وهذا مثل جيد ضربه الأستاذ الزيات لاختلاف عامة المسلمين على بعض أحكام الفقه الإسلامي والسنة النبوية، وبغي بعضهم على بعض في ذلك، وتركهم الأصول الإسلامية التي ترفع المسلم إنسانية فوق إنسانية، وتمحِّصه من الجهل والضعف والفساد والذلة. وكيف يختلف علماء المسلمين على فروع من دينهم ويدعون الأصل لا ينفذ نوره إلى قلوب هذه الملايين من المسلمين، فيطهر أدرانها ويزيل غشاوة العمى التي ضرب عليهم أسدادها.
وضرب الله مثلاً فقال: (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على العالمين.
وآتيناهم بينات من الأمر، فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ثم جعلناك على شريعة من الأمر، فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) .
فقد بين الله سبحانه أن اختلاف من سبقنا لم يكن إلا بغياً من بعد أن جاءهم العلم، وأنه جعل المسلمين على شريعة من الأمر وحق ذلك ألا يقع الاختلاف بين المسلمين إلا في رأي لا يفضي إلى فرقة، وعلى ذلك كان السلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوا قوله: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) ، وقد نهى عن الجدل والمراء وتناهي أصحابه عنه حتى قال ابن عمر: (لا يصيب الرجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء وهو مُحِقّ)
ونحن قد صرنا الآن إلى زمن قد غلبت فيه بدع كثيرة ليست من الدين ولا تنزع إليه، ولكنها من محدثات الأمم وفتن الأهواء. ونحن أيضاً في زمان ضعف وقلة وتفرق، والأمم من حولنا تتباغى على أنفسها وعلينا، فما يكون اختلافنا على البدع والمحدثات وبغي بعضنا على بعض، ومصير ذلك كله إلى العداوة والبغضاء وأن يكفر بعضنا بعضاً - إلا إعانة لهؤلاء على النيل منا ما شاءوا. ثم نحن في زمان جهل بالدين، فليس من أمر الله أن ندع أصل الدين مجهولاً، وننصرف إلى فروع نحاول على إبطالها أو تحقيقها
وقد روي البخاري: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه) ، فإذا كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحسم أصل الخلاف بترك مجلس الخلاف في القرآن وهو أصل الإسلام كله، فأولى أن نقوم عن مجلس الخلاف في فروع وسنن، لئلا يفضي ذلك إلى مثل الذي نراه بيننا اليوم من التعاند على بعض السنن بالعداوة، حتى صار لكل صاحب رأي فريق يحامي دونه ويعادي عليه، ثم يقع بعضهم فيما هو أشد نكراً من أصل الخلاف، ألا وهي الغيبة والتفريق بين المسلمين
