الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 278الرجوع إلى "الثقافة"

فى الليل

Share

سمعتك الليلة تحدث صديقك عن تلك القرية التي ذاع في أهلها أن الشمس لن تشرق بعد ، وان الظلام من الغد سيغمر وحده الدنيا فلا تضحك الزهرة ، ولا يلتمع في الساقية خيال جميل - وقرأت في عينيك أنهما تودعان شمسها التى لن تشرق ؛ خلفتاها وراءهما إلى غير لقاء ،

على ألم حلمنا آخر فما بهما من ابتسامة ، وما بذبولهما من ألم ؛ بلغتا آخر الطريق ولم تسلكاه بعد ، فهما باردتان ، كالليل ، كالشعاع الذي انطفأ

لقد تعبت نفسك من العدم ، أنا أعرف أنها شاخت في طفولتها لأنك أفسدت خصبها وأذريت مع الريح قوتها .

أنت غر ما بك من طموح . ما بك هو الكبرياء الماجن ، واطمئنان النيع الدافق إلي أن ماءه لن يغيض . ولقد ظللت تطلب الحب حتى نسيت أن تحب نفسك ، فخلفتها عند السراب تركن إليه ، يقتلها الظمأ ولا تشرب لم يغض ماء النبع ولكنه تناثر في شعب الرمل ، وغار من جديد في بطن الأرض ، وتلاشي حتى الكبرياء فلم يبق إلا مجون العدم - وها أنت الآن تهرب من نفسك إلي الطريق ؛ إنك لا تطيق أن تنظر إليها في عريها ، وأن تتأمل الجدب الذي انتهي إليه وهم الخصب . تهرب منها إلي زحام الناس ،

فإذا امتزجت بضوضائهم خيل إليك أنك نجوت من اللوم وهنئت لحظة بالنسيان ، وشغلت بهذا المخدر العرى عن الوحل الذي ارتطمت به .

هذا التشاؤم الجدب أريد أن أحاربه في نفسك

التشاؤم هو ألاتستطيع البكاء ، حين تريد أن تشتري به حياة جديدة ، ضاحكة رغم الدموع . وددتك لو تستطيع أن تبكى ! أي شىء في الحياة أجمل من عبرة على خد رجل ، تعيد النشاط إلي عينيه ، وحرارة الخفقة إلى قلبه ،

ويدفعها ثمنا لفترة عاثرة من حياته لم يعش فيها إلا حياة الناس ! الدموع توبة المؤمن إذ يعود إلي نفسه يستغفرها ليحقق كمالها في فرح عميق ! حينئذ تكون لديه القوة الكافية ليدفع الحياة بيده ، وليفرض قدره على الكون .

التشاؤم هو أن تحتجب ذكري الماضي أمام جهامة الحاضر ، فتنسى معها ذاتك في سلبية عقيمة ميتة ، وينعدم الشعور بالألم . وددتك لو تستطيع أن تذكر ! إذن لينجيك من صغارك الوعي بالصغار ، وليستيقظ فيك من ماضيك خصبه الرائع وآماله الحرة الواثبة

تستطيع الليلة أن تملا رئتيك من نسيم الفجر ، وان ترقب طلوع الشمس من مشرقها . إنها ستطلع بلاريب ، لأنها لا تحتجب إلا لمن يغمض من دونها بصره . والمهم هو أن تخرج أنت لاستقبالها كأنك لم ترها قبل اليوم .

ثم عد إلي صديقك الذي تحب وعانقه في عنف لتشعر أنك أصبحت جديرا به . وحينئذ يكون التشاؤم قد أنتج ، لأنه أعاد إلي نفسك الحياة الخصبة ، ويمتلك كل

أسرار الكون رجل يبتسم.

اشترك في نشرتنا البريدية