الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد الثانيالرجوع إلى "الرسالة"

شعورى نحو مصر والمصرية

Share

كاتبة هذا المقال سيدة سويسرية واسعة الثقافة دقيقة  الملاحظة صافية الشعور وقد وعدت الرسالة أن توالى  الكتابة فى هذا الموضوع فلها الشكر

مصر اسم يخلب اللب ويسحر القلب ويستثير حتى فى أجفى  الناس طبعاً صورة هذا البلد الفاتن والطبيعة الخصيبة والبدر اللامع  ويلهم النفوس ذكرى هذا الماضى العريق والمدنية القديمة والعظمة  الفرعونية وقصص ألف ليلة وليلة الرائعة, وقد أنهكتها جهود  المدنية الأولى فاستجمت بعد هذا الشوط البعيد حقبة  طويلة من الدهر ما تزال تتذوق فيها خيال هذا الماضى العظيم  وسلطانها السالف !

وكم من عاشقين غمرتهم شمسها الضاحكة بالفرح والسعادة  ودفء القلوب !

وكم من خياليين جاشت نفوسهم فى ربوعها ومجاليها بالأخيلة  السعيدة والأحلام البهيجة!

وكم من مترفين ملأوا فراغ حياتهم وخيالهم بمباهجها ومناظرها  وقضوا شهوة التطلع من عجائبها ومن المتناقضات فيها !

أليست تجمع فى الواقع الكثير من هذا التناقض؟ فيجاور  الجاه العريض والرغد الوفير البؤس الساحق والفقر المدقع؟

الست ترى السيارات الفخمة ذات الفرش الوثيرة  عند مداخل الملاهى والغلمان الضريرين يستدرون الرحمة ويسألون  العطف فى أسمال رثة؟

على أن المدنية تسير فيها الآن بخطى واسعة سريعة. ففى الحين  بعد الحين يبدو بين الناس رأى ناضج أو صناعة رائجة فتكون الدليل  الساطع على الفوز والنجاح. على أن كثيرا ما فارت حماسة الناس  ثم قرت, واتقدت شعلتهم ثم خبت, ما أشد حاجتهم إلى ملكة  الاستمرار والاستقرار !

ولطالما سئلت عن رأيى وشعورى فى مصر. وكان جوابى واحدا  لا يتغير, أنها ككل بلاد العالم فيها الطيب والخبيث, على أننا إذا

قدرنا أن العوامل الاجتماعية وظروف الحياة تخلق الأمم كما تخلق  الفرد وجب ألا يغيب عن أذهاننا تأثير هذه الظروف والعوامل حين  الحكم على مصر التى تجاهد الأيام لاستعادة عظمة القرون الاولى

فإذا أردت أن أتحدث عن شىء فيها فأنا امحدت عن أقوى العوامل أثرا فى تكوينها , وهو المرأة فى مختلف أطوارها وادوارها ومسؤولياتها وواجباتها

وقد يبدو للنظرة الاولى أن أثرها ضئيل, فما وجه العلاقة والخطر  بين هذا المخلوق الخانع قليل الحظ من العلم ومن عظمة الأمة  ومجد الوطن؟

لقد قضيت الآن فى مصر ثلاث سنين شعرت فيها بجاذبية  غريزية تجذبنى نحو المرأة, وأغلب ظني أنها تحتاج إلى عناية اكثر  وجهد أوفر, فأنها أس الحركة الروحية وجماع الأسرة وروحها الجياشة  وشريك الزوج ومربية الأطفال وربة الدار

ولقد استطعت أن اقدر وأنا أعيش فى بيئة مصرية محضة أن  المرأة لا تستطيع أن تكون كل ذلك إلا إذا بذلت أعظم مجهود  وتغلبت على كل صعوبة فأنها ما تزال ترسف فى أغلال العادات وتعليمها  لا يزال ناقصا, وشعورها العميق الذى ولده التقليد القديم بأنها مخلوق  تافه الشأن ضئيل الوجود يقتل فى نفسها أسمى معانى الحياة

وهى بطبيعتها مقلدة غير مستقلة, فكم شاهدت سيدات الأسرة  الواحدة لا يختلفن فى القناع والمعطف والفراء وقد نبذن عصابة الرأس  الشرقية التي كانت تلائم الوجه الشرقى كل الملاءمة

على أن البدء عسير عادة, والمرأة المصرية ما تزال فى خطوات  التطور الاولى, بل قد يكون البدء فى بعض الأحيان مثيرا للاشفاق  والنقد, فإننا إذا لاحظنا زينتها وتجملها رأينا ما يبعث أحيانا على  السخرية, فليس اضحك من وجه شرقى الملامح زاد الكحل  عينيه الدعجاوين سوادا, وشفتين خضبهما الأحمر القانى, وشعر  قد حاله الأوكسجين إلى أصفر فاقع

فنصيحتى إلى المصرية العزيزة أن القصد والبساطة فى التجمل  والزينة هما سر رشاقة المرأة وأناقتها .

( يتبع )

اشترك في نشرتنا البريدية