- ١ -
تعالي يا عروسي الخلوب
تعالي. . . يا سيدة بردى المعطر وابنة قاسيون الجميل. . .
اسمعي أيتها الغوطة المفتان. . .
لقد جئتك مسرعاً ولهان، وباسماً فرحان. . .
خرجت من الغيوم البيض كالعذارى، فخفقت في الفضاء،
ورتعت في الهواء، وطوفت في الأرض، ثم أويت إلى أحضانك
الريا. . . يا غوطة الشآم. . .!
لقد حملتُ إليك كل ما تشتهين. . .
لك الزهر. . . لتحليك بسماته
ولك النحل. . . لتطربك همساته
ولك العطر. . . لتسكرك نفحاته
فتعالي. . . جعلك لك الخلود، وحملت إليك الجمال، وأوتيت
إلى أحضانك من بين الغيوم. . .!
- ٢ -
اسمعي. . . اسمعي. . .
سأجعلك فتنة النظر. . .
سأحييك بالنور والجمال، وأجعلك مغنى الحب ومرتع الخيال،
وأوشي جنباتك الزهر بالأفياء والظلال، وأحلى أعطافك الخضر
بلآلئ الغمام. . . الغمام الذي أذيته لك لؤلؤاً يبسم ويرف. . .!
فانظري إلي. . .
أنا الربيع الجميل. . .
إليك أويت يا غوطة الشآم. . .!
- ٣ -
ما لربوعك صامتة لا تبين. . .؟
أأحزنها خفوق المجد، وزوال النعيم. . .؟ أم شجاها تولى
الصحب وفقد الحبيب. . .؟
اسمعي همسي. . . ولا تحزني. . .
لقد شهدت مواكب الملوك العظام. . . وفتحت أحضانك
للمحبين والهيام. . . وسمعت أحاديث المجد يرويها آل غسان. . .
ثم استقبلت الفاتحين والغزاة، وبسمت للطارئين والبداة. . .
فرتعوا في المغاني، وهوموا في الرباع، ثم. . . ثم غبيتهم على حفافي
نهرك، وكفنتهم بوردك وزهرك، بين العشب والنعناع. . .
إلا تحسين. . . إلا تحسين. . .
وتحتك عظام تئن، وأطلال تنام! عظام أو الملوك الغطاريف
الرافلين بالحرير، الغارقين في النعيم، اللاهين في الحنايا والقصور.
وأين القصور يا غوطة الشام؟ أين أغاني الوليد وأهازيجه. . .
أين سكرات يزيد وصبواته. . . أين ترانيم المجد وأغاريده؟. . .
أين. . . أين. . .؟
اقدر لتلك الدماء التي شربتها أن تصبح زهرات حمراء،
ولتلك الرفات التي طويتها أن تنقلب أعاشيب خضراء؟. . .
فاضحكي يا عروسي. . .
لقد مضوا كلهم وبقيت أنت. . . وسيمضي غيرهم وتبقين:
اضحكي لعيني الحلوتين. . . أنا الربيع. . . فلقد حملت إليك
النور. . . وأتيت من أجلاك من بين الغيوم. . .!
- ٤ -
أيامي قصيرة في الأرض يا عروسي. . .
تمر كومضة البرق، وبسمة الأمل، وقبلة الحبيب الراحل. . .
فافتحي لي أحضانك. . . وسأنثر قلبي في جنباتك. . .
وأروي من دمي أكنافك. . .
يا من في أحضانك نثرت قلوب. . . وبين ذراعيك جادت
نفوس، وعلى شفتيك أهرقت دماء. . .
وكان للمجد في صدرك تاريخ، وللنور في فضائك عيد،
وللحب في محانيك تغريد، وللأغاني في سمائك ترديد. . .
فابسمي لعيني الحلوتين. . . يا عروس الشآم فلقد ولدتني
الغيوم البيض كالعذارى. . . فجئت أحمل لك الحياة والنور!
- ٥ -
واسمعوا أيضاً. . . اسمعوا. . .!
أنتم أيها الفنانون
يا من تبعدون الجمال وتقدسون النور. . .
تعالوا إلى غوطة الشآم. . .
انظروا لجمال الفيتان؛ والدلال النشوان، والتبرج والفتون!
واسمعوا غماغم الهوى المعسول، وتأوهات الزهر المسحور
وتمتعوا بالربيع النديان غافياً على ركبتي العروس. . . ينفث
الرحيق، وينشر الأريج، ويداعيها بالقبل، ويسكب بين يديها
الدموع. . . فنبت عند كل قبلة زهرة. . . ويتفجر عند كل
دمعة ينبوع. . .
تعالوا. . . وانظروا ميلاد الشعر والحب. . .
أقبلوا. . . وارنوا إلى هداياي. . .
زهور سمت نجوم السماء
وعطور فاقت أفاويه الهنود. . .
ومياه رقيقة كنجوى المحبين
ولكن. . . لا. . . ما العطور، وما الزهور. . .
لقد وهت لها الحياة، الحياة، والجمال والنور
- ٦ -
بشرك يا غوطة الشآم. . .
إلى أحضانك جئت من الغمام. . .
أنا الربيع الجميل
أنا الذي أدغدغ النهود فتثب، وأشعل الخدود فتلتهب،
وأغرق الألحاظ بالسحر والفتون. . . وأهز القدود بسكر
الشباب، وأغمر القلوب بالحب والحنان. . .
أنا الربيع. . .
أنا ضحكات الشفاه، وخفقان القلوب، وغمز العيون. . .
أنا رنين القبلات، واختلاج القسمات، وأحلام العذارى،
وهمس الأحباب. . .
أنا. . . أنا نصوع الزهر، وسطوع العطر. . .
أنا الحب، أنا الجمال. . .
مررت على الجنان. . . واصطفيت أبدع الألوان، وجئت
إلى أحضانك مسرعاً عجلان. . .
فابسمي. . . واضحكي. . .
فلقد ولدتني الغيوم البيض كالعذارى،
فجئتك أحمل لك الحياة الحياة، والنور. . . والجمال. . .!
(دمشق)
