الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد الأولالرجوع إلى "الرسالة"

صفحات من الشعر الهندى، -١-، من ديوان رسالة الشرق، لشاعر الهند العظيم محمد إقبال

Share

محمد إقبال هو شاعر الهند العظيم، وأكبر شعراء الاسلام فى  عصرنا. درس الفلسفة فى انجلترا وألمانيا وتزود من الفلسفة القديمة  والحديثة ما شاء له الذكاء والاجتهاد، وعلم الفلسفة فى جامعات  الهند سنين كثيرة. وهو اليوم قائد من قادة الأفكار فى الهند.

وله من الشعر " دواوين عدة بلغ فيها الغاية. نظم واحدا منها باللغة الأردية وسماه "بانك درا" أى صلصلة الجرس. ونظم خمسة بالفارسية وهى:

(زبور العجم)، (وأسرار خودى)، (ورموز بى خودى)  (أسرار الذاتية ورموز اللاذاتية)، (يبام مشرق) (رسالة المشرق)  وقد جعله جواباً للقصائد المشرقية التى نظمها الشاعر الألمانى جوته.  وآخرها (جاويدنامه)، (الكتاب الخالد). والقطع المترجمة هنا مأخوذة من "يام مشرق"

الحياة

بكى سحاب الربيع فى جنح الليل فقال: ان هذى الحياة بكاء مستمر! فتلالأ البرق الخاطف أن "قد غلطت. انها لمحة من الضحك!" ليت شعرى من أخبر البستان بهذا، فهو حديث

مستمر بين الندى والورد !؟.

الله والانسان:

الله خلقت العالم من ماء واحد وطينة واحدة، فخلقت أنت الفرس  والتتار والزنج. خلقت من التراب الحديد، فخلقت أنت السيوف  والسهام والمدافع، وخلقت الفأس لأغصان الشجر والقفص  للطائر الغريد.

الانسان خلقت الليل فخلقت المصباح. وخلقت الطين فخلقت  الآنية: خلقت الصحارى والجبال والربى فخلقت الجنات وحدائق  الورد والطرق المشجرة. أنا الذى صنع المرآة من الحجر!. وأنا الذى صنع الدواء من السم!.

اليراعة:

سمعت اليراعة تقول: لست كالنملة ينال الناس أذاها. ولست كالفراشة، فأنى اشتغل ولا احمل منة لأحد. إذا صار  الليل أشد حلكا من عين الظبى أنرت بنفسى لنفسى الطريق!!.

الحقيقة:

قالت العقاب بعيدة الرأى للعنقاء: أن الذى يراه ناظرى سراب!  فأجاب ذلك الطائر: أنت ترين. ولكنى أعلم أنه ماء.  فارتفع صوت السمكة من لجة البحر: أجل يوجد شىء  وهو فى هياج واضطراب!!. .

الحكمة والشعر

ضل أبو على (١) فى غبار الناقة، وأخذت يد الرومى (٢)

بستر المحمل ! هذا غاص حتى ظفر بالجواهر، وذاك دار مع الغثاء على  وجه الماء.

الحق إن لم تكن فيه حرقة فهو حكمة. وإنما يصير شعراً حين  يقبس من نار القلب!. .

الوحدة:

ذهبت الى البحر فقلت للموج المصطخب: أنت فى طلب  دائم فما خطبك؟ فى جيبك آلاف اللآلئ، فهل فى صدرك كما  فى صدرى، جوهر من القلب؟!.

فاضطرب وجزر عن الشاطئ ولم يحر جواباً!. ذهبت الى الجبل فسألت ما هذا القرار؟ ألا ينال مسمعك  آهات المحزونين وصيحاتهم؟! أن يكن العقيق فى أحجارك قطرات  من الدم فحدثنى فأنى مرزأ.

فانقبض وصمت ولم يحر جوابا!. قطعت طريقا سحيقا وسألت القمر: يا جواب الآفاق! هل قدر  لك منزل لم يوجد؟ العالم من شعاع وجهك حديقة من الياسمين.  فهل نور شامتك من تجلي قلب لا يوجد؟ فرأى رقباء بين الأنجم ولم يحر جوابا!

تخطيت القمر والشمس وصرت الى حضرة الخالق. قلت  ليس فى عالمك ذرة واحدة تعرفنى! العالم خلو من القلب، وأنا،  هذه القبضة من التراب كلها قلب!. المرج جميل، ولكنه ليس  كفء نغماتى. فتبسم ولم يحر جوابا!.

الحور والشاعر:

جواب منظومة جوته (المسماة الحور والشاعر) الحور: لا ترغب فى الحر ولا ترفع بصرك الى. عجيب أنك لا تعرف طرائق المحبة !

هذه الأنفاس التى تصهرها والغزل الذى تغنى به كلها نغمة  الطلب وكلها حرقة الأمل.

أى عالم من الجمال خلقت بألحانك؟ فهذه إرم تلوح لى  كطلسم من السيمياء.

الشاعر: تخدعن قلوب السائرين بكلام لاذع، ولكن لذته لا تبلغ  وخزة الشوك! ماذا أصنع؟ ان فطرتى لا تسكن الى المقام وان  له لقلبا قلقا كالصبا بين الحدائق!

كلما اطمأن ناظر الى وجه جميل خفق قلبى وراء وجه أجمل. إنى أريد من الشرر نجما، ومن النجم شمسا. لا أبغى منزلا  فان موتى أن أقر. كلما تناولت قدحا من حميا الربيع قمت فأنشدت  غزلا آخر مشوقا الى ربيع جديد. إنما أطلب غاية الذى لا غاية له  بعين لا تصبر، وقلب دائم الرجاء. تموت قلوب العشاق بجنة الخلد  لا بألحان الألم والغم، والمؤاساة.

نسيم الصبح:

آتى من صفحات البحار وقمم الجبال، ولكنى لست أدرى  من أين أهب!.

أبلغ الطائر المحزون رسالة الربيع. وأثغر فى منزله فضة الياسمين.

وأتقلب فى المرج، والتف على أغصان الشقائق، فأبعث من  مسامها اللون والرائحة. وأتعلق رفيقا رفيقا بأوراق الورد والزهر  حتى لا تنوء أغصانها بجولاتى!.

واذا رأيت شاعرا هاجه غم العشق خلطت بنغماته نفسا بعد  نفس.

الصقر والسمكة:

قالت سمكة صغيرة لفرخ الصقر: ان كل ما ترى من سلاسل الأمواج هو البحر. فيه  وحوش أشد زمجرة من الرعد القاصف. وفيه صنوف الأهوال  ظاهرة وخفية. وفيه السيول جائشة تقلع الصخور، وتغشى كل  شىء. وفيه جواهر متلألئة ولآلىء نيرة. وليس الى الخروج منه  سبيل! هو فوقنا وتحتنا وفى كل مكان. هو أبد الدهر فتى  مائج متلاطم. لا يناله من دوران الأيام زيادة ولا نقص.

اتقد وجه السمكة بحرقة الحماسة، فضحك فرخ الصقر،  وارتفع من الساحل الى الدوح وصاح: أنا الصقر فمالى وللأرض؟  أن الصحارى، وهى بحار، تحت أجنحتنا. دع الماء وتعود سعة  الهواء. حكمة لا تدركها الا العين البصيرة.

العشق

هذه الكلمة الآخذة بالقلوب، والتى هى سر وليست بسر. أنا أخبرك من سمعها وأين سمعها؟

استرقها الندى من السماء فأوحاها الى الورد، وسمعها عن  الورد البلبل(١)، ونثتها عن البلبل ريح الصبا. حداء(٢)

نغمة حادى الحجاز

يا ناقتى الخطارة  وظبيتى المعطارة وعدنى والشارة (3) والمال والتجارة   ودولتى السيارة حثى الخطى قليلا  منزلنا قريب!

جميلة الرواء   مطربة الرغاء محسودة الحوراء   وغيرة الحسناء بنية الصحراء! حثى الخطى قليلا   منزلنا قريب!

كم غصت فى السراب   فى وقدة اليباب وسرت لم تهابى   فى الليل كالشهاب والنوم عنك نابى حثى الخطى قليلا   منزلنا قريب!

قطعة غيم غادى      سفينة الرواد  كالحظر فى البوادى     تمضين فى سداد فلذة قلب الحادى! حثى الخطى قليلاً       منزلنا قريب

هيامك الزمام    وسيرك الأنغام يتعبك المقام      لا الجوع والأوام والسفر المدام

حثي الخطى قليلاً    منزلنا قريب

ممسية في اليمن     مصبحة فى قرن ترين حزن الوطن    كالخز تحت الثفن         إبه غزال الخثن! حثى الخطى قليلاً    منزلنا قريب

در السماء نعسا     خلف التلال خنسا والصبح قد تنفسا     مزق هذا الغلسا والريح تزجي نفساً حثي الخطى قليلاً       منزلنا قريب !

لحني دواء السقم     والروح ملء نغمي يحدو الركاب كلمى    من جارح وبلسم هلم بنتَ الحرم! حثي الخطى قليلاً      منزلنا قريب !

اشترك في نشرتنا البريدية