الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 303الرجوع إلى "الرسالة"

عبث الوليد

Share

أشكر الأستاذ الجليل إبراهيم يسن القطان على مكارمه وفضله  وأدبه وسعة اطلاعه. أما عن قول المعري (عبث الوليد) فقد جاء

في كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان في ترجمة المعرى ما نصه: (واختصر ديوان أبي تمام وشرحه وسماه (ذكرى حبيب) . وديوان البحتري وسماه (عبث الوليد)، وديوان المتنبي وسماه  (معجز احمد) وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيهم ومآخذهم  من غيرهم وما أخذ عليهم وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض  المواضع عليهم والتوجيه في أماكن لخطئهم) فهذا التفصيل وهذه الإطالة في شرح محتويات هذه الكتب تدل على الاطلاع أو تفهم  القارئ أن الكاتب واثق من قوله. فهو يقول اختصر كل ديوان  من الدواوين الثلاثة ولم يقل إنه أخذ محاسن أبي تمام والمتنبي في كتابية عنهما واكتفى بعيوب البحتري في كتابه عنه، بل قال  إنه ذكر للثلاثة محاسن ومساوئ، وذكر للثلاثة أخطاء وعيوباً  ودل على ما امتاز كلّ به من المعاني الخ، ومع ذلك مَيَّزَ بينهم في عنوان كل كتاب، وهذا التميز هو الذي عنيته بنقدي. على أنه  لو صح أن ابن خلكان أخطأ في شرح هذه الكتب وكان كتاب المعرى عن البحتري مقصوراً على العيوب والمساوئ ولم يقصر المعرى على مساوئ أبي تمام والمتنبي الكتابين الأخريين لكان  هذا ظلماً من المعرى للبحتري، إذ أن لأبي تمام والمتنبي مثل هذه الأشياء التي ذكرها الأستاذ الجليل القطان فَلَمْ نُرَجَّحْ إذاً  أنه قصر الكتاب على عيوب البحتري لهذا السبب وأخذنا  بوصف ابن خلكان محتويات الكتب والتمييز في العنوان بالرغم من ذكر المعرى مساوئ شعر أبي تمام والمتنبي في كتابيه  عنهما - وإذا لم يكن غير نسخة واحدة في مصر من كتاب  عبث الوليد مأخوذة بالتصوير الشمسي فهذا قلة استيفاء  بحثها. ومما جعلنا نصدق قول ابن خلكان ومن قال مثل  قوله علاوة على الأسباب المتقدمة أننا لم نستكثر على المعرى ألا يقدر صنعة البحتري قدره حكمة المتنبي في شعره الذي سماه

معجزة احمد. ومما يدل على ذلك أيضاً أنه لم يمدح شيخ البيان أبا تمام  كثيراً في عنوان كتابه إذ جعله ذكرى، والذكرى لا تقارن بالمعجزة. وقد سُمِعَ عن المعري انتقاص للشعراء الذين يهتمون كل الاهتمام للصناعة والأسلوب الخطابي، فقد روى أنه قال عن شعر محمد بن هاني الأندلسي: (إن شعره كطاحونة تطحن قروناً لإحداث قعقعة) وابن هاني الأندلسي له شعر يقارب طريقة أبي تمام  ومسلم بن الوليد التي احتذاها البحتري أيضاً ولم نستبعد أن يكون صاحب اللزوميات التي ملأها تفكيراً في معضلات الحياة قد صنع ما نسبه إليه ابن خلكان وغيره من مؤلفي السَّير وقدَّم التفكير  على الصنعة في الشعر وجعل الصنعة عبثاً إذا قورنت بالحكمة وإن لم تكن عبثاً إذا لم تقارن بها. ومما ينبغي أن نلاحظه أنه كان في نفس المعري كما كان في نفس تولستوي الأديب الروسي صراع  عنيف بين نشدان جمال الصنعة في الآداب والفنون وبين البحث  عن الحقيقة الروحانية، وهذا الصراع قد يفسر اختلاف قوله في البحتري. وبعد كل ذلك نرجو الأستاذ القطان أن يرجع  مرة ثانية إلى هذه النسخة المأخوذة بالتصوير الشمسي ليرى هل هي  كاملة، وهل هي مقصورة على عيوب البحتري، فإذا كانت كاملة  (لا ناقصة كما في بعض الكتب النادرة) وإذا كانت مع تمامها مقصورة على عيوب البحتري كان ابن خلكان مخطئاً في وصفه لمحتويات الكتاب، وكان المعري ظالماً إذا اختص البحتري في كتابه  عنه بالعيوب ولم يختص أبا تمام والمتنبي، وهذا أمر مستبعد  ولكنه لو صح لكان حجة لنا أيضاً

اشترك في نشرتنا البريدية