الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 278الرجوع إلى "الثقافة"

عناصر إيمانى

Share

ترغب إلي مشكورة ، كوكبة من ذوي النفوس الكريمة ، في أن أوافيها على صفحات هذه المجلة الرفيعة ،

بمقال أسبوعي ، وهنا اسأل قائلة : وما هو هذا المقال الأسبوعي ، فأجيب : إنه في عقيدتي التحدث إلي معشر القارئات والقراء الكرام . وإنى لأعرف أن الحديث الذي يصدر من ناحية واحدة لا يكون جد شائق أو ممتع في أغلب الأحيان ، وعليه أؤمل أن يتكرموا بتبادله معي

ولهم عهدي أن أفضي إليهم بما يدور في رأسي ، ويخالج نفسى ما سنحت لي الفرصة ، وواتتني حالة الصحة المتعثرة ، راجية أن يفيدونى بكل ما يعن لهم فيه  ، آملة أن يعينني الله على قضاء حقوق برهم بي .

ولكني أري لزاما علي قبل كل شىء ، ان أورد اليوم طائفة من الأمور التي أومن بها وأحبها ، والأمور التي أجتويها وأجحدها . وأكبر ظني أني أجاوز العهود في من يتولون تحرير المقالات المنظمة من البسطة الحمية

والقدرة الكتابية ، وانتهاء الكمال إليهم في طول الباع وغزارة الاطلاع ، ولا أتردد عن المجاهرة يأني لم أدرك إلا ذروا من العلم والمعرفة ، وإن كنت لا أدخر سعيا في التحصيل ، وأستقصي الذرائع كي أوفي علي الغاية ،

وأتكمل في الرأي السديد ، والنظر الحكيم ، وعسي أن أسوق من حين إلى آخر ، وجوه النجح التي توخيتها لتحقيق هذه الغاية المقدسة ، ونواحي الظفر التي ارتدتها لأتم المراحل في الحكمة العاملة ، والقول السداد الرشاد أما الآن فأبادر إلي الحديث عن عناصر إيماني علي سرده فأقول :

إني أؤمن بأن مصرنا المفداة كيفما تكن النتائج التي يستتبعها لها جوها السياسي ، ستحافظ على سلامة أوضاع الحكومة الملكية الدستورية الصحيحة ، وتعمل على توحيد الصفوف ، وتسزيد قسطها من الدىقراطية والمساواة والحرية ؛ واومن ان مصرنا ستمعن في المحافظة على الحرية ، وتحرص على احترام تلك الديمقراطية لتكون أهلا لتلك المساواة ويجب ان تذكر على الدوام ان التعصب السياسي والحزني والسلالي ، ينبت في البيت ، ويمكن

اجتثاثه من البيت ؛ وأؤمن أن الضمان الاقتصادي يشمل دائما ألوانا من السياسة المنظمة التي تعرض الحرية الشخصية للخطر ، وأن المساواة في الفرصة هي الشىء الوحيد الذي يمكن ان يضمن للفرد ، وان هذه المساواة ذاتها يجب ان تكسب اكتسابا بالس والجد والتفوق . وما دام في مقدور سيدة واحدة ان تقوت جارسبها في صنع الكمكة الواحدة ، التي تلتقي في تحضيرها مع هذه الجارة والطريقة الموصوفة لكلنيهما على حد سواء ، فلا بدها تتيح لأسرتها تناول كمكة أفضل من التي تأكلها أسرة جارتها .

وأنا أومن بأن الأسرة هي أعظم مقومات المجتمع ، وأن الزواج فن عال ، وقمة خطيرة ، وأن الروابط الزوجية الصالحة المنجحة تتطلب الإبثار والتضحية بالنفس ، والتساهل والتسامح ، والقوة الحيوية والشجاعة ، وغالبية الصفات العليا التى يحلى بها الجنس البشري منذ الأزل .

وأنا أحب الأطفال ، وأؤمن بأنهم ملائكة الأرض تنقصهم الأجنحة ، ولا أميل إلي الناس الذين يقولون إنهم لا يحبون الأطفال ، أو إن الصغار كالكبار فيهم الظريف وفيهم غير الظريف ، واعتقد ان هذا القول لغو ، فإن للاطفال ذلك الاستعداد انكشوف القابل للانلام والعطب كسائر الكائنات والأشكال التي يمكن تكييفها وصوغها

وأنا أحب الحدائق من بدء الربيع إلي آخر الصيف . وأنا شخصيا أوثر المشي على امتطاء صهوة الخيل والتجوال في عربة أو سيارة ، وأوثر السباحة علي الركض ، وبالاختصار أنا أحب الألعاب الرياضية ، لأني أومن بأنها تمكن الإنسان من معالجة الصعاب برحابة صدر وتسامح . وأحب تمضية بعض الساعات في جو حافل بضروب اللهو البريء الصحي

وأحب الصوت الجميل ، وأحب ذوات الشعر الكستنائي : ولا أحب الضوضاء والجلبة والبائعات اللواتي يحاولن أن يحملنني علي ابتباع القبعات التي لا تلائم شكل وجهي بتأكيداتهن المستفيضة لي أنها من أجمل ما يليق بي ،

ولا أميل إلي السيدات اللواتي يقلن مع كل كلمة يوجهنها إلي : " يا عزيزتي " ولا أميل إلي أهل الشكوك " اللاأدريين ولا إلى الناس الذين يغلون أعناق كلابهم المدللة بالسلاسل الغليظة حين يوثقونهم في حدائقهم الزهرية لحراستها

ولا أرتاح إلي الناس الذين يعتقدون أن التكمل في الأبهة والكياسة يدعوهم إلي كراهة كل شىء، ويرون أن السذج الدهماء هم الذين يسخون في امتداح شخص عادي أو رواية تمثيلية بسيطة ، أو منظر طبيعي مألوف

وأنا أحب التسامح والإحسان والوئام ، وأحاول أن أتجنب التحامل على الذين يفتقرون إلي هذه الشمائل الحسان . ولا أحب في الناس تلك الخصال التي تجعلهم يبدون المحاسنة والمسالمة والإكبار للأشخاص الذين من طبقتهم الاجتماعية فقط .

وأعتقد ان الحصيد الذهبى والأشجار الشيخة بديعة ، كما أحب الأشجار الفتية والأغراس الصغيرة .

وأعتقد أن الجو إذا أوغل الإنسان في بحث خواصه وحالاته يصلح لأن يكون موضوعا بهيجا للمحادثة

* ص وأنا أكره في الناس إفراطهم في التأدب حين يديرون بين فكيهم لسانا أحلى من الشهد يطرفنا بألفاظ معسولة ، ظاهرها مغر وباطنها محجوب لما ينمقونه لها من المجاملات العذبة  التي تشبه علينا وجوه الرشد فلا ندري كيف نتحصن من مجانبها

ولي كلف بتجاذب أطراف الحديث في الشئون الشخصية التي ينثر وصفها في المجالس ، وينشر ذكرها في سامر الرفيقات والأتراب ، ويكثر في غضونها مثل هذه الأسئلة : " تري ما الذي يعيبها في نظره ؟ " ولماذا افترقا أو لماذا لم يصرحا لابنتهما بالانتظام في سلك التعليم العالي ؟ وليس ذلك لأنى ذات نشوة للأخبار ( أي أتخبرها أول ورودها )، أو لأني استمرئ مضغ لحوم الناس ، أو أتفكه باغتيابهم . فإني أستعيذ بالله من حصائد اللسان وإطلاقه

بالوقيعة والذم وهو عليم بأني أريد بجمعة القلب والفكر أن أستقرئ دقائق النفس البشرية وأستجلي غوامضها  وأحاول أن أتفهم صعابها وخصائصها وأحيط بشاذها ومقيسها وأرجع كل ما يبدو من مركب النقص والتعقيد  فيها إلي أصوله ، رجاء أن أظفر بتهذيب هذه النفس التي  بين الجوانح بعد أن أفدت من دراسة النفس البشرية  علما ونظرا

وأنا لا أومن بأن العمل يجب أن يكون ضربا من ضروب اللهو ، بل إني لآومن إيمانا جازما بأن الشعور بإنجاز العمل ، والكد لإتمامه ، وامتزاجهما باللذة والفائدة ، يصيران مشقتهما راحة وهناء لا مثيل لها ، ولذلك أشفق على الناس الذين لا يعملون ولا يكدون .

وأنا أومن بأن من أهم الشئون التي لا نرصد لها أعظم جهودنا وقوانا كشعب ناهض في الحياة هي الشئون الآتية : - تحسين الصحة العامة ، وإصلاح حالة الفلاح المصري الصحية أولا ثم الاقتصادية ، وتوفر أولى الشأن على تيسير كل ذريعة صحية للذراري المقبلة ، لينشأ لنا جيل قوي صحيح البدن

نشر مراكز الوقاية من الأدواء الوبيلة التي يمكن منعها ، مثل التدرن والالتهاب الرئوي والزهري .

محاربة الأمراض التي لا يزال علاجها معضلا

كالسرطان والشلل في الأطفال والاضطرابات العقلية وأومن بأنه يجب علينا كشعب أن يبدي السخط على كل بادرة من بوادر الخيانة والغدر والغش ، ونقاومها ونمحقها .

وأنا عادة لا أومن بالتأديب بالجلد ، ولكنني أنصح بممارستها لمعاقبة ذلكم المجرمين الذين يصيبون جناية القسوة في الأطفال .

وأنا أدين بالإيمان وأتمسك بعراه المتمددة ، أتمسك بعري الإيمان الديني الذي يدعوني إلي مراقبة أوامر الله تعالى ، وأتمسك بعري الإيمان الدنيوي الذي يفيض ثقة بإخوتي البشر ، ويبعثني على أداء حقوقهم ، لأنه الإيمان الذي يؤكد لي أن جذوة الخير كامنة في الشر ، ولأنه الإيمان الذي أشارك فيه عمانوئيل كنت القائل : إن أبدع شيئين في العالم هما السموات المرصعة بالنجوم في الليل ، والإحساس بالواجب في النفس الإنسانية.

وأنا أومن بأن الحرب هي إفلاح الكبر القاسية الهوجاء التي تهدد الحضارة ، ولكني لاأومن بأننا نستطيع القضاء عليها بالاحتجاج والضجيج على أصحاب معتملات المهمات الحربية ، أو بحض شباب العالم أجمع على كراهيتها ، بل يجب منعها وهي بعد جرثومة متأصلة في بذور التحامل والتحزب والتعصب الجنسي . وأنا أومن بأن نساء العالم

هن اللواتي يستطعن القضاء علي تلك الجرثومة .

اشترك في نشرتنا البريدية