الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 406الرجوع إلى "الرسالة"

غماغم الربيع

Share

-  ١ -

تعالي يا عروسي الخلوب

تعالي. . . يا سيدة بردى المعطر وابنة قاسيون الجميل. . .

اسمعي أيتها الغوطة المفتان. . .

لقد جئتك مسرعاً ولهان، وباسماً فرحان. . .

خرجت من الغيوم البيض كالعذارى، فخفقت في الفضاء،

ورتعت في الهواء، وطوفت في الأرض، ثم أويت إلى أحضانك

الريا. . . يا غوطة الشآم. . .!

لقد حملتُ إليك كل ما تشتهين. . .

لك الزهر. . . لتحليك بسماته

ولك النحل. . . لتطربك همساته

ولك العطر. . . لتسكرك نفحاته

فتعالي. . . جعلك لك الخلود، وحملت إليك الجمال، وأوتيت

إلى أحضانك من بين الغيوم. . .!

-  ٢ -

اسمعي. . . اسمعي. . .

سأجعلك فتنة النظر. . .

سأحييك بالنور والجمال، وأجعلك مغنى الحب ومرتع الخيال،

وأوشي جنباتك الزهر بالأفياء والظلال، وأحلى أعطافك الخضر

بلآلئ الغمام. . . الغمام الذي أذيته لك لؤلؤاً يبسم ويرف. . .!

فانظري إلي. . .

أنا الربيع الجميل. . .

إليك أويت يا غوطة الشآم. . .!

-  ٣ -

ما لربوعك صامتة لا تبين. . .؟

أأحزنها خفوق المجد، وزوال النعيم. . .؟ أم شجاها تولى

الصحب وفقد الحبيب. . .؟

اسمعي همسي. . . ولا تحزني. . .

لقد شهدت مواكب الملوك العظام. . . وفتحت أحضانك

للمحبين والهيام. . . وسمعت أحاديث المجد يرويها آل غسان. . .

ثم استقبلت الفاتحين والغزاة، وبسمت للطارئين والبداة. . .

فرتعوا في المغاني، وهوموا في الرباع، ثم. . . ثم غبيتهم على حفافي

نهرك، وكفنتهم بوردك وزهرك، بين العشب والنعناع. . .

إلا تحسين. . . إلا تحسين. . .

وتحتك عظام تئن، وأطلال تنام! عظام أو الملوك الغطاريف

الرافلين بالحرير، الغارقين في النعيم، اللاهين في الحنايا والقصور.

وأين القصور يا غوطة الشام؟ أين أغاني الوليد وأهازيجه. . .

أين سكرات يزيد وصبواته. . . أين ترانيم المجد وأغاريده؟. . .

أين. . . أين. . .؟

اقدر لتلك الدماء التي شربتها أن تصبح زهرات حمراء،

ولتلك الرفات التي طويتها أن تنقلب أعاشيب خضراء؟. . .

فاضحكي يا عروسي. . .

لقد مضوا كلهم وبقيت أنت. . . وسيمضي غيرهم وتبقين:

اضحكي لعيني الحلوتين. . . أنا الربيع. . . فلقد حملت إليك

النور. . . وأتيت من أجلاك من بين الغيوم. . .!

-  ٤ -

أيامي قصيرة في الأرض يا عروسي. . .

تمر كومضة البرق، وبسمة الأمل، وقبلة الحبيب الراحل. . .

فافتحي لي أحضانك. . . وسأنثر قلبي في جنباتك. . .

وأروي من دمي أكنافك. . .

يا من في أحضانك نثرت قلوب. . . وبين ذراعيك جادت

نفوس، وعلى شفتيك أهرقت دماء. . .

وكان للمجد في صدرك تاريخ، وللنور في فضائك عيد،

وللحب في محانيك تغريد، وللأغاني في سمائك ترديد. . .

فابسمي لعيني الحلوتين. . . يا عروس الشآم فلقد ولدتني

الغيوم البيض كالعذارى. . . فجئت أحمل لك الحياة والنور!

-  ٥ -

واسمعوا أيضاً. . . اسمعوا. . .!

أنتم أيها الفنانون

يا من تبعدون الجمال وتقدسون النور. . .

تعالوا إلى غوطة الشآم. . .

انظروا لجمال الفيتان؛ والدلال النشوان، والتبرج والفتون!

واسمعوا غماغم الهوى المعسول، وتأوهات الزهر المسحور

وتمتعوا بالربيع النديان غافياً على ركبتي العروس. . . ينفث

الرحيق، وينشر الأريج، ويداعيها بالقبل، ويسكب بين يديها

الدموع. . . فنبت عند كل قبلة زهرة. . . ويتفجر عند كل

دمعة ينبوع. . .

تعالوا. . . وانظروا ميلاد الشعر والحب. . .

أقبلوا. . . وارنوا إلى هداياي. . .

              زهور سمت نجوم السماء

              وعطور فاقت أفاويه الهنود. . .

             ومياه رقيقة كنجوى المحبين

ولكن. . . لا. . . ما العطور، وما الزهور. . .

لقد وهت لها الحياة، الحياة، والجمال والنور

-  ٦ -

بشرك يا غوطة الشآم. . .

إلى أحضانك جئت من الغمام. . .

أنا الربيع الجميل

أنا الذي أدغدغ النهود فتثب، وأشعل الخدود فتلتهب،

وأغرق الألحاظ بالسحر والفتون. . . وأهز القدود بسكر

الشباب، وأغمر القلوب بالحب والحنان. . .

أنا الربيع. . .

أنا ضحكات الشفاه، وخفقان القلوب، وغمز العيون. . .

أنا رنين القبلات، واختلاج القسمات، وأحلام العذارى،

وهمس الأحباب. . .

أنا. . . أنا نصوع الزهر، وسطوع العطر. . .

أنا الحب، أنا الجمال. . .

مررت على الجنان. . . واصطفيت أبدع الألوان، وجئت

إلى أحضانك مسرعاً عجلان. . .

فابسمي. . . واضحكي. . .

فلقد ولدتني الغيوم البيض كالعذارى،

فجئتك أحمل لك الحياة الحياة، والنور. . . والجمال. . .!

(دمشق)

اشترك في نشرتنا البريدية