ظهر هذا العدد حافلاً كما تعود القراء بالآراء المنخولة، والعلم المصفى، والأدب الحي، الذي يبعث الحياة قوية في النفوس التي نال منها الجهد. وقد وقفني، وأنا أطالع بعض ما فيه من بحوث كلمات - هي لفتات قوية - جعلتني أكتب هذه الكلمة القصيرة
١ - يقول الأستاذ الجليل الزيات: " إن عمر رضى الله عنه رأى من العدل أن ينال اليهودي الذي عجز عن كسب حياته، من بيت المال ما يمسك نفسه " . ذكرني هذا ما عاهد عليه خالد بن الوليد أهل الحيرة في كتابه الذي جاء فيه: " وأيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته وعيل
من بيت المال وعياله وما أقام بدار الهجرة والإسلام (1) " أين هذا العدل مما نراه اليوم من ضياع حقوق الفقراء المسلمين عند الأغنياء المسلمين ولدى الحكومة في دار الإسلام!
٢ - ويذكر المؤمن حقاً الأستاذ الغمراوي في تأملاته أن الفضيلة جعلت في هذا الزمن الضال بأهله وسيلة للغلب: فالأمم تتعاهد فان وجدت في الوفاء ربحاً وفت، وإن وجدت الربح في النكث نكثت. هذه الحقيقة المؤلمة أذكرتني كذلك ما جاء في كتاب الفاروق عمر إلى سعد بن أبي وقاص وهو في حربه مع الفرس: " فإن لاعب أحد منكم أحداً من العجم بأمان، أو فرقة بإشارة أو بلسان كان لا يدري الأعجمي ما كلمه به وكان عندهم أمانا، فأجروا ذلك مجرى الأمان. وإياكم والضحك، والوفاء الوفاء! " (2)
هل ترى أنبل من هذا وأشرف! يحض الفاروق على الوفاء بكلمة تبدو من لأعجمي لا يدري معناها ولا يدور بخلده أنها أمان، أما الأمم التي ترى أنها أوفت على الغاية من المدنية والحضارة، والتي يأخذ عنها سادتنا وزعماؤنا ورجالاتنا العادات والتقاليد، فتتعاهد وتحكم العهد، حتى لا تترك فيه لفظة ينفذ منها شك، أو حرف يكون تعلة للبس؛ ثم إذا رأت إحداها أن خيرها في النكث نكثت، إن مكنها هذا ما تملك من حول وطول، ومن قوى الدمار والهلاك!
يا قومنا! يجب أن نعتز بتراثنا وآدابنا وأمجادنا التي تصمد في مقام الاعتزاز والفخر. بذلك تحترمنا الأمم الأخرى، ونسير في طريق المجد. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

