الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 345الرجوع إلى "الثقافة"

على هامش الحوادث :، نتائج الانتخابات البريطانية

Share

يعتبر نجاح العمال في تولي الحكم ببريطانيا حادثا عظيم الأهمية ، بل يذهب البعض إلى أنه يعد بداية انقلاب خطير بعيد الأثر في بريطانيا وفي الأمم الأخرى . ولسنا بصدد دراسة الأسباب التي أدت إلى فوز العمال وفشل المحافظين وإلى دلالة ذلك ، وإنما يعنينا ان نستعرض ما ينتظر أن يكون لهذا التغيير من نتائج .

فأما ما ينتظر أن يكون لهذا التغيير من الأثر في داخل انجلترا فهو زيادة العناية بالشئون الداخلية وأهمها بناء المساكن وتعمير ما خربته الحرب من المؤسسات والمصانع ، ويرجح ان توضع بعض الآراء الاشتراكية موضع التنفيذ كاستيلاء الحكومة على المناجم والشركات الكبرى التي تتناول المرافق العامة كالمواصلات .

ومن سبق الحوادث التكهن بمدى هذه التغييرات ، ولكن مما لاشك فيه أن الديمقراطية الانجليزية ستصطبغ بصبغة اشتراكية قد تكون لها نتائج اجتماعية بعيدة الأثر

ولا نتوقع أن تخطو الحكومة في سياستها الاشتراكية

خطوات شديدة التطرف ، فلا يزال في البرلمان معارضة قوية تضم طائفة ممتازة من السياسيين المحافظين الذين قد يعوضون بنشاطهم وخبرتهم عما ينقصهم من الكثرة العدوية ، وسيكون لهم دور خطير في الحد من النزعات المتطرفة ، وسيساعد على ذلك المزاج الانجليزى المعتدل الذي يميل إلى التدرج الهاديء وينفر من الانقلابات المتطرفة

أما نتائج هذا التغيير في خارج انجلترا فمن الجلى أن الحكومة الاشتراكية ستكون أقرب مودة للاتحاد السوفيتي ، وقد يساعد ذلك على إزالة المخارف وتصفية الجو بين الحليفتين الكبيرتين ، ومما لا شك فيه أن حسن تفاهم هاتين الدولتين وقيام العلاقات بينهما على أساس الثقة والمودة من اكبر العوامل في الاستقرار الدولي وتحقيق سلام عالمي طويل الأجل .

ويظن أن قيام حكومة اشتراكية في بريطانيا سيغلب النزعات الاشتراكية في الأمم التي كانت تتأرجح بين الاشتراكية والملكية كاليونان ويوغسلافيا وايطاليا

وبلجيكا ، كما يعجل قيام النظام الاشتراكى في غيرها من الدول كفرنسا .

ويتوقع الكثيرون أن تكون بريطانيا في تناولها للمشاكل الدولية اقل تأثرا بالنزعة الاستعمارية وأصح إدراكا لحقوق الشعوب ، وهم لهذا يرجون أن تنال الهند قسطا اوسع من الحرية والاستغلال وتظفر المستعمرات بتحسين في وضعها تتمتع معه بكثير من مزايا الحكم الذاتي

ويرجي أن يكون تدخل الحكومة الإنجليزية في الشئون الخاصة للدول المتصلة بها أو الواقعة تحت نفوذها في أضيق الدوائر ، ويكون أساس سياستها قيام العلاقات بينها وبين غيرها على المودة والتفاهم والتعاون وتبادل المصالح لا على أساس الأثرة وفرض رغباتها الخاصة بالقوة والتهديد

هذا ما يذهب إليه المتفائلون . أما المتشائمون فيقيسون الحاضر بالماضى ويقررون أن الأحزاب الانجليزية قد تختلف آراؤها ونزعاتها الاصلاحية في شئونها الداخلية ، ولكنها في الأمور الخارجية لا تكاد تختلف ، بل لعل الاشتراكيين احرص الناس على ألا يري مواطنوهم فيهم اي تقصير في المحافظة على امبراطوريتهم الواسعة وسلطانها على الشعوب ، وهم لذلك ينحون في سياستهم الخارجية نحو المحافظين ويعالجون الأمور الخارجية كما كان يعالجها المحافظون بروحهم الاستعمارية المعروفة . ولا نتفاءل مع المتفائلين أو نتشاءم مع المتشائمين ، بل نرجح أن تمتع الحكومة الاشتراكية بالغلبة سيجعلها أكثر حرية في العمل وأقل تأثرا بنظريات المحافظين

بقي أن نشير إلي ما يظن أن يكون مسلك حكومة العمال في ثلاث مسائل شديدة الاتصال بنا ، وهي مسلكها في مشكلة فلسطين ومسلكها في امر تعديل المعاهدة المصرية والمعاهدة العراقية ومسلكها فى علاقات فرنسا بسوريا ولبنان

فأما مشكلة فلسطين فقد كان ميل حزب العمال ظاهرا في العطف  على اليهود والمطالبة بفتح أبواب فلسطين لمهاجريهم . ونعتقد أن الحكومة حين تعالج هذه المشكلة لن تتقيد بهذه العبارات العامة التي تردد اثناء الانتخابات كسبا للأنصار ، ولكنها ستدرس المسألة من كل نواحيها

وتقدر العوامل المختلفة والظروف المتعددة المحيطة بها . ونظن

أن الرأي الرسمى في مثل تلك الأحوال لن يهتم باليهود ويتجاهل العرب ويستهدف للخطر علاقات المودة القائمة بين انجلترا والدول العربية الآخري .

والأمر في النهاية متوقف على نشاط الجامعة العربية وتصميم امم العرب . ولن ينجح اليهود وانصارهم في فرض إرادتهم مادام العرب يدا واحدة في الدفاع عن قضيتهم العادلة .

أما تعديل المعاهدة المصرية والمعاهدة العراقية ، فنعتقد أن الظروف الجديدة ستكون اقرب لتحقيق الرغبات العادلة للشعبين العربيين .

فقد ربحت إنجلترا من هذه الحرب القضاء على القوات الفاشية والنازية التي كانت تهدد الشرق الأدنى وحوض البحر الأبيض المتوسط ، وبذلك لم تعد ثمة ضرورة لأن تحتفظ فيهما بقوة احتياطية لدرء أخطار لم يبق لها وجود في هذه الجهات ، آن لها أن تستريح من حبس قوات كبيرة ترابط في تلك البلاد . فالمرجح والحالة هذه أن يكون من الميسور تعديل المعاهدتين وإزالة القيود التي تتعارض مع استقلال الشعبين ، وإقامة علاقة جديدة معهما تبني على الثقة والمودة ، ويراعى فيها ما قدمه الشعبان من عون كريم للحلفاء أثناء الحرب . قد يثير الاستعماريون ورجال الحرب مخاوف جديدة ويخلقون أوهاما بعيدة يرون الاحتياط لها بما يمس استقلال البلدين ، ولكنا نعتقد أن الخوف والاحتياط هما اساس فساد العلاقات بين الدول وبذر بذور الحرب . وخير الدول الكبرى ان تجرب الثقة وتبعد الخوف وسوء الظن ، ولن تخسر شيئا بذلك ، فقد دلت الحرب وتجاربها على أن الاحتياط بالنقط الاستراتيجية وحبس القوات في البقاع المتباعدة قليل الجدوي ، وان العبرة بالقوة الجوية والاستعدادات المركزية ، فهي وحدها الكفيل بالنصر الأخير .

بقيت مسألة سوريا ولبنان وعلاقتهما بفرنسا ، ومع أننا نتوقع أن يكون حكومة العمال أحسن علاقة بفرنسا فاننا نعتقد ان موقف سوريا ولبنان قد أصبح من القوة والوضوح بحيث لا تستطيع إنجلترا بل لا تستطيع فرنسا أن تغير مما انتهى إليه الأمر فيهما .

اشترك في نشرتنا البريدية