الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 121الرجوع إلى "الثقافة"

عيد الفصح وشم النسيم

Share

عيد الربيع :

درجت الأمم القديمة على إحياء عيد الربيع ، تخرج القوم إلى المزارع والحدائق ، لينعموا بمناهج الطبيعة التي يضفيها على الكون هذا العيد ؛ واحتفل به المصريون والرومانيون والجرمانيون في يوم الاعتدال الربيعي أو حواليه ، واحتفل به البابليون والأشوريون واليهود في يوم البدر الذى يحل في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرة ؟ وكان لهذا العيد عند المربيين شاره وقيمته ، إذ يستنشقون فيه النسيم العليل ، الذي يحلو ويطيب في هذا الوقت من السنة ، حيث يعقب عواصف الشتاء ، ويسبق هبوب المحامين : ولا عجب إذا ما أطلقوا عليه فيا بعد اسم عيد شم النسيم.

ويكون عيد الربيع هو عيد شم النسيم عند المصريين، وعيد القمر عند الرومانيين ، وعيد إستر إلاهة الربيع هند الجرمانيين، وعيد ذبح الحروف عند البابليين والأشوريين ، وعيد الفصح عند اليهود ؛ وتكون أعياد ثم القسيم والقمر وإستر نسبق أعياد ذبح الخروف والفصح . ولا اعتنق القوم المسيحية احتفل العربون والرومانيون والجرمانيون بعيد القيامة ، الذى يتفق مع عيد الفصح أو ينقيه ، واستمروا في الاحتفال بعيدهم القديم ؛ ولما كان الاحتفال بهذا العيد يمت بصلة الوثنية، ويتنافى مع المسيحية ، فقد يحثوا في مراجعهم الدينية ، حتى عثروا على ما يمكنهم من صبغ هذا العيد بالصبقة المسيحية، فاعتبروه اليوم الذى بدأت فيه الخليقة ، واليوم الذي بشر فيه جبريل العذراء بحملها المسيح ، واليوم الذى

تقوم فيه القيامة ويحشر الخلق ، وبذلك استمروا في الاحتفال به ، قومياً باعتباره عيد الربيع، ودينياً باعتباره عيد البشارة ، ومزجوا بين التقاليد القومية والأدعية الدينية ! ولما نقل ديمتريوس (۱۸۸) - ٢٣٤م) الصوم الكبير من عقب الغطاس مباشرة ، إلى ما قبل عيد القيامة مباشرة ، وأدمج في هذا الصوم صوم أسبوع الآلام، وهم ذلك أيام مجمع نيقية (٣٢٥) ، أصبح عيد الربيع يقع في أيام الصوم، إن لم يكن في أسبوع الآلام : وبذلك حرم على القوم أن يحتفلوا بهذا العيد كما كانوا يحتفلون به، فلا تكون لهم الحرية في الأكل والشرب . ولا الحرية في الابتهاج والمرح ، وعن عليهم أن يتركوا ما درجوا عليه، ولذلك جملوا هذا العيد عيدين : عيد البشارة حيث يحتفل به دينياً في موضعه ، وعيد الربيع حيث ينقل بعد عيد القيامة ، ليكونوا أحراراً في الاحتفال به ، كما كان يحتفل به قدماً ؛ وبذلك نقل الأقباط عيد شم النسيم من موضعه ، ليحل بعد عيد القيامة مباشرة ، ونقل الجرمانيون عيد الربيع ليحل فى أول شهر مايو .

عيد الفصح :

خرج اليهود من مصر، وكرهوا المصريين لهذا الخروج : فأهملوا الاحتفال بعيد الربيع المصرى ، وامتنعوا من اتباع التقويم المصرى ، وتركوا الشهور المصرية، واحتفلوا بعيد الربيع البابلي ، واتبعوا التقويم البايلي ، وأخذوا الشهور البابلية ، ولا كان خروجهم من مصر في عيد الربيع ، فقد احتفلوا به على الطريقة البابلية شكراً لله الذى نجاهم من فرعون وجنوده ؟ وأطلقوا عليه اسم عيد بساح ، ونقل إلى العربية باسم عيد الفصح(1)

واستمروا يحتفلون به في يوم البدر الذي يحل في الاعتدال الربيعي ، أو يعقبه مباشرة ؛ ولا ظهر المسيح احتفل وقومه بعيد الفصح ، وتآمر اليهود على صلبه في يوم الجمعة ٧ أبريل سنة ٣٠م ، وهو اليوم الذى يعقب عيد الفصح مباشرة ، واعتقد المسيحيون أنه صاب فى هذا اليوم، وأنه قام من بين الأموات بعد العاب في يوم الأحد التالي . ولما كان من عادة القوم ألا يعنوا بعيد الميلاد، وإنما يعنون بذكرى الوفاة ، فقد رأت بعض طوائفهم أن تحتفل بذكرى الصلب في يوم الفصح (1)، ورأت طوائف أخرى أن الأولى أن يحتفل باليوم الذى قام فيه المسيح من بين الأموات بعد الصلب ، أي يحتفل بيوم الأحد الذى يعقب عيد الفصح مباشرة ، وسارت كل من هذه الطوائف وفق رأيها ؛ وبذلك أصبحت الطوائف الأولى تنتهج وتفرح في عيد الفصح ، بينما تكون الطوائف الأخرى ما زالت حزينة وصالحة صوم أسبوع الآلام، سواء كان هذا الصوم مستقلاً عن الصوم الكبير ، أو مندمجا فيه : وظل الحال على هذا المنوال ، حتى رأى قسطنطين الأكبر أن ينهي هذا الخلاف ، قدما الأساقفة إلى الاجتماع في نيقية من أعمال الأناضول في سنة ٣٢٥م ، وعرض عليهم الأمر، فقرروا توحيد هذا العيد ، ليحتفل به المسيحيون في جميع أنحاء المعمورة فى نفس الميعاد، وأن يكون في أول أحد بعد أول بدر يقع في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرة ؛ وحسب الاعتدال الربيعي وقتذاك، فكان بناء على حسابهم فى ٢١ مارس (٢٥) برمهات) ، وأصبح عيد القيامة في أول أحد بعد أول بدر بعد ٢٠ مارس (٢٤) برمهات) ، وأطلق عليه اسم عيد الفصح المسيحى تمييزاً له من عيد الفصح اليهودي : أنا

الجرمانيون فما لبثوا أن أطلقوا عليه اسم عيد استر (۱)) كما كان يطلق على عيد الربيع قبل المسيحية

التأريخ الميلادي :

احتفل القوم بعيد الفصح كما قرره مجمع نيقية ، ولكنهم اختلفوا في طريقة حساب هذا العيد ، وكان الاختلاف منصباً على الدورة القمرية ، التي اختلفت باختلاف الطوائف، حتى تغليت فى النهاية دورة ميتن Meton التي تنص على أن كل ٢٣٥ شهراً قمرياً تساوى ١٩ سنة شمسية ، وقام المسيحيون بحساب يوم البدر تبعاً لهذه الدورة، وفي القرن الثالث الشهداء القرن السادس (الميلادى) رأى ديونيسيوس Dionysius Exiguus أن يعمم دورة ميتين ، فلا تكون مقصورة على تعيين يوم الشهر الشمسى الذى يوافق يوم البدر ، بل تعين أيضاً يوم  الأسبوع : ولذلك قرر الدورة الديونيسيوسية وقدرها ٥٣٢ سنة شمسية ) ، ورأى أن تبدأ هذه الدورة من سنة ميلاد المسيح، وسى إلى تعيين هذه السنة، فوجد أن المسيح ولد فى السنة الثامنة والعشرين من حكم أغسطس، وظن أن أغسطس بدأ حكمه سنة ٧٢٧ رومانية ؟ ولذلك اعتبر سنة ٧٥٤ رومانية السنة الأولى المسيح (AD= Anno Domini) ، وبدأ دورته من هذة

السنة ؛ واستمر القوم في الاحتفال بعيد الفصح تبعاً لهذه الدورة ، حتى التعديل الجريجوري ، واتبعوا التاريخ الذى اقترحه ، فيما يختص بالشئون الكنسية ، وأطلق عليه التاريخ الميلادي، ولم يستعمل في غير الشئون الكنسية إلا في القرن الثامن (1)

عيد الفصح بعد التعديل الجريجوري :

لحظ في القرن السادس عشر الميلادي أن الاعتدال الربيعي بكر عشرة أيام ، ولذلك قام جريجوري بإصلاح هذا الخطأ ، ونقد إصلاحه في سنة ١٥٨٢ م ، ووجد أيضاً أن دورة ميتن ليست صحيحة ، لأن ٢٣٥ شهراً قمرياً لا تساوى ١٩ سنة شمسية ، وقام الجريجوريون بتعديل هذه الدورة ، وعدل عيد الفصح تبعاً لذلك ؛ وتمسكت بعض الطوائف بالتقويم اليولياني وبدورة ميتن ، ورفضت الإصلاح من جهتيه ، وأصبح عيد الفصح عند الجريجوربين مختلفاً عنه عند اليوليانيين ؛ وقد تقلب التعديل الجريجورى وثبت أقدامه ، واتهمه الجميع ما عدا أقباط مصر ؛ فما زالوا متمسكين بالقديم : وما زالوا يعتبرون الاعتدال الربيعي في ٢٥ برمهات ، الذي يوافق في القرن الحالى ٣ أبريل ، وما زالوا يحسبون يوم البدر من دورة ميتن . وإن قلت لهم : إن الاعتدال الربيعي يحل فى ٢١ مارس وليس في ٣ أبريل ، وإن البدر الذي يحصل عليه من دورة ميتن ليس هو البدر الحقيق، ولا قريباً من البدر الحقيق ؟ قال بعض كتابهم بتغزية الديانة المسيحية من الأمور الفلكية ، وبذلك اختلف عيد الفصح عند الغربيين عنه عند الأقباط

واصبح عبد الفصح عند الغربيين هو أول احد بعد

البدر الفصحى ، والبدر الفصحي هو أول بدر حسابي يقع بعد ۲۰ مارس ، وقد يتفق مع البدر الحقيقى ، وقد يختلف عنه بيوم أو يومين .

وأصبح عيد الفصح عند الأقباط هو أول أحد بعد البدر القبطى ، والبدر القبطى فى القرن الحالى محل بعد البدو الفصحى بأربعة وثلاثين يوماً إن حل البدر الفصحى قبل ۳۰ مارس ، ويحل بعد البدر الفصحى بأربعة أيام إن حل البدر الفصحى بعد ٢٩ مارس .

ولا يتفق عيد الفصح الغربي والقبطى في القرن الحالي إلا إذا تحقق الشرطان الآتيان معاً : (۱) إذا حل البدر الفصحى بعد ۲۹ مارس . (۲) إذا وافق البدر الفصحى يوم الاثنين أو يوم الثلاثاء .

فمن الشرط الأول يحل البدر القبطى بعد ٢ أبريل ، أى يحل في الاعتدال الربيعي القبطى أو يعقبه مباشرة ؛ ومن الشرط الثاني يوافق البدر القبطى يوم الجمعة أو يوم السبت ؛ ويكون أول أحد بعد البدر الفصحى هو أول أحد بعد البدر القبطى ؛ وبذلك يتفق الميدان كما حدث في سنة ١٩٣٩ .

حساب عيد الفصح وشم النسيم فى القرن الحالي :

(۱) اقسم السنة بالتأريخ الميلادي على ١٩ ، وليكن باقي القسمة أ . (۲) اقسم (19+24) علی30، وليكن باقي القسمة ب .

(۳) فيكون البدر الفصحى في (۲۱+ب) من مارس (٤) ويكون عيد الفصح الغربي هو أول أحد بعد هذا البدر (1)

(٥) وإن حل البدر الفصحى قبل ۳۰ مارس ، حل البدر القبطى بعد ٣٤ يوماً ؛ وإن جل البدر الفصحى بعد ٢٩ مارس ، حل البدر القبطى بعد 4 أيام (٦) ويكون عيد الفصح القبطى هو أول أحد بعد البدر القبطى ، وتم القسيم في يوم الاثنين التالى .

مثال ٢ - سن 1940 :

(۱) باقي قسمة ١٩٤٠ على ۱۹ هو ٣ . (۲) باقى قسمة (19*2+24) على ٣٠ هو ٢ (۳) .. يوم البدر الفصحى في (۲+۲۱) مارس أى ۲۳ مارس ، وهو يوم السبت (٤) ... عيد الفصح الغربي في يوم الأحد ٢٤ مارس . (٥) .. يوم البدر القبطى في (٣٤+٢٣) مارس ، أى ٢٦ أبريل ، وهو يوم الجمعة (٦) . عيد الفصح القبطى في يوم الأحد ٢٨ أبريل ، وشم النسيم في يوم الاثنين ٢٩ منه .

مثال ٢ - سنة ١٩٤١ :

(۱) باقي قسمة ١٩٤١ على ١٩ هو ٣ . (۲) باقي قسمة (19*3+24) على ٣٠ هو ٢١ . (۳) .. يوم البدر الفصحى في (21+21) مارس أى ١١ أبريل ، وهو يوم الجمعة. (1) .. عيد الفصح الغربي في يوم الأحد ١٣ أبريل. (٥) .. يوم البدر القبطى في (١١+٤) أبريل ، أي ١٥ أبريل ، وهو يوم الثلاثاء (1) : عيد النصح القبطى في يوم الأحد ٢٠ أبريل وشم النسيم في يوم الاثنين ٢١ منه . ويرى مما تقدم أن المصريين القدماء احتفلوا بعيد شم النسيم في الاعتدال الربيعي ، عقب عواصف الشتاء ،

وقبل هبوب الخماسين ، ونقله الأقباط إلى اليوم التالي لعيد الفصح ، وتمسكوا بالسنة اليوليانية ؛ وبذلك بتأخر الاعتدال الربيعي القبطى من الاعتدال الربيعي الحقيق على من القرون ؛ وقد بلغ تأخره في القرن الحالي ١٣ يوما ، فأصبح في ٣ أبريل ؟ وتمسكوا أيضاً بدورة ميتن مع السنة اليوليانية ، وبذلك يتأخر البدر القبطى من البدر الفصحى على مر القرون ؛ وقد بلغ تأخره في القرن الحالي أيام أو ٣٤ يوما. فالاعتدال الربيعي القبطى بتأخر، والبدر القبطى يتأخر ، وشم النسيم تبعاً لذلك يتأخر وما لم يتداركه المصلحون ، فسوف يحتفل بشم النسيم على من الأجيال الطويلة في الصيف اللاذع.

ويرى أيضاً أن مجمع نيقية قرر ألا يحتفل بعيد الفصح في يوم البدر ، بل يحتفل به فى أول أحد بعد هذا البدر ؟ واعتمد المسيحيون في تعيين البدر على الحساب والحساب فقط ، ولم يكن للرؤية والرصد قيمة في هذا الموضوع : وكان من نتيجة ذلك أن احتفلوا بعيد الفصح في يوم البدر التحقيق في بعض السنين مثل سنة ١٩٢٣ و سنة ١٩٢٧ / وإن لم يتغير هذا النظام فسوف يحتفلون بعيد الفصح في يوم البدر في بعض السنين مثل سنة ۱۹۸۱ ؛ وذلك لأن أول أحد بعد البدر الفصحى في السنين الذكورة وافق يوم البدر الحقيق ؛ ومن هنا يمكننا أن نفهم الحكمة التي حدت ببغاء الاسلام إلى النص على ضرورة رؤية الهلال لاثبات شهر رمضان ، لأنه لو اكتفى المسلمون في صدر الاسلام بالحساب والحساب فقط ، لأهملت الرؤية ، واصمنا شهر رمضان في بعض السنين في غير موضعه المقرر ، كما حدث ويحدث فى عيد الفصح عند المسيحيين ، فضلا عن أن رؤية الهلال من أبسط الأمور وأسهلها هند البدوى في جوف الصحراء .

اشترك في نشرتنا البريدية