في هذه المجموعة من قصص الدكتور بشر فارس لون جديد من ألوان القصة ، فهي لا تجري في سبيل القصة كما نعرفها من موضوع أو فكرة أو صورة يعرضها القاص في أسلوب شائق جذاب ، منتزع من الحياة طورا ، ومن أصداء هذه الحياة في نفس القاص طورا آخر ، ومن التأمل العميق طورا ثالثا .
لا تعرف قصص الدكتور بشر فارس هذا السبيل ، إنها تجري على سبيل يرسمه هو للقصة فى مقدمة كتابه حين يعرف القصة فيقول إنها " حنية من صدر الحياة تنتزع . " وهي أيضا " برق لاح على سحب سود ... " ولعل القارئ يستطيع أن يلمس الفارق بين هذا اللون من القصة وما ألفته القصة إلى اليوم حين يعلم أن أقاصيص الدكتور بشر لا تعرف الحادثة ولا تعني بالتصوير واقعيا كان أو وجدانيا بقدر ما تعني باللفتات الدقيقة نحو ما أسماه " مباعث الحياة ودفائنها " .
وقد يكون الغموض الذي يحسه القارئ في فكرة الدكتور عن القصة هو الذي يثير هذا السؤال في النفس : " ما هدف هذه القصة ؟ وذلك حين يعيد قراءة إحدي قصص الدكتور باحثا عما ألفه من المتعة عند القصص إلي اليوم ، ولكنه لا يلبث أن يبدو له الأمر جليا حين يعلم أن بشرا يري في بعض رأيه عن القصة أنها ليست للتسلية ، وأن عليها أن تثير القارئ وتشغل باله ، ومابها حاجة إلي حبكة متصلة السلك .
ومع هذه المقدمة التي تضع القصة في حدود خاصة ، يستطيع القارئ أن يستقبل هذه المجموعة فيقرأها بحذر ، فلا يسرع بالحكم على قيمة هذا اللون ؛ فما أخطر السرعة في الحكم على كل جديد ، لاسيما إن كان
من أديب له خطره وقدره, وانما الذي سيحكم علي هذا اللون من الأدب ، هو الأدب نفسه . هل تستطيع هذه المدرسة الجديدة للقصة أن تعيش إلي جانب مدارسه أم لا .
ذلك هو السؤال . وما تمنع الحيرة في الإجابة من أن يقرر القارئ أن كتاب بشر الجديد جهد واضح لعقل ناضج يجد القارئ بين صفحاته الكثير من المتعة كما ألفها عند القصة المصورة المحللة ، كما يجد فيه على حد تعبير المؤلف " ما يثيره ويشغل باله " .
