آثرنا ترجمة بعض مقاطع لشوبنهاور ونيتشه، لأن أسلوبهما الفلسفي تغلب عليه الصبغة الأدبية والشعرية في كثير من خطراتهما ونظراتهما (خ. هـ)
صفحة من آثار شوبنهاور
(كيف تنعكس صورة العالم الخارجي في عقولنا) مقطوعة صغيرة وضعها الفيلسوف على لسان جني يميط لنا اللثام عن سر الأشياء
أمامي شيئان، شيئان ثقيلان منتظمان، ما أجمل النظر إليهما! أحدهما إناء من حجر ثمين مُحلى بعروتين من ذهب، والآخر جسد تام الخلق والمفاصل، هو جسد إنسان، فبعد أن تأملت ظاهرهما كثيراً استأذنت من الجني أن يسمح لي بتأمل باطنهما، فأذن لي فدخلت في الإناء، فلا أدري أية ميول قائمة تتمشى في أجزائه تحت اسم الالتحام والالتئام
أما الشيء الثاني ويا للغرابة! أني لي أن أحدث بما رأيت، فأساطير الجن يمسي كل ما فيها أخاً للحقيقة، ففي ذروته العليا ألفيتُ ما يُدعى (رأساً) مظهره الخارجي كمثل كل مظهر، وهو كغيره من الأشياء يسبح في الفضاء ثقيلاً. ماذا وجدت؟ وجدت الكون نفسه مع سعة الفضاء. وجدته يحتوي على كل شيء، فيه سعة الزمان، وفيه يتحرك كل شيء، وخلتُني مع
هذا التحول العجيب للأشياء في الزمان والفضاء، إنني في ذهاب وإياب!. . .
- ٢ - مقطوعة من كتابه (العالم هو إرادة وتمثيل) قد لا يدخل في دائرة الصدق قولنا: إن الحياة ظاهرها وباطنها صماء مظلمة، هكذا تجري حياة أكثر الناس، طافحة بالقلق والميول النافرة، تمشى في صدر الإنسان حائرة مترجرجة، وصاحبها مستسلم للأحلام بين جدرانها الأربعة حتى يقضي نحبه، ما أشبه الناس بالساعات التي رُبطت آلاتها فمشت لا تعلم سبب مشيتها وغابة دورتها، وفي كل مرة يولد إنسان تدور الساعة لتعيد - كرة ثانية وثالثة - دورها القديم، مرددة نفس الجملة وذات المقطع بتبدل قليل لا يكاد يُحس
كل وجه بشري، وكل حياة بشرية حلم فانٍ مستمد من روح الطبيعة التي لا نهاية لها، ومن إرادة الحياة العتيدة الثابتة , هي كالثورة أو الخيالة تمر سريعاً، لا ترسمها الحياة على الشاطئاللانهائي للزمان والفضاء، ولكن تتركها لحظة أو لحظتين تنعم بهذه الإقامة القصيرة، ثم تمحو رسومها، وتذهب بألوانها، مفسحة لغيرها مكانها؛ هذا هو الجانب الذي يبعث على التفكر والتأمل. . . يجب على إرداة الحياة القاسية أن تكافئ كل صورة من هذه الصور الصافية وكل أمنية من هذه الأماني الذاوية، جزاء ما تحملته من آلام عميقة وأوجاع مضنية، وذعر متكرر من الموت الذي تفر النفوس منه إليه
إن ما يجعل النساء اكثر صبراً من الرجال على الاعتناء بشؤون أطفالنا، هو أنهن يظللن أطفالاً ضيقات العقول، ويلبثن - طيلة حياتهن - أطفالاً كباراً، لا هن إلى الأطفال، ولا هن إلى الرجال
لنلاحظ فتاة غانية تلعب وتمرح - سحابة نهارها - مع طفل صغير، ترقص أمامه وتغني معه، ولنتمثل أي رجل شديد القسوة على إرادته يستطيع أن يضع صنعها، ويقوم بدورها
في عصرنا هذا تقع عيوننا على كتاب يتخذون الكتابة مهنة، أما قبل هذا العصر فقد كان الكتاب من ذوي الالهام، ولم يكونوا تجاراً، فلبثوا خالدين، ولبثت مقالاتهم ومواعظهم خالدة كالدهر
