للأستاذ النشار منزلة رفيعة في نفسي ولكتابته الأخيرة عن شعرائنا قدر كبير من اهتمامي وعنايتي وإعجابي وهو صديقي وأستاذي من زمن بعيد، ولكن ذلك لا يمنعني أن أقول كلمة عن أشياء عنت لي في مقالاته
لم أجد اتفاقاً بين الأغاني ومنهجه غير وضع لفظة (الصوت) على بعض الشعر وغير (حدثنا فلان عن فلان) وقد قال الأستاذ في مقاله الأول (ولن نخترع ولن نلفق إلا أن يكون ذلك من مستلزمات الكتابة) ومع هذا فيكاد يكون ٨٠ % من مقالاته تلفيقاً على طريقة (إن لم يكن فقد كان يجب أن يكون)
وقد كان صاحب الأغاني يذكر الصوت فيترجم لصاحبه ويذكر آراء النقاد والعلماء فيه ثم يقص شيئاً من أخباره. والأستاذ النشار لم يفعل شيئاً من ذلك فهو يكتب شعراً لغير الشاعر ونقداً لغير الناقد ثم يقول: (إنهم لا يقولون ذلك ولكن أحسب هذا هو الذي يجب أن يقولوه) ولعله لجأ إلى هذا ليتسنّى له تصريف القول كما يريد. وكان الأجدى لو عمد إلى أبيات من شعر من يريد أن يترجم له يتميز فيها مذهبه وطريقته ثم يكتب ما قد قيل فيه من رأي ثم يعقب برأيه. وقد يذكر الأستاذ الإسكندراني ما لا داعية إليه مثل أن يقول:
(حدثنا الأستاذ خيري سعيد قال: حدثنا العلامتان هيجل وشليجل قراءة عليهما. وحدثنا الناقدان هردر وفيخت ولم يقل بماذا حدثوه، وأغلب الظن أنهم لم يحدثوه بشيء، أو لعله آثر ألا يروي عن هؤلاء العلماء الألمان حتى يرى ماذا ستصنع ألمانيا في مشكلة دانزج)
فما نرى في مثل هذه العبارة ما يفيد الأدب أو التاريخ! وقد ترجم أبو الفرج إلى الآن لشاعرين نراه خالف ما اتفق عليه الرأي في أحدهما، فمثلاً إذا جاء في القرن الخامس والعشرين من يريد أن يعرف زعيم المدرسة الحديثة في القرن العشرين لا يستطيع أن يعتمد على رأي الأستاذ، لأن المعروف والحق أن الذي فتح باب الحديث إنما هو (مطران) ومن خلفه (أبو شادي) أما ناجي فلم يكن له - فيما نعلم - تأثير بالغ في هذا الاتجاه. وقد يحجنا الأستاذ بأن هذا رأيه، فكان عليه - وقد خالف المشهور والمعروف - أن يعزز رأيه بالحجة والدليل وكذلك نراه يقول عن صالح جودت (الموسيقار الكبير) وقد نفهم أنه يريد من ذلك السخرية ولكنا نرى أن في هذا مضلة لمن يأتي بعدنا
ومسألة رابعة أريد عنها جواباً. من المأخوذ بالرأي المتحدِّث أو المتحدَّث على لسانه؟ وبعبارة أوضح من نأخذ بما قال الأستاذ في امرئ القيس، الدكتور هيكل أم صاحب الأغاني؟
يقول الأستاذ على لسان هيكل: (وأني لأعجب من معلم اللغة العربية لا يقول لتلاميذه إن امرأ القيس وإن كان عبقرية فذة في فنه فإنه كان في آرائه وشعره نحو النساء كأي حمار في الطريق وإن غزله لا يختلف شيئاً عن النهيق؟) أهذا يقال؟!
والأستاذ النشار قد أجاد في ابتكار طريقة خاصة يدون بها التاريخ الأدبي لعصرنا الحاضر، فيها خفة وفيها ترويح عن نفوس القراء، ولكن ذلك قد يضطره إلى ما لا حاجة إليه كأن يقول: (واللحن لجوبلز على نغمة المترليوز)
وبعد، فرجائي إلى الأستاذ ألا يحوج الزمن إلى من يهذب (المنهج) كما أحوجه إلى من يهذب (الأغاني) ودعوتي إلى الله أن ينسأ له في الأجل حتى يتم كتابه وحتى يتمتع قراء العربية بكتابته
