الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 327الرجوع إلى "الثقافة"

على هامش الكتب الحديثة :، ١ - حدائق السحر، فى دقائق الشعر

Share

كتاب بالفارسية يعالج الوان البديع في الشعر على نحو ما انتهت إليه عند العرب والفرس جميعا في القرن السادس الهجري ، إذ كان مؤلفه رشيد الدين الوطواط من كبار الأدباء في عصره ، وكان يتولى ديوان الرسائل لملوك خوارزم ، وله في العربية رسائل مشهورة طبعت منذ امد طويل فقد كان أديبا ممتازا في العربية والفارسية يقول ياقوت عنه :

كان من نوادر الزمان وعجائبه ، وأفراد الدهر وغرائبه ، أفضل زمانه في النظم والنثر ، واعلم الناس بدقائق كلام العرب ، واسرار النحو والأدب ، طار في الأفاق سبته ، وسار في الأقاليم ذكره ، وكان ينشئ في حالة واحدة بيتا بالعربية من بحر وبيتا بالفارسية من بحر آخر ، ويمليهما معا . وله من التصانيف " حدائق السحر في دقائق الشعر " باللغة الفارسية ، ألفه لابي المظفر خوارزم شاه ، وعارض به كتاب ترجمان البلاغة لفرخي الشاعر الفارسي . وواضح من هذا النص أن كتاب حدائق السحر من اقدم كتب البلاغة عند الفرس ، بل ربما كان اقدم كتاب إذا أهملنا كتاب الفرخي الذي ذكره ياقوت لأنه مفقود حتى الآن .

وقد ترجم الدكتور الفاضل إبراهيم امين هذا الكتاب الظريف إلى اللغة العربية ، ولم يكتف بترجمته بل اضاف إليه طرفة أخري هي دراسة مفصلة للكتاب وصاحبه ، قام بها الأستاذ عباس إقبال استاذ الأدب الفارسي بجامعة طهران ، وهي دراسة دقيقة تدل على مهارة في البحث والتحقيق ، وإنها لترفع من شأن هذا الكتاب إذ تنير الطريق أمام من يقرؤه او يدرسه وليس من شك في ان

الدكتور ابراهيم أمين كان موفقا في ترجمته ، كما كان موفقا في اختيار هذا الكتاب الذي يعتبر في الواقع وثيقة مهمة لمن يعنون بدراسة مقارنة للبلاغتين العربية والفارسية فمن خلال قراءة هذا الكتاب نستطيع ان نعرف إلي اي حد تأثر الفرس بمصطلحات البديع العربي كما تأثرروا بأصل هذا البديع في أدبهم ، ونعني الأدب العربي نفسه ، فإن من شدا شيئا من الفارسية يعرف ان الأدب الفارسي الحديث نشأ على طراز الأدب العربي بضربيه من شعر ونثر ، إذ استعار الفرس من العرب أوزان شعرهم وموضوعاته ومعانيه ، كما استعاروا موضوعات نثرهم وطرائفهم فيه . ومعنى ذلك أن صورة الشعر العربي انتقلت بجميع شاراتها وسماتها إلى اللغة الفارسية ، وقد انتقل معها ما يسم الشعر العربي من الوان البديع واصباغه ، بحيث لا نقرا في كتاب الوطواط ونتبعه حتى نقول ما قاله الصاحب قديما عن العقد الفريد لابن عبد ربه : " هذه بضاعتنا ردت إلينا " .

فالكتاب نسخة مطابقة تمام المطابقة للبديع العربي ومصطلحاته ، وليس فيه من جديد بالقياس إلي الوان البديع العربي ، ولعل ذلك ما اتاح للوطواط إذا مثل لون من ألوان البديع أن يجييء له بأمثلة من الشعر العربي والفارسي جميعا ، فقد قرأ دواوين اشهر الشعراء من العرب والفرس واستخرج منها الشواهد التي تتصل بكتابه ، ولذلك كانت تتردد في كتابه اسماء البحتري وابي فراس وبديع الزمان وابن عباد والثمالي والمتنبي وغيرهم من شعراء العرب الممتازين ، كما تتردد أسماء الرودكي والدقيقي والفرخي والمنصرمي ومسجدي وغيرهم من شعراء الفرس المشهورين وقد كان يعجب بالبحتري وأبي فراس ، إذ كان يري انهما مبرزان في صناعة الشعر السهل الممتنع . اما المتنبى فقد استشهد به في نحو عشرين موضعا ، واعتبره اشعر شعراء العرب ، ووضعه في مكان مناظر للمنصرمي اشهر شعراء الفرس في رأيه .

ولعل الوطواط لم يعن بشاعر بعد المتنبي عند العرب

مثل عنابته بالحريري ، فقد تتبعه في مقاماته واستخرج منها ضروب التعقيد التي كان يشغف بها في شعره من مثل الشعر الذي يتكون من حروف معجمة او حروف مهملة أو من خليط من الضربين

والواقع أن هذا الكتاب طريف من حيث اتصاله بالبديع العربي ووصف صناعة الشعر العربي والفارسي علي نحو ما كانت تفهم في القرن السادس الهجري . وليس من شك في أن ترجمة هذا الكتاب إلي اللغة العربية تعتبر جهدا مشكورا يستحق صاحبه عليه الثناء

٢ - حكم قره قوش

وهذا كتاب آخر يمتاز بجودة العرض ، عنى فيه الدكتور الفاضل عبد اللطيف حمزة ان يجلو شخصية قره قوش في سورة تاريخية صحيحة ، وقد كان قره قوش خادما لاسد الدين شيركوه الذي ولي الوزارة لآخر خلفاء الدولة الفاطمية . فلما توفي أسد الدين عمل قره قوش على أن يخلفه في الوزارة ابن أخيه صلاح الدين الأبوبي ، ولما استقل صلاح الدين بحكم مصر قربه منه ، وكان ينيبه عنه في مصر اثناء أسفاره إلي الشام فيحكم الرعية ، ويرفع إليه الناس قضاياهم ومظالمهم . يقول ابن خلكان : قد كان صلاح الدين يفوض امور مصر إلي قره قوش ويعتمد في تدبيرها عليه ، وكان صاحب همة عالية ، وهو الذي بنى السور المحيط بالقاهرة ومصر وما بينهما ، وبنى قلعة الجبل وبنى القناطر التي بالجيزة علي طريق الأهرام . وله وقف كثير . وكان حسن المقاصد جميل النية " ثم يقول ابن خلكان : " والناس ينسبون إليه أحكاما عجيبة في ولايته حتى إن الأسعد بن مماني له جزء لطيف سماه " الفاشوش في أحكام قره قوش " وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه ، والظاهر أنها موضوعة ، فإن صلاح الدين كان معتمدا في أحوال المملكة عليه ، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته ما فوضها إليه

وتري من ذلك ان قره قوش كان شخصية كبيرة في

دولة صلاح الدين ، ويرى ابن خلكان ان ابن مماني شوه هذه الشخصية بما كتب عليها من اقاصيص مضحكة ، إذ صوره يحكم بين المظلومين ومن يرفعون إليه شكاواهم احكاما تدل على غفلته وقد كبر ابن مماني الاديب هذه الغفلة فيما روى عنه من حكايات واقاصيص على عادة الادباء حين يلجأون إلي السخرية من بعض الافراد ، فتراهم يصنعون بهم صنيع اصحاب الصور الكاريكاتورية

وليس من شك في أن من يرجع إلي كتاب الفاشوش الأنف الذكر يرى ابن مماني صاحب قدرة ممتازة في تكبير اغلاط قره قوش وإظهاره ، في صورة الحاكم الظالم المتعسف الذي يبطش برعيه في قسوة دون تدبر او رحمة ، وقد تعلق فيه به بهئات من غفلته فهولها وضخمها حتي يعطي لصورة قره قوش الكاريكاتورية جميع ملامحها وسماتها الدالة

وقد قرأ الدكتور عبد اللطيف كتاب الفاشوش كما قرأ تاريخ قره قوش ، ولفته هذا التاريخ إلي ما في كتاب ابن مماني من ظلم لصاحبه . ونستطيع أن نلخص موقفه في أنه اتخذ موقف ابن خلكان فرأيناه يقف للنضال عن صاحبه والدفاع عنه ، وقد قدم لذلك بوصف قره قوش وحياته واشتراكه مع صلاح الدين في بعض حروبه ثم وفائه له ولابنائه من بعده وخرج من ذلك إلي بحث كتاب الفاشوش . ولما كان بعض المستشرقين وهو الأستاذ كازانوفا سبقه إلي بحث هذا الكتاب وأبدى بعض الاراء بصدده رأيناه يراجع صنيع هذا المستشرق ، وقد رد عليه رأيه الخاص بأن هذا الكتاب " يعتبر أثرا لحادث خطير هو سقوط الفاطميين ، وانه يعتبر المظهر الأخير لبغض مصر وأهلها لكل فاتح لبلادهم وهو بغض ايقظه في نفوسهم انهيار الخلافة الفاطمية وقيام الدولة الأيوبية التي اعادت الأمر فيها إلي بني العباس " وليس من شك في أن هذا رأي طريف إذ يجعل لمصر شخصيتها أمام الفاتحين لها ، ولو كان هؤلاء الفاتحون من امثال صلاح الدين . والباحث في الأدب المصري لا يتعمق في قراءة تاريخ ابن مماني

وتاريخ آبائه وما كانوا عليه من ثروة وسلطان في العهد الفاطمي ثم ما آل إليه أمرهم في العهد الأيوبي حتى يحس بأن رأي كازانوفا له جلاله وخطره والواقع أن اسرة اسعد ابن مماني كانت موفرة الجاه والثروة في عصر الفاطميين حتى رأينا أحد شعراء الخريدة وهو ابن مكنسة يختص بما في نفسه مما أثار حقد بدر الجمال عليه ؛ فهذه الأسرة التي كان لها مكانتها وشعراؤها في عصر الفاطميين اضطرت في عصر أسد الدين شركوه أن تسلم لأنها كانت مسيحية ، وقد اضطهدها أسد الدين من أجل ذلك فأسلم أبو الأسعد الملقب بالخطير ، وأسلم الأسعد نفسه ، ودخلت هذه الأسرة كارهة في الاسلام حتى تحتفظ بشأنها ومجدها القديم . ثم يحدث بعد ذلك أن تستمر هذه الأسرة في وظائفها في الدولة ، ولكن أهميتها تضعف بل نحن نلاحظ أنها تضطهد ، فقد اضطهد ابن ممانى نفسه واضطر أن يخرج هاربا من وطنه لما يلقاه فيه من بلاء وعذاب شديد . أفلا يجعلنا ذلك كله نفكر في شأن هذا الكتاب الذي ألفه ابن مماني وقد دخلت أسرته في الاسلام على كره منها ، فنظن إزاءه بعض الظنون ، تخرجه من حيز الفردية إلى حيز النظرة العامة ، فتجعله رمزا - كما جعله هذا المستشرق - لسخط المصريين على هذا الحكم الجديد ، وخاصة أن هذا الحكم شفع - إلي حد ما - باضطهاد المسيحيين ، على عكس ما نعرف عن الفاطميين ؟

ومهما يكن من رأي في هذا الموضوع ، يمكن لباحث أن بثيره ، فإن هذا لا يبغض من قيمة كتاب الدكتور عبد اللطيف فقد فتح علينا به ابحاثا طريفة لا في قره قوش وحده ، بل وفيما ألحقه بحكمه التاريخي عليه من دراسة عامة للسخرية في الأدب العربي وما علق به على كاتب آخر يشبه ابن مماني وكان معاصرا له وهو الوهراني ، وقد تعلق هو الآخر في منامات له ومقامات بنقد الدولة الأيوبية ورجالها . ونحن نرجو أن يوفق الدكتور الفاضل لنشر آثار الوهراني ، فإنها على ما يظهر من حديثه عنها - وثيقة اجتماعية قيمة

اشترك في نشرتنا البريدية