الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 302الرجوع إلى "الرسالة"

عبث الوليد

Share

قرأت ما كتبه الأستاذ الكبير عبد الرحمن شكرى عن أمير  الصناعة البحترى فكان عندى موضع إعجاب وإجلال. وإنى لمعجب  ومقدر لما يكتبه الأستاذ من الأبحاث القيمة والموضوعات الأدبية  الطريفة فأقرأه بشغف وأتزود منه وأنتفع به. غير أن لى ملاحظة  على قوله إن المعرى   (شرح ديوان البحترى وسماه عبث الوليد.

ولعمرى لو كان شعر البحترى عبثاً ما احتفل له أبو العلاء ولما سلخ  له زماناً من عمره فى شرحه وإلا كان المعرى عابثاً لإضاعة وقته  فى شرح العبث الخ)

فإن المعرى لم يشرح ديوان البحترى كله. وحاشا المعرى أن يسمى سلاسل الذهب عبثاً. وكيف يصح ذلك منه وهو الذى  يقول:   (المتنبى وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحترى) وهذه  شهادة منه تعتبر أرقى من أهم شهادة فى هذا العصر

وإنما اختار أبياتاً ارتكب فيها البحترى ضرورة من الضرورات  أو استعمالاً شاذاً أو مذهباً نحوياً غريباً فشرح هذه الأبيات وبين  ما فيها وأسماها عبث الوليد

وهذا الكتاب طبع بدمشق ويوجد منه نسخة بدار الكتب  المصرية مأخوذة بالتصوير الشمسى برقم ٧٩٥٧. وهذه بعض  أمثلة منه

حرف الهمزة من التى أولها: زعم الغراب منبئ الأنباء:

فلعلنى ألقى الردى فيريحنى ... عما قليل من جوى البرحاء

الأكثر فى كلامهم لعلي وبها جاء القرآن وربما جاء لعلنى وهذا البيت ينشد على وجهين:

أرينى جواداً مات هزلاً لعلنى ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا

ومنهم من ينشده لأننى وهو بمعنى لعلنى الخ وقال فى محل آخر:

لم تقصر علاوة الرمح عنه ... قيد رمح ولم تُضِعْهُ خَطآء

خطآء بفتح الخاء ردىء إلا أنه جائز وقد حكى عن بعض  القُراء المتقدمين:   (أنه كان خطآ كبيرا)  بالفتح والمد.  والكسر أجود ليكون مصدراً لخاطأ لأنهم قد قالوا تخاطأته المنية  قال الشاعر:

تخاطأت النبلُ أحشاءه ... وأُخَّرَ يومى فلم يَعْجَلِ

ويجوز أن يكون خطآ وهو مأخوذ من الخطوة كما يقال  خطأه الله السوء أى جعل السوء يخطوه فلا يمر به، وقال:

وما دول الأيام نعمى وأبؤساً ... بأجرح فى الأقوام منه ولا أسوى

قوله أسوى تسامح من أبى عبادة لما كان الأسو ظاهر الواو  وكذلك قولهم أسوته فى الفعل فأنا آسوه آنس بالواو، فجاء بها  فى أفعل الذى يراد به التفضيل وإنما القياس ولا آسى وما علمت  أن أحداً استعمل هذه الفظة التى استعملها أبو عبادة وكأنه قال:  ولا أوس ثم نقل الواو إلى موضع العين إذا بنى من أسا يأسو  مثل أفعل فالأصل أن يجتمع فيه همزتان إلا أن الثانية تجعل ألفاً  كما فعل بها فى آدم فهذه الألف جاء بها أبو عبادة فى أسوى بعد  الواو يجب أن تكون الهمزة المخففة وقد أبدع فى استعماله هذه  الكلمة ومن التى أولها:

أبا جعفر ليس فضل الفتى ... إذا راح فى فرط إعجابه

ولكنه فى الفعال الكريم ... والخلق الأشرف النابه جاء بالنابه مع إعجابه فجمع بين الهاء الأصلية وهاء الإضمار  وذلك قليل إلا أن الفحول قد استعملوه واستحسنه كثير من  المحدثين. وقالت امرأة من العرب تهجو ضرتها وتخاطب زوجها:

بطون كلب الحى من جدارها ... أعطيت فيها طايعاً أو كارهاً

حديقة علياء من مدارها ... وفرساً أنثى وعبداً كارهاً

ومن التى أولها: وكان الشلمغان أباً مولهاً:

بنو الأطروش لو حضروا لكانوا ... أخص مودة وأعم رأياً

قوله الأطروش يقول بعض أهل اللغة إنها كلمة لا أصل لها

فى العربية وقد كثرت فى كلام العامة جداً وصرفوا منها الفعل  فقالوا طرش يطرش وأفعول بناء عربى كثير. ويجوز أن يكون  من أنكر هذه اللفظة من أهل العلم لم تقع إليه لآن اللغات كثيرة  ولا يمكن أن يحاط بجميع ما لفظت به القبائل. وكان عبد الله  ابن جعفر بن دستوريه يذهب إلى أن كلام العرب لا يمكن أن يدرك  جميعه إلا نبى إذ كان غاية ليست بالمدركة. وممن كان ينفى الأطروش  عن كلام العرب أبو حاتم سهل بن محمد السجستانى الخ

هذه طريقة هذا الكتاب هو كتاب جليل على صغر حجمه  نافع لا يصح أن يكون مجهولاً غير معروف بين الأدباء والسلام  على الأستاذ

اشترك في نشرتنا البريدية