الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 185الرجوع إلى "الرسالة"

فى الحب

Share

الكلام فى الحب يحلو للعاشق والسالي والخلي ؛ وأنا والله " لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ," وقد كنت آتوهم أنى عشقت بضع مئات من المرات فى حياتى مذ عرفت أن لى قلبا وان مكانه فى الناحية اليسرى لا اليمنى . ولهذه المعرفة قيمتها عندى , فقد خيل إلى فى صدر أيامى أنى أحب فتاة وأفضيت إليها يوما - أو على الأصح ليلة وكان القمر طالعا والجو سجسجا . بما يجن صدري , و أردت أن أؤكد لها الحب قأشرت إلى حيث الضلوع فى الجانب الأيمن , وكانت أعرف منى بتركيب الجسم الانساني , فضحكت وقالت ": هل أنت واثق مما تقول "."؟ فلم أفهم معنى لسؤالها وظننتها تريد أن تعاهدنى على الحب والحفاظ وما إلى ذلك من الكلام الفارغ - أو الذى صرت أعتقد أنه فارغ - فوضعت كفها الرخصة على حيث أشرت لها إلى موضع قلبي وقالت ":مسكين هذا القلب "..! فتناولت يدها وقبلتها وقلت على سبيل التأييد ": إي والله .. مسكين ".٠ فسألتنى ": وما العمل الآن "..؟ فقلت ": فى أى شىء "؟ قالت ": أليس الواجب ان نبدأ بقلبك فترده إلى مكانه الذى حوله الحب عنه "؟ قلت ": كيف .؟ ماذا تعنين "؟ قالت : " ان قلوب الناس هنا إلى اليسار ولكن قلبك قد وثب وثبة نقلته إلى اليمين ؛ وهذا - فيما أظن - يجب أن يستعان على إصلاحه بالجراح .. وإلى أن يتم ذلك "....

فلم أدعها تتم كلامها ووليت هاربا . وخطر لي بعد ذلك أنه إذا كان القلب فى غير الموضع الذي حسبته فيه فأن ما توهمته من إحساسه - او بعبارة أدق - من الاحساس فى ذلك الموضع لابد أن يكون تخيلا لاحقيقة له . وكانت هذه مغالطة ، فليس من الضروري ان يعرف الانسان موضع قلبه ليحب , ولكن المغالطة نفعتنى وشفتنى من هذا البلاء

وأنا لا أعشق بالمعنى المألوف لأنى شديد النسيان سريعه. والنسيان يجعلني أمسى عاشقا ، وأصبح ساليا . وكثيرا ما حدث

أني عشقت , ولكن الليل يجىء فأجوع - ولا سيما فى الشتاء - فآكل فيغلينى النعاس - والامتلاء يساعد عليه- وأنهض فى الصباح فيخطر لى شىء ساعة افتح عيني على الدنيا فأشغل بذاك عما عداه وافرغ من هذا الأمر الجديد فى العصر او بعد يوم أو اثنين ؛ فأقعد أفكر فيما مر بي فى يومى , او فى الأيام الأخيرة , وإذا بي أتذكر فجأة أني عشقت فأقول : أووووووه .. أعوذ بالله ! ما هذا النسيان الفظيع ؟ ألاشدَّ ما أذهلتنى الحياة عن حبيبتى التى لا شك أنها تحسبنى الآن أحى الليل ساهرا أناجيها ..كلا , ينبغى أن أكتب هذا لئلا تفضب ؛ وليس من اللائق على كل حال أن أخبرها أني كنت ناسيا أنى عاشق مدنف .. ولكن من هى الحبيبة .؟ لقد ذكرت حبها ولكنى والله نسيتها هى ".. وأحار ماذا أصنع .. فليس من المعقول أن أسأل من أعرف من الفتيات اهى التى أحبها أم سواها . ويعجبتي هذا الموقف فأتصور أنى أقبلت على واحدة وفركت كفى وقلت لها ": هل تسمحين لي أن ألقى عليك سؤالا عنى "؟ فتقول " تفضل .. بالطبع لم لا ".؟ فأقول : " إن المسألة بسيطة ..!! أعنى أنها فى الحقيقة دقيقة .. والمفروض أن أعرف بها ولكنى كما تعرفين حمار . فتقول : " استغفر الله ! ..لماذا تطعن على نفسك هكذا ".؟ فأقول : " معذرة .. وأشكر لك هذا اللطف ولكنها الحقيقة .. على كل حال لقد تبينت من كلامك .. أعني .. أريد أن أقول إن كلامك الذى سمعته اغنانى عن السؤال فألف شكر لك يا روحي ونور عينى وحبة قلى و "...

فتقاطعني وتصيح بى : ا ماذا جرى لك ؟ ..لماذا تتكلم هكذا "؟..

فأقول ": معذرة .. ولكن ألست انت روحي ونور عيني وحبة قلى .. لقد ظننتك ".. فتسأل وهى مقطبة ": هل جننت "؟.. فأقول ": لا .. لم أجن ولكنى نسبت ".. فتقول وهى كالذهولة ": نسيت ..! ماذا نسيت "؟.. فأقول ": اسمى . لم يبق بد من الاقرار بالحقيقة إني أحب , ولكني نسيت ولم أعد أعرف من هى التى سرقت قلبى ، وقد كانت نيتي حين ربكتني بالمقاطعة ان اسالك أأنت التى أحبها ,

أم انا قد غلطت ..؟ فلما اظهرت هذا العطف على وأغضبك انى اطعن على نفسى , قلت إنك لا بد أن تكونى المحبوبة الضائعة - أعنى المنسية - فان لم تكونيها فأنت لا شك أولى منها بحبى ... وهذا هو تأويل قوله : ياروحى يانور عينى وحبة قلبى .. فما رأيك "؟

أتصور هذا الموقف فلا يسعني إلا أن أضحك .ومتى ضحك  المرء فقدسلا وخلا قلبه من الوجع . ولو أن كل عاشق استطاع أن يضحك لكان الأرجح ألا يبقى فى الدنيا حب عنيف طاغ                    ولا أحتاج أن أقول إنى فى الحب كما تشاء ذاكرتي ؛ فإذا استيقظت وتنبهت , ووسعها ان ترتب ما فيها , وتبرز ما يستحق الإبراز , وتؤخر ما التأخير أولى به , وتعرض الأمر على عرضا يساعد على التدير ولا يغرى بالفرار والتماس النجاة .. إذا فعلت ذاكرتي هذا فأنى استطيع ان اعرف أأنا عاشق أم خلى , ومن هى التي أحيبتها , أو من هن اللواتي أحببتهن ثم نسيتهن ؟ ولا غرابة إذن أن يكون حبى - حين أفطن اليه - بالجملة . أما إذا عجزت ذاكرتي عن هذا العرض فأنى امشى فى الدنيا مستريح القلب من هم الحب وكربه , واثقا من نعمة الخلو ومزية السلامة والنجاة ولكن البلاء والداء العياء أن ذاكرتي تفاجئنى بومضات التذكر حين تحسن اللجاجة فى النسيان .. وتصور ان تكون جالسا تناجى من تذكرت انك تحبها , وان تكون راغبا فى ملاطفتها لتعوضها من الاساءة إليها بنسيان أمرها , فتروح تبثها هذا الحب وتناجيها بأعذب ما تستطيع من عبارات الشغف والهيام , وتؤكد لها أنك ما أحببت .. كلا , ولن تحب سواها ، و أن قلبك وقف عليها , وأن حبك لها خالد , وأن الدنيا تستطيع أن تعمر بمن شاءت من النساء الجميلات الفاتنات الساحرات ؛ ولكنك أنت لن تكون لك عين ترى سواها , أو قلب يخفق لغيرها .. وإنك لتسمح بهذا الكلام وإذا بذاكرتك تصيح بك : " حاسب .. ماذا تقول ..؟ أتزعيم أنك لا تحب سواها ؟

بوه... أتراك نسيت تلك التي كنت تقسم لها مثل هذه الإيمان  الغلاظ البارحة.... البارحة فقط....في الساعة التاسعة ....على  شاطئ النيل ...أو تلك التي دعوتها إلى الذهاب معك إلى  الأسكندرية لأنك لا تطيق البعد عنها يوما واحدا ....  أو الأخرى ..أو ...أو"

وأرجو أن يكون القارئ منصفا ، وأن يقول لي كيف بالله يمكن أن يمضى المرء فى الكلام الذي بدأه ..-؟ أو كيف يستطيع أن يستحلي ما هو فيه ..؟ أو ماذا يبلغ من شعوره بالتنغيص فى لحظة جميلة كالتي هو فيها .؟ ثم إن هذه سماجة من الذاكرة . لماذا لا تنتظر حتى تنقضي اللحظة الحلوة , ويفوز المرء بالمتعة - متعة الجلسة والحديث والمناجاة وسرور المحبوبة بأنها محبوبة ثم بعد ذلك - بعد ان تنقضى الساعة التى هو فيها لا يبقى مانع من ان تذكره بما شاءت , و ان تعرض عليه الحقائق الثقيلة وفى غير أوانها

فماذا أصنع بالله ... وكيف استطيع ان أحب ما ينبغى ... وهل مما يستظرف ان تعابثني ذا كرتى معابثة تحرمني لدة الحب فى دنيا تزخر بالجمال ...؟ وماذا عسى أن أقول للغانيات .؟ والله إن هذه لحيرة وأى حيرة ، ثم والله إني لمستريح مسكين

اشترك في نشرتنا البريدية