أتم كامل تسريح شعره بعد أن نضحه بماء الكلونيا ووضع طربوشه فوق رأسه. ثم نظر في المرآة المثبتة في خزانة ملابسه نظرة اختبار وتأمل، فحسن في عينه كل شيء إلا نظام المنديل الحريري المدلى من جيب سترته، فأخذه في يده وجمع أطرافه إلى وسطه وأعاده بعناية ورفق إلى مكانه
ارتدى بعد ذلك معطفه، وامسك بعصا دقيقة وخرج من المنزل الصغير، بعد أن أوصى الخادم أن يعد طعام الغداء مع شيء من الزيادة وكثير من العناية، لان ضيفا سيأتي لزيارته اليوم وسيعود إلى المنزل معه.
سار كامل في طريقه إلى عمله بمكتب (التلغراف) في تؤدة ونظام، ترتسم على شفتيه نصف ابتسامة يتكلفها دائما ليكون عظما على الأقل - في نظر نفسه - وكان حريصاً كعادته على أن يقتصد في نظراته وتحياته في الطريق، وعلى أن يظل منتصب القامة واضعا يده اليسرى في جيب معطفه، وممسكا بالأخرى قفازيه وعصاه الثمينة، ويرفعها ويهبط بها على نظام ثابت، وبين مسافات متساوية. مبتعدا بحذائه اللامع عن آثار المطر القليل في الشارع.
وصل المكتب فحيا الوكيل وحيا زملائه بابتسامة كاملة لم تنفرج لها شفتاه، ثم جلس إلى عمله يستقبل البرقيات ويعنونها ويضعها في أغلفتها ويسلمها بإصلاتها إلى السعاة الموزعين
يفكر كامل في نفسه كل التفكير ويتأنق في ملبسه كل التأنق، فهو يشفق أن تقتحمه نظرة أرستقراطية تقع منه على ضعف في التجانس بين قميصه الحريري وبين بذلته أو رباط عنقه. ولذلك يأخذ نفسه بكثير من الدقة في اختيار الألوان وفي انسجام كل مجموعة من ملابسه على ذوق مناسب للفصل وللوقت. يرعى ذلك كله وأن
يعمل في مدينة صغيرة من مدن الوجه البحري قلما تقع فيها العين على أكثر من اللباس العادي النظيف الذي يمتاز بالبعد عن الكلفة والإمعان في البساطة
ويحرص على هذا كله برغم ما يقتطع من مرتبه الشهري الذي لم يزد على سبعة جنيهات ونصف جنيه من يوم أن عين في وظيفته. وهو راض بذلك يعيش منه في جو من الغرور وخيال العظمة يعزله عن وسطه وزملاءه ويجعله أحيانا مبعث دهشتهم وأحيانا موضع نكاتهم.
قلبه يحمل إلى جانب ذلك حبا يملكه كأقوى ما يمتلك الحب، وهوى يعذبه كأشد ما يعذب الهوى. فإذا به وهو ممسك بصورة محبوبته يقلبها بين يديه في مناجاة ذليلة، وضعف ينسى فيه نفسه ويتخيل الحبيبة كل شيء، طالما أوصد على نفسه باب حجرة نومه الصغيرة. واخرج الصورة من حرزها الحريز في خزانته ولبث ينظر إليها في ذهول حتى يغيب عن وجوده عن حجرته، ويعود في ذكرياته إلى أيام الدراسة ثم إلى أيام العمل الأولى في القاهرة. فيرى نفسه وقد ذهب محملا بالأماني غارقا في الأحلام إلى منزلها ليزور والدها واخوتها، حاملا إليهم تحيات أسرته الصديقة كان ينتهز لذلك فرصا كثيرة. وكان يقابل هناك بكثير من الحفاوة للصلات القديمة المتينة التي تربط العائلتين. وكانت تأتي (هي) لتحيته فيقوم لها وقد سرت في جسمه هزة سريعة ينهزم لها قلبه، وينعقد لسانه، وتتسمر عيناه، إلا أن الابتسامة التي كانت تنطبع على شفتيه دون وعي كانت تحجب عن الأنظار كثيراً من ذلك. ثم يجلس مفكك الأوصال كما يعتدل في فراشه المريض الناقه بعد أدوار الحمى القاسية. ويمضي الزمن سريعا سريعا فيستأذن ويخرج مهيض الجناح ملتاع القلب. يذكر ذلك وفي يده الصورة فينهال عليها بفمه الملتهب يقلبها في حرارة، ويرفع نظره عنها ويثبته في السقف وهو لا يرى منه شيئا. ثم يرسل تنهدة عميقة، ويقوم في تراخ فيفتح صوانه ويضع الصورة حيث كانت. ثم يعود إلى سريره يستلقي عليه في فتور وإعياء.
هذه الصورة عزيزة عليه يحتفظ بها ويحرص عليها كل الحرص لأنها لم تصل إلى يده إلا بعد عناء شديد، شاركته فيه أمه عندما ما سافرت لرؤيته في مصر، فأعملت حيلتها في تبادل الصور بين الاسرتين، ولم تظفر بها إلا بعد جهد ورجاء في الزيارة الثانية. وقد تشجعت - بعد إلحاح أبنها الشديد - على أن تشير في سرعة وغموض إلى أملها في أن تتصل بينهما أواصر صلة قريبة. وكم اطمأن قلبها عندما لمحت حمرة الخجل تشيع في وجه (رسمية) وابتسامة المجاملة تبدو على ثغر والدتها!
كل هذه الذكريات كانت تطيف بكامل كل يوم قبل أن يأوي إلى فراشه، وعندما يخلو إلى الصورة العزيزة يناجيها ويتنهد من أقصى رئتيه، لا يستطيع التفكير في مصير أمله الغامض
لم يسافر إلى مصر من عهد أن نقل منها، وقد أرسل خطابا إلى (عمه) رأفت بك والد رسمية يعرفه فيه حاله، ويتجه بتحية إلى الأسرة جميعها. وورد إليه منه رد رقيق يتمنى له فيه الراحة ويبدي استعداده لخدمته فيما يريد. وقد استحى بعد ذلك أن يكتب إليه مرة أخرى، ثم هو لا يعرف طريقا يقربه من غرضه. فوق انه لا يعتمد على شيء لهذا الغرض إلا على الصداقة القديمة بين أبيه وبين رأفت بك. وهو لا يثق كل الثقة في أنها تكفي بعد أن بعدت الشقة واصبح رأفت بك موظفا كبيرا، نشأت رسمية على حياة راقية وآمال واسعة. كما انه لا يثق من مساعدة أبيه له لنفس هذه الاعتبارات، ولذلك يؤثر إلا يكاشفه بالأمر في رغبة ورجاء استبقاء على أمله أن يتبدد من اقرب الناس إليه.
كانت تؤلمه هذه الخواطر حين ينتهي في تفكيره إليها فيحاول أن يبعدها عنه فلا تبتعد، فيعلق نفسه بخيوط من الأماني. لعله يوما أن يكتسب عطف رأفت بك، ولعله يوما أن ينعم بحب رسمية. أليس شابا مستقيما؟ أليس وسيما أنيقا؟ وتحمله هذه التعلات من مكانه فإذا به أمام المرآة ينظر إلى نفسه ثم يبتسم لها ويعود إلى فراشه. ويسلم أفكاره إلى الهواجس ثم إلى النوم حتى الصباح
حان موعد قيام القطار فدوى صفيره في الفضاء، ثم انطلقت أنفاسه المحبوسة، وتحرك في خفة وهدوء، وارتفعت أصوات المودعين، واخذ القطار يبتعد عن الرصيف شيئا فشيئا، وأخذ
المودعون والمسافرون يلوحون بمناديلهم فى الهواء . ثم أغلقت النوافذ, وتتابعت المناظر من خلال الزجاج فى سرعة عظيمة .
وجلس الدكتور أمين ممسكا بيده المجلة العلمية التي ابتاعها واخذ يقلب صفحاتها ليعرف موضوعاتها وكتابها. ثم وضعها إلى جانبه وسبح في خياله. هو اليوم يعود إلى القاهرة منقولا إليها بعد أن فارقها من سنتين،. فارق فيهما حريته الواسعة وأصدقاء الدراسة، واندمج فيهما فى التقاليد الاجتماعية، التي ينفر منها، ولكنه لا يجد مفرا من الخضوع لها. سيعود إليها الآن شبه غريب فقد تفرق زملاءه، واصبح هو مقيدا بعمله وواجباته. ولكن القاهرة هي القاهرة على كل حال، ولابد أن يجد فيها كل امرئ راحته وسعادته.
اتسعت أحلامه وذكرياته فقام من مكانه ومد يديه إلى الإمام ثم إلى الخلف في بطئ واسترخاء مالئا رئتيه من الهواء المنعش البارد كمن يود أن يستجمع نشاطه المتفرق. ثم سار في بهو العربة الخالي ينظر أحيانا إلى الركاب اللاهين في أحاديثهم أو صحفهم، أو المسلمين أنفسهم إلى سنة خفيفة من نوم أو تفكير، سار مرات في ذهاب وجيئة لم يتعد العربة التي هو فيها، ثم خطر له أن يجتاز مركبات الدرجة الأولى إلى عربة الأكل ليتناول فيها فنجانا من الشاي. فسار سيرا وئيدا في ممرات العربات التي يسودها سكون لا تسمع فيه قرقعة العجلات، ولا صفير القاطرة. وانقلب تفكيره وخياله إلى حال من العظمة والشعور بالكبرياء. وسمح لآماله أن تسبق الزمن فتراه طبيبا شهيرا جمع إلى ذيوع الصيت ثروة ضخمة تؤهله أن يكون دائما من رواد هذه العربات الفاخرة دون أن يكون دخيلا عليها. ثم تسرب فكره وخياله إلى نواحي العظمة الأخرى فتصور الضياع والقصور، وتخيل رحلة لذيذة في الصيف إلى خارج القطر يمثل فيها مصر في مؤتمر دولي طبي. وكان قد استند قليلا إلى إحدى النوافذ وإذا بيد تنزل على كتفيه في ملاطفة وتنبيه، فالتفت سريعا وملأت وجهه ابتسامة شاكرة، ثم مد يده مسلما في احترام ولين.
- إلى أين أنت مسافر يا دكتور ؟ - الى مصر يابك فقد نقلت اليها للعمل فى المصلحة
- عال. إذن ننتظر منك ان تزورنا كثيرا . فأنت من الآن طبيبنا الخاص . أليس كذلك ؟
- بكل سرور يابك . ولي الشرف .
- العفو يا دكتور . وكيف حال عمك ؟ألم تزره حديثا ؟
- كنت عنده فى الأسبوع الماضى وهو في صحة جيدة . ولو أنه يعلم بهذا النقل لأوصانى أن أزور سعادتكم وأن أحمل اليكم أطيب تحياته.
- وكيف حال كامل أبنه فأني لم أره منذ أن نقل من القاهرة بعد تعيينه بمصلحة التلغراف .
- بخير يا بك . وسأمر عليه اليوم لاراه . - إذن أنت لا تسافر فورا الى مصر فى هذا القطار ؟ - ساتخلف عنده ساعتين , واصل ان شاء الله مصر فى هذا المساء .
- وإلى أين كنت تسير الآن ؟ - كنت اريد الذهاب الى عربة الاكل اتناول فنجانا من الشاى
- إذن تفضل. واعمل ترتيبك على أن تنزل عندنا إلى أن تنظم مسكنك الجديد. فاهم ؟ سانتظرك فى المساء . لا أقبل منك اعتذارا . إن لعمك عندي منزلة كبيرة . وأنت دكتورنا الصغير العزيز ها. ها . ها ! بلغ كامل سلامى . - متشكر يا بك. إن شاء الله
وقف القطار واستقبل كامل ابن عمه في حفاوة وترحيب وكان قد انتهى من عمله حين كانت الساعة الواحدة بعد الظهر. فسار به إلى المنزل، وتحدثا في الطريق عن النقل، فهنأه به كامل تهنئة حارة، وبادله الدكتور التهنئة على أناقته ومظهره الفخم الذي يبدو فيه من أبناء الطبقة الراقية
بلغا المنزل وكان الخادم على استعداد لتقديم الطعام. فأمره كامل بأعداده، وساعده في ترتيبه على مائدته البسيطة. ودعا ابن عمه أمين الذي كان في حجرة النوم مشتغلا بالتفرج على ملابس كامل العديدة الجميلة الصنع واللون فذهب إليه واخذ مكانه من المائدة وبدأ الحديث ..
- برافو كامل أنت لا تزال محتفظا برشاقتك المعروفة عنك برغم بساطة البلد الذي تعيش فيه. فمجموعة ملابسك تعتبر من أبدع ما يملكه هاو للأزياء الحديثة
- أبدا. انها فى منتهى البساطة. ويظهر أن العادة حكما لا يستطيع الانسان ان يتغلب عليه ولو عاش فى الارياف أو فى الصحراء
- "على فكرة " رأفت بك كان مسافرا الى مصر فى القطار الذى وصلت فيه . وقد عرفنى اثناء مرورى فى العربة وسأل عنك .وكلفني أن أحمل سلامه اليك
- رأفت بك وكيف عرفك ؟وماذا قال لك ؟
- يظهر أن ذاكرة الرجل قوية. فقد مرت سنتان لم أره فيهما، ولكنه رآني مع عمي كثيرا قبل ذلك. وقد هنأني تهنئة رقيقة يوم ظهور نتيجة الدبلوم. وقد سألني اليوم عن عمي. وطلب مني بإلحاح أن انزل عنده في مصر حتى أهيئ لي سكنا، وقال انه في انتظاري الليلة
- فى انتظارك الليلة ؟. اذن انت لا ترغب فى البقاء معى ولو يوما واحدا ؟
- بكل أسف. فأنا مضطر إلى الذهاب إلى المصلحة غدا صباحا ولذلك سأسافر بقطار الساعة الثالثة. ولا تنس إنني وعدت رأفت بك بالذهاب إلى منزله هذا المساء
- إنها فرصة سعيدة جدا . الا تعرف ؟
- فرصة لا باس بها وأن كان لا يهمني كثيرا الاختلاط بالطبقات الأرستقراطية، بل إني أضيق بالعادات والتقاليد الخاصة بها. وأحاول أن أتكلفها لئلا يفوتني شيء منها، فتقابل تصرفاتي بابتسامة أشفق منها على نفسي. ولذلك فأني في الغالب سأعتذر للبك بعد لليلتين بحصولي على مسكن وانتقل إلى أحد الفنادق
كيف ذلك؟ أني أريد أن أكلفك بمهمة فى هذا المنزل. مهمة شريفة جداً. يتوقف على قضائها مستقبلي، أو قل تتوقف عليها حياتي، وقد خدمتني الظروف أجل خدمة بما حدث بينك اليوم وبين رأفت بك مما جعلك تقبل النزول في بيته، فتكون ضيفا كريما مسموع الرأي، مجاب الإرادة. فهل أنت مستعد أن تقدم لابن عمك وصديقك هذه المكرمة الميسورة لك؟
- لا افهم. إنما ثق أني على أتم استعداد لخدمتك فأنت أخي قبل كل شيء، فما هي هذه المهمة وكيف يتوقف قضاؤها على بقائي في منزل رأفت بك. أأنت تريد العودة إلى القاهرة؟
هذا طلب ثانوى سيكون له وقته القريب أو البعيد . اسمع لى دقيقة ...
وقام كامل فغسل يديه بسرعة وجففهما ثم دخل إلى حجرة النوم وعاد ومعه الصورة فى غلفها.
اقترب من أمين وقد امتقع لونه وعلت أنفاسه ورفع الصورة بين إصبعين من يده المرتعشة. فامسك أمين عن الأكل وحملق بعينيه وفغرفاه وقال بصوت ملؤه الغرابة والدهشة:
(رسمية! بنت رأفت بك، أنت بتحبها!؟ مين جاب لك الصورة دي؟)... (آه يا عفريت). جلس كامل وهو لا يكاد يعي ما يسمع أو ما يقول ثم أجاب - الصورة مهداة إلى أمي. وليست لي بالذات، أما إني احبها فلست ادري إن كان الحظ أو سوء المصير هو الذي أوقد نيران هذا الحب في قلبي، فهو يستعر به ولا تنبئ عنه إلا هاته الزفرات.
- وهل كاشفت أحدا بهذا الحب ؟
أبداً لم أجد الفرصة أو لم أجد شجاعة. حتى إني أحس الآن بألم في نفسي كأني استبحت حرمة دفينة حين صرحت لك، ولكنه الأمل، فعزائي الآن بيديك. وإنما أمي تعرف عنه كل شيء، وأظنها أبدت الرغبة ذات مرة في زواجي من رسمية، وأخبرتني ولست ادري أكان حقا أم قصدت سروري. أخبرتني أن رغبتها صادفت ارتياحا من الجميع.
- اذن المسألة أصبحت سهلة , وماذا يمكنني أنا أن أقدمه اليك فى هذا الامر ؟
- ماذا يمكنك؟ يمكنك كل شيء. تستطيع أن تعرف الميول الحقيقة نحو الفكرة. وميول رسمية بصفة خاصة. وتستطيع أن تكون صريحا في ذلك. وان تستعمل حيلتك وتأثير شخصيتك. وعندك الفرصة سانحة لتمكنك من قضاء وقت طويل أثناء إقامتك في المنزل.
- على كل حال ثق أنني سأجرب نفسي في هذا الموضوع، وأنني سأتخذ ما ليس من طبعي من التبسط في التفاصيل، وسيساعدني على ذلك أن مثل هذا الحديث عند الطبقة الراقية مألوف لا غضاضة فيه. وإن كنت لا أكتمك ظني أن لا مثال هذه الطبقات ميولا وآمالا قد لا تدخل في تقديرنا فلا نعمل لها حسابا. إنما يمكنك أن تعتمد عليّ في ذلك إلى ابعد حد
- إذن أضع كل أملي فيك. حياتي ومستقبلي بين يديك، عاملني كأخ، ولا تنس أن قلبي يتفطر، وأنني لن أرى الراحة حتى أرى بواكير
خدمتك. وسأظل مدينا لك بروحى مدى الحياة .
لماذا أمسكت عن الاكل ؟ كل , فان المسافر يجب أن يأ كل كثيرا .
- متشكر , لقد امتلأت . اين ماء الغسل ؟
سافر الدكتور ومضت أيام، فأرسل إليه كامل خطابا يستثير فيه اشفاقه، ويرجو منه إفادته عما عمل وما رأى وما سمع، ومضى أسبوع، وأرسل كامل كتابا أخر يعتب فيه اشد العتب، احتدت فيه عاطفته أول الأمر ثم لانت وتوسلت وتذللت وطلبت رداً .. أي رد!
وأتى الرد أخيرا . نشر كامل الخطاب بين يديه فى سرعة ورجفة وقرآ ..
عزيزى كامل
أحييك وأتمنى لك الصحة والراحة. جاءني خطاباك وقد كاشفتها بحبك، فامتعضت وزمت شفتيها في احتقار وتبرم. ولم أشأ أن اجرح شعورها بعد ذلك، اجتهد أن تنسى عاطفتك الجامحة، وثق انك تستطيع ذلك، ويمكنك أن ترسل الصورة إلى الوالدة، أو تتخلص منها على أي حال. فهذا يساعدك على ما ذكرت، وإني لك على الدوام المخلص
أمين
ومنذ شهر, عاد كامل فى نهايته من أجازته المرضية الطويلة . واذا به يتلقى فى البريد الدعوة الآتية
(محمد رأفت بك، والدكتور أمين سامي يتشرفان بدعوة حضرتكم إلى حفلة عقد قران الآنسة رسمية كريمة الأول على الثاني في الساعة السادسة من مساء الخميس ٢٥ الجاري بمنزل الأول في الزمالك ويسرهما أن يشفعا هذه الدعوة بأطيب الأماني )
وجمد كامل فى مكانه من ألم الصدمة . ولكن سؤالا سريعا وجوابا حاسما وطافا بمخيلته فى غير شعور أيذهب ؟ مستحيل !

