إن عيب الكتابة العربية الأصيل ، وهو خلوها من الإشارة إلى الحركات في صلب الكلمة ، وصعوبتها الكبرى . وهي أن لكل حرف منها عدة صور تبعا لمكانه من الكلمة ، كان أمرا لا يعتد به حين كان العلم وقفا على طبقة من الشعب ، لها من الذكاء والقوة والهمة ما يسعفها بمقالية الصعوبات لتعلم القراءة ، وإتقان اللغة ، وإحسان النحو والتصريف ، وإن كانت بالرغم من ذلك تقع حينا بعد حين في الاضطراب والمشقة والملل . أما اليوم ، ونحن نريد أن تكون الثقافة عامة ، يدركها كل إنسان ، فمن العبث أن تنتظر من مجموعة الشعب الهمة والذكاء لإتقان اللغة وإحسان التصريف ، بعد الصبر والتحمل في تعلم القراءة . وسنري الكثيرين منها لا يفتأون يصدون عن العلم ، ما داموا يسلخون سنوات من حياتهم في تعلم القراءة دون أن يعدهم ذلك لقراءة العلم الحق والأدب الجيد ، قراءة خالصة من المشقة ؛ وسنري عددا أكبر بأبون التعلم ، ما داموا يجدون أنه يقتضي أكثر من نصف سنة لتلقن صور الحروف ، ثم لتهجية الألفاظ .
ألا فأصلحوا أداة الثقافة قبل كل شئ . سهلوا على رجل الشعب تعلم القراءة ما قدرتم . أزيلوا كل صعوبة عند المتعلم في مزاولتها . إذا لم تفعلوا ذلك فلا تنشدوا الثقافة الشعبية العامة ، ولا تشملوا أفكاركم بالتقدم والرقي .
أدرك أرباب الإصلاح تلك الحاجة منذ نحو نصف قرن ؟ فهبوا يضعون الطرائق وينشدون الإصلاح . ونظر صاحب المعالي الأستاذ عبد العزيز فهمي باشا بثاقب نظره فيها أحدثوه ، فلم يعجبه ذلك ، وراح ينشد الإصلاح الكامل : يريد أن يتعلم العربي القراءة في أقصر وقت ، وألا يحتاج في القراءة الصحيحة إلى معرفة صرف أو نحو أو لغة .
ولما لم يلف سبيلا إلي هذا الإسلام في الكتابة العربية ، ألفاء في الحروف اللاتينية ، فأعلن الجهاد باسمها ، وكان له الفضل بالدعوة إلى الإصلاح ، وبحث الناس على العمل في سبيله على أنه ظهر لنا ، مع احترامنا لراي هذا الأستاذ الكبير ، مفاسد كتابة العربية بالحروف اللاتينية ، كما تقدم . قصرنا تقول : أتعلن الحروف العربية عجزها عن الإصلاح التام الذي ينشده الأستاذ الجليل ، وينشده كل من يحب الإصلاح ؟ هل تقر بضعفها أمامه وتهيىء سبيل الطعن عليها بعدم قدرتها عليه ؟ ألا نستطيع أن نضع لكل حرف من حروف العربية شكلا واحدا يعرف به ، وأن تدخل في هذا الشكل إشارات واضحة تدل على حركة الحرف ، فيتعلم العربي الحروف بأقصر زمن ، وقد قلت صورها ، ويتقن القراءة قبل أن يتعلم النحو والصرف ، وقد زالت حاجته إليهما فيها ؟!
كانت هذه الأفكار تساورني منذ عهد بعيد ، ولكن صروف الأيام كانت تحول دون اعتنائى بها ، حتى جاء اقتراح معالي الأستاذ فهمي باشا يقرع الأسماع ويهز القلوب ، فألهب حماستى . ولكني كدت أصرف عن العناية بشأنه مرة أخرى ، لولا أن أستاذ كبيرا أمسك عن ذكر اسمه ، نزولا عند رغبته ، دفعني إليه دفعا حثيثا . وقال فيما قال : إنك لن نجد أكثر فائدة من هذا العمل إن وقفت به ؛ فأي شيء يعادل إصلاح الاداة التي نتعلم ونفكر ونعلم ونتصل وتتقدم بها ؟ لن تكون النهضة التى نحن قائمون بها سريعة تامة قوية ، مضاهية لكبيرات النهضات ، إلا إذا أصلحت الأداة التي توجهها ، فلتصلحها ! صدقت أي سيدي الأستاذ ، وبارك الله فيك ، إذ كان ضنينا بمثلك ضنا قويا !
دأبت على العمل بعد هذا الدفع الجميل المشجع ،
فهداني الله بنعمائه ، وصار يخيل إلي ، بعد جهد طويل وعناء شديد ، أني وجدت الإصلاح المنشود . وهأنذا أقدمه إلي الأوساط المختصة ، وإلى كل عربي يهمه أن يرمى أمته ، وقد أصلحت أداتها الأولى ، فانتفعت بها في طريقها إلي النهضة والتقدم .
ظهر لي أنه من الممكن التمييز في الحروف العربية بين قطعتين مختلفتين : رأس الحرف وذيله . أما رأسه ، فهو بدايته حتى يلتقي بذيله ؛ وأما ذيله ، فهو الخط الذي يصله بالحرف الذي بعده ، أو بشكل أعم ، هو الخط الذي ينتهي به . ووجدت أن هذا التقسيم يمكن أن يسري على كل الحروف سوي الألف ، دون جهد ؛ فقلت لو اعتبرنا رأس الحرف قطعة منه دالة عليه ، لا تتغير أبدا ، واعتبرنا ذيله قطعة أخري تأخذ أشكالا أربعة ، تبما لحركة الحرف ، حلت المشكلة . وبقي أن نجد تلك الأشكال الأربعة التي يبدو بها ذيل الحرف دون أن يتغير أصل صورته . وقد أطلت النظر في إيجاد هذه الأشكال ؛ ورجعت إلي أصل الخط العربي ، فوجدت الخطاطين ينوعون ذيل الحرف أنواعا عديدة لتجميله وتزينه . ووجدت أبسط أنواعهم وأصلحها للدلالة على ما نحن بصدده وأبعدها عن الإبهام الأشكال الآتية ، فأقررتها ، وهي : الخط المستقيم (-) للحرف المفتوح ؛ الخط المنكسر ( ٧ ) للحرف المكسور ؛ الخط المقوس المضموم إلى الأعلى ( - ) (1) للحرف المضموم ؟ الخط المستقيم المسكن بطرفه الأيمن بخط مستقيم آخر (6) للحرف الساكن . هذه الإشارات إذا ضم أحدها إلي رأس الحرف ، دلت علي حركته . وبقي أن نجد صورة واحدة لرأس كل حرف من الحروف العربية ، لا تختلف عن
الصورة الأصلية وتجاري هذه الإشارات ، فوجدت تلك الصور ( انظرها مفردة في الشكل رقم ١ مع امتزاجها بالحركات . وانظر تطبيقها مع الإشارات في الشكل رقم 2 بالنص الذي اتخذ مثالا بافتراح الحروف اللاتينية ) .
وبعد ، أفلا تري أن إصلاح الكتابة العربية في نفسها الفاضحين قد حصل بهذه الطريقة ، بل إنى أزيدك عليه المحاسن الآنية :
أولا - إن الطابع والكاتب على الآلة الكاتبة يستعملان بهذه الطريقة أربعين قالبا فقط ، بدلا من ( ١٠٨ ) قوالب بالطريفة الحالية في الطبع ، وبدلا من ستة وخمسين باللاتينية ، ويسهل على الطابع إدماج الحركات بالحروف حين الصف ، فهو يأخذ قالب رأس الحرف ، ثم يدمج فيه قالب حركته بتجوير متقابل يحدث بكلا الغالبين ، بحيث يتماسكان ؛ ثم يأخذ الحرف الذي بعده ويدمج فيه حركته وعلم جرا . .
ثانيا - لا يصعب اليوم على المتعلم أن يقرأ هذه الكتابة بعد ائتلاف يسير لا يدوم أكثر من نصف ساعة ، فهي أقرب ما يكون إلي الكتابة الحالية .
ثالثا إن محاسن الكتابة العربية لم تمس في هذه الطريقة بسوء . فالاختزال فيها باق ، والجمال محافظ عليه ، والبساطة ظاهرة فيها .
وخلاصة أمر هذه الطريقة ، أنها تحل إشكال القراءة العربية وصعوبتها بصورة لا يعود فيها للحروف اللاتينية أدنى تفوق على الكتابة العربية ، وهي إلي ذلك تحافظ على سائر مزايا الكتابة العربية . أو بكلمة واحدة ، إنها تجمع محاسن الكتابتين ، وتخلو من مساوئهما .
وقد يقول قائل : إن طريقتك لا تسري على الكتابة الخطبة إلا بمشقة كبيرة . فأقول : قد وجدت تعديلا طفيفا يجعلها سهلة بالكتابة الخطبة . على أنى أوثر عدم ذكر هذا التعديل ، لأني أري أن يحتفظ بالشكل الحالي للكتابة الخطبة وحجتي في ذلك أننا لا نخط بأقلامنا فيما لا يحتاج إلي الآلة الكاتبة ، إلا أقوالا ليس الإعراب أصلا وطيدا فيها ، ولا حاجة لضبطها . وهاك أهل الغرب بقترحون أن ترفع حروف المد من خطوطهم ، لتصبح أسرع
وأكثر اختزالا (١) . زد إلي ذلك أن الكتابة بالشكل الحالي إذا بقيت تخط بالقلم كانت همزة الوصل بين القديم والحديث ، بحيث لا ندع للأجيال المقبلة مجالا للتذمر من الكتب المطبوعة أو المخطوطة بالشكل القديم . وقد يقال : ولكنك بهذا الاحتفاظ أبقيت على صعوبة التعلم والتعليم ؛ فأنت تضطر إلى درس الحروف الحالية إلى جانب الحروف الجديدة . فأقول : لن يعمد المتعلمون إلي درس الحروف الحالية إلا بعد أن يكتبوا بالحروف الحديثة ويتقنوها ، وهي توافق حركة يد المبتدئين ، ثم يصبح تعلم الحروف القديمة عندهم امرا سهلا ، يقربه إليهم تشابه الصور وتناظرها ، كالطفل الغربى يتعلم كتابة الحروف المطبوعة أولا ، ثم ينتقل منها إلي الحروف المخططة ، فلا يتعبه ذلك ولا ينصبة رغم اختلاف الصور .
هذه هي طريقتي ، حتى إذا قبض الله لها النصر والتطبيق ، خدمت لغة العرب وحضارتهم وتقدمهم . والله الموفق أولا وآخرا .
( دمشق )
