هل في مقدور الاباء ان يوقفوا سير التاريخ ويضعوا حدا للتقدم والتطور لكان الجواب واضحا
ولاقتنعنا بأن الاحوال تتبدل والظروف تتغير وانها تؤثر فى الجيل الجديد بما فيه الذكور والاناث .
فاذا كان ذلك فلماذا تبقى المرأة سلبية يدفعها تيار التقدم كما يدفع تيار النهر الجارف الخشب ؟ ولماذا لا تسير نفسها بنفسها وتخط طريقها بمحض إرادتها وتشيد مستقبلها ومستقبل اولادها على ضوء المعرفة وعن جدارة ؟ والحقيقة ان جميع الناس يعترقون بوجوب تثقيف المراه حتى تحسن القيام برسالتها التربوية لكن كيف يمكن للمرأة الجاهلة بعالم الرجال ان توجه ولدها وكيف يمكنها ان توجه ابنتها وهى جاهلة بكل ما يهم بلادها من شؤون سياسية واقتصادية وغيرها وجاهلة بحالة وطنها ومستقبله ؛ يتحتم اذن ان لا يوضع حد لثقافة المراة ومن حقها ان تتثقف بقدر الامكان.
ومن الذى يقدر ان يقول ان امكانياتها محدودة ما دامت الامكانيات تقاس وتقدر بانتاجها لا بمجرد فكرة قبلية عنها ، إذن لا تكون المراة صالحة لتربية اولادها الا اذا ثقفت نفسها ثقافة كاملة لاحد لها .
يقال إن التربية القويمة هى التي تهيئ للوطن مواطنين صالحين كما يقال . - والقولان مرتبطان - : لا تكون التربية صالحة إلا إذا احترمت امكانيات الشخص وصانت مواهبه وهيأت لها الظروف اللازمة لنموها وصقلها . فلماذا إذن يفسح المجال للذكور ويوضع حد للانثى ؟ ولماذا يعتبر تعلمها امرا كماليا وتسطر لها برامج محدودة فى المواد والزمان وتخص بوظائف دون اخرى كالتعليم والتمريض . ويكفى ان يكون احد الخطباء مرضيا ليحال بينها وبين التعليم ، اتساءل عن ذلك كله ولا اجد جوابا شافيا ولا ادري متبى تصبح المرأة في تونس ذات شخصية تحترم وحرمة ترعى ؟
على ان الذى اعلمه هو ان الطريق امامها صعب شاق طويل والاعباء التى تنتظرها ثقيلة والوسائل غير يسيرة لكن يمكنها ان تتعظ بكفاح النساء فى العالم وتستفيد من تجاربهن التى قد تعينها على معالجة مشاكلها واجتناب بعض الاخطاء التى تقضى على الحركة النسائية .
يجب ان لا تطير فى الفضاء دفعة واحدة بدون اجنحة مقلدة للرجل .
لان منزلتها في المجتمع غير منزلته فيه وظروف عيشها غير ظروفه . ولان تحرر الفرد لا يحصل بالطفرة بل بالتغلب على الظروف الشخصية الخاصة وقهرها بعد دراسة الواقع .
يجب ان لا تغتر وتثق بمن يجاملها ويحاول ان يقنعها بأن لها قيمتها . فقيمتها الان ما هى الا قيمة الطير المحبوس او الطفل الذى يسعد اذا كان والداة منصفين ويشقى اذا كانا ظالمين فلا قيمة للانسان العاجز على تقرير مصيره ولو فرضنا ان اولياءه قادرون على تقرير هذا المصير وصالحون لهذه المهمة فالولى لا يدوم وليس معصوما من الاخطاء الا الخلاق ، ومع هذا فقد وجدت نساء يفخرن بسجنهن كما وجد عبيد لم يفكروا فى تغيير حالتهم.
بعض الحركات النسائية خابت لانها قطعت العلاقات مع الحركات القومية الاخرى . فغاية المرأة ليست فى ان تبنى عالما جميلا تعيش فيه وحدها بل غايتها اندماجها فى العالم الموجود ومحاولة التأثير فيه فيكون عالم واحد موحد لفائدة الجميع
ويجب ان لا تظن المرأة التى تشعر بانها غير اجنبية في عالم الرجال ان لها شخصية ، فذلك لن يكون الا اذا تمكنت اغلبية النساء من بلوغ تلك المنزلة كما يجب على المرأة الواعية التى لا تداهمها مشاكل جنسها ان لا تنسى اختها الخادمة والبدوية والجاهلة بل يتحتم عليها ان تفكر فى مشاكلهن وتبحث لها عن حل بالرغم من جهل تلك الاخت وعجزها ، يجب ان لا تنسى ايضا ان سبب احتقار المرأة وحتى مجرد اللامبالاة بشؤونها هو ماضيها الغير الحافل .
واذا راينا النساء يتمتعن اليوم بجانب صغير من التقدير فذلك لان بعض النساء فمن باعمال كبيرة فى مختلف انحاء الدنيا - الا ان الناس يرونهن شذوذا واستثناء للقاعدة . وذلك يذكرنا بقول الاجنبى للتونسى النابغ . انت لست منهم ! كذلك يقال عن المراة النابغة انها رجل ! انها فقدت انوثتها ! فعلى المرأة العاملة اذن ان تربط مصيرها بمصير جميع اخواتها
وهناك صنف من النساء المتحضرات يؤمن بمفعول الزمان ويوكلن اليه امر النهوض بالمرأة فلا يبقى إلا ان ننتظر ذلك اليوم المحتوم الذى تتوحد فيه الآراء وتلتحق القافلة بها . وريثما يكون ذلك فلينتقد المنتقدون ولينقم الناقمون ! وهذا
"حل الكسل " كما يقال . فلابد من العمل اما لتحويل مجرى التيارات وإما لتعجيل سيرها . والحقيقة ان حاجتها الى السرعة كحاجتها الى التحويل لان التيار الذي شعرت به المتحضرة فرض عليها من الخارج . ومن حقنا ان نمعن فيه النظر ونفهمه على حقيقته حتى نستطيع تسييره : فتعدد الموظفات مثلا لا يدل حتميا على تقدم يحمد . فيجب علينا فهم هذه الظاهرة ومعرفة اسبابها قبل الحكم عليها .
أما السرعة فهي ضرورية لان كل تيار جديد مهدد بتيارات اخرى معاكسة . وقوى الرجعية في جميع الميادين بالمرصاد لقوى التقدم .
تلك هى اهم الملاحظات التى رايتها مفيدة وجديرة بالاعتبار ولا ارى للمرأة شخصية ما لم تتعظ بها وتعمل على هداها .
ان الشخصية لا تبرز الا فى ظروف ممتازة تتصف بالقلق والحيرة . والتاريخ يشهد بان الاعلام الكبار ظهروا فى مثل تلك الظروف فامتحنوا انفسهم فيها وكان نجاحهم عاملا على فرض شخصيتهم . وواقع تونس الآن سائح لان تبرز فيه شخصية المراة
فالاستعدادات موجودة والاسباب متوفرة ولا ينقص المرأة اليوم الا الثقة بنفسها والايمان بمستقبلها . وذلك الايمان لا تجده الا فى نفسها بنفسها . فلتعمل ولتكن مسؤولة على اعمالها .

