بالجانب الأيسر من الصحيفة ( ٧ ) من العدد ( ١٥٤ ) من مجلة (( الثقافة )) الصادرة فى القاهرة فى ١٣٦٠/١١/٢٧ قصيدة للشاعر المصرى ( المهدي مصطفى ) عنوانها ( أنت يا نفس ) جاء فيها قوله :
علمتني الأيام أن أحقر النا س ودنيا تعج بالأوشاب
وأصون الفؤاد من عبث الود وأنسى مجامع الأحباب
وقوله :
ضاق ذرعى وضقت بالأحياء أين منى الرؤى ودنيا السماء
وقوله :
أنت نفسى إذا سموت عن الأر
ض وعشت الغداة فوق السدود
وتخطيت حاجز الجسم والعسر
ف وعفت الحياة بين العبيد
وتغذيت بالشعاع وبالعطر
وغنيتنى نشيد الخلود
ومن ذلك فهمت أن الشاعر من الذين ينادون بالحرمان من بنابيع الحياة والانفطام عن أطايب الوجود ، وأنه يحاول الانسلاخ من قوانين التراب إلى الملكية الخالصة . ولما كنت أومن أشد الإيمان وأعمقه واقواه بأن أحلام الانطلاق الكلى أوهام وأشباح ، ليس لها عقاب تصبه على هوائها غير الحرمان من الحياة والخيبة فى الآمال ، وليس لها ثمن نتقاضاه غالبا منهم غير تعب الأعصاب واضمحلال قوى الجسد والروح - لما كنت كذلك وكان الشاعر المصرى كما أسلفت نظمت هذه الأربعة والعشرين بيتا الآتية راجيا أن أنجح فى تقويم بعض الأفكار التى تنحرف إلى هذه الفلسفات الجوفاء التى تهوي بمعتقديها إلى هوى سحيقة من الخيبة والحرمان .
أيها الشاعر العيوف حياة الن فس فوق الثرى وبين العبيد
ومريداً تخطى النفس للجسم ونشداتها طريق الصمود
ومريدا اغذى النفس بالنور وترجيعها نشيد الخلود
لم تبفى الهروب من قبضة الأر ض وما فى حياتها من قيود ؟
لم تهوى دنيا السماء وما كنت
حسيا بها ولا بهواها
إنما للسماء خلق من النور
وخلق الغبراء نبت ثراها
أمك الأرض والأناسى إخوا
نك والله غلكم فى مداها
ومباح لك التمتع . . . فيها
بلذيذ الأشياء إلا خناها
فلماذا الشرود من جنة الدنيا
وفيم احتقارك الأحياء ؟
وهواك الطيوف فى عالم الوهم
وبنسياك نسيك الأصدقاء
فيم هذا وما خلقت ملاكا
يعبد الله لا يحس عناء
لا ولا كنت من ذنوبك صفرا
لا ولا بيت مبن مناك براء
دعك من ذلك التشاؤم من عيشك
واضحك له بوجه الأمانى
ما عقاب ابتغائك العيش فوق ال
نجم يا صاحبى سوى الحرمان
إنما أنت عابث ليس يدرى
بر هذا الوجود بالإنسان
يجهل الناس سرء فيمادون
قواه بالبغض والنكران
أيها الشاعر الغوي سبيل الكون
مهلا فقد أثرت شعورى
لم لا تنظر الحياة بعين !!
يحب للعيش حلوه والمرير
كيفما كنت فى شعورك تلق !!
عيش فاشعر به شعور السرور
تجد الناس ذات ود وأنس
وتر الكون ذا جمال ونور
( كن جميلا تر الوجود جميل )
حيثما عشت وابتسم للوجود
فهو تر بالحق والعدل والخير
وبالحسن والهوى والغيد
ما خلقنا لنفطم النفس عما
فيه من لذة وعيش رغيد
ودعاة الحرمان منه ومن ينبوعه
التر هم دعاة الجمود
( مكة )

