هذا لك فاتِن الورقات غض ... يرف نضارة ويميس ليناً1
تدنى للمياه كأن ثغراً ... يقبل أو يهمّ بأن يبينا2
فقولي، إن بي شجناً شبيهاً ... بأي هوى قديم تهمسينا
وما ألقى إليك الماء سمعاً ... يبادلك الحنان ولا جفونا
تتابع غير مكترث وولى ... وجفنك مظهر ألماً دفينا
إذا وهب الندى أجراه دمعاً ... شجياً في تسلسله سخيناً
فإن هبَّ النسيمُ معطرات ... غلائله يمسن ويزدهينا
ومسَّكِ لهفةً وحنا غراماً ... وأن بكل ناحيةٍ أنينا
ورقرق في غدائرك النشاوي ... مع الهمسات عطر الياسمينا
رعشت للمسه ولويت عطفاً ... وعدت إلى نهيرك تهمسينا
فواها للحياة تُعَذَّبينا ... بحب خائب وتُعذِبينا
وما أشقى المحبين الحيارى ... إذا نكبوا بحب المعرضينا
وقفت إلى جوارك نضوَ همٍ ... غريب الدار أبكي الغائبينا
ترفرف ثمَّ أطيار حيارى ... ملأن الجو ترجيعاً حزينا
تطالعني الزوارق سابحات ... قبيل الأفق تملأه فتونا
يرف بكل سابحة شراع ... رفيق الخفق يستهوي العيونا
كأن السابحات إذا تلاقت ... حمائمُ قد هبطن ليستقينا
فإن لعبت بها النسمات حيناً ... وشتت شملها التيار حينا
تمثل لي شيوخٌ (في مسوح ... طوال الردن بيض) راكعينا
وقد رفعوا أكفهم دعاءً ... وقد غضوا النواظر خاشعينا
أبنتَ الماءِ ما أوفى بناتٍ ... بضفته، وما أوفى البنينا
علوتِ وما شمخت عليه كبرا ... فعدت إليه تقضين الديونا
حنوت على وسادته مسجى ... وحيداً لا مهدهدَ أو معينا
لمست جبينه الساجي فأصغى ... وأشرق وجنةً ورنا عيونا
فهل يرعى حقوق أب نبات ... وينساهن بعض العاقلينا
إذا بلغوا رجولتهم وشبوا ... تغاضوا عن حقوق الوالدينا
غرام. . .
(أحبك حبين: حب الهوى) ... وحباً لأنك لم تخضعين
تزيدين سحراً بطول الدلال ... كماء تعايا على الظامئين
غزوت القلوب فما قاومت ... ولكن قلبك حصن حصين
أهاجمه في صيال ملح ... وأحميه من كل واش ظنين
وإني القنيص الذي تعرفين ... وإني المحب الذي تجهلين1
عفيف الخلال وإن شتمني ... عنيف النضال كنسر طعين
جمال الرجولة أن تستبدَّ ... وسحرُ الأنوثة أن تستكين
وما هو ظن ولكنه ... يقين الجدود وإرث القرون
تجاريب آدم في خاطري ... فيا بنت حواء من تخدعين؟
لبست الدلالَ ولاقيتني ... لكي تستزيدي عُرامَ الحنين
فتمشي إلى الحب مأسورة ... يثور هواك ويعنو الجبين
وما أعذبَ القنص بعد الصيال ... وأحلى اللقا بعد صبر السنين
غرامي طوفان شوق عنيفٍ ... فلا تسخري فتظني الظنون
طحت بابن نوحٍ وأودت به ... شكوكٌ تمشت بنور اليقين
وقال سآوي إلى قمةٍ ... فضلَّ وكان من المغرقين
فإن أكُ داءً فإني الدواء ... وإن أكُ ماءً فإني السفين
وإلا فما لك من عاصمٍ ... ولا مهربٍ من سمائي الهتون
(الإسكندرية)
