أَيْنَ مِن قَدْرِكَ جُهْدُ الشُّعَرَاءْ ... يا قَرينَ الطُّورِ فِى نَجْوَى السَّماَءْ؟
أّشْفَقَ الشِّعْرُ، وَكَمْ رَاوَدْتُهُ ... فَجَرَى كالصُّبْحِ بَسَّامَ الرُّؤَى
زَاهِرَ الضَّفّةِ رفَّاف الرُّواءْ
طابَ للسَّامِرِ يا شِعْرُ النّشيِدْ ... وهَفَا المِزْمَارُ لِلَّحْنِ الْجَدِيدْ
هَاتِ ياَ شِعْرُ حَدِيثاً طالما ... مَلأَ الأعْصُرَ وحْياً وَمَشَى
مِلْءَ سَمْعِ الدَّهْرِ لَحْناً وحُدَاءْ
هيه... صُغْ لحنَكَ فى أُمْ القُرَى ... أُعْبُرِ الأجْيَالَ واطْوِ الأعْصُرا
اِقطَعِ البيدَ إلى مُنْعَزَلٍ ... التَقَتْ فِيهِ السمواتُ العُلَى
مَرَّةً بالأرْضِ فى غارِ حِراء!
غَنِّناَ عَنْ شَاهِقٍ عالى الْجَبِينْ ... تَتَمَلاّهُ عُيونُ الَّناظِرينْ
هَرَمِى نازِعٍ مُستَشْرِفٍ ... للسَّموَاتِ، مَنيع المُرْتَقَى
للعلى رَمْزٌ وللْحَقِّ لواء
جَبَلِ النُّورِ الوضِىءِ النَّسَبِ ... لقَبٌ يا حُسْنَهُ من لقَبِ!
أين في الأرْضِ مَكَانٌ مِثُلهُ ... بَيِّنَاتُ الله فيه واُلهدَى
لَمَعَتْ فانجَابَ فى الكون العماء؟
مَهبْطُ النُّورِ على هذا الوجودْ ... مُرْتَقى أوحى له مَعْنَى الصُّعودْ
شَدَّ ما يَمْلأَ نَفسِى سِحْرُهُ ... ولكَمْ تَلْمَحُ روحى من رُؤَى
ومَعَانٍ عَبْقَريَّاتٍ وِضاءْ!
هَاتِ ألحانَكَ عِنْدَ اَلْجَبَلِ ... غَنِّ يا شِعْرُ بهِ لا تُجْفِلِ
امتَلِئُ مَا شِئتَ مِن رَوْعَتِهِ ... إلتَمسْ وَحْيَكَ فى هذا السَّنّا
وتَرنّمْ، يَحْلُ يا شِعْرُ الغناء
هَاتِ. حَدِّثنَا عن الرَّاعى الأمينْ ... ذلك الأمى، عند الأرْبَعِين
ذلك الأمِى من عَلّمَهُ... ... غنِّ فى بيدائه كيف اهتدى
واجتلى فى الأرضِ آياتِ السماء؟
ياَ رِمَالَ البيدِ هذا جَاهِدُ ... هادِئُ النُّظْرَةِ ماضٍ صَاعِدُ
يا رِمَالَ البيدِ كَمْ شاهَدْتِهِ ... يحملُ الزّادَ ويمْضِى؛ هل رأى
حَوْلَهُ غَيْرَ الرَّواسى والفَضَاءْ؟
يَهْمِسُ الرُّعْيَانُ... ما يَشْغَلَهُ ... أى أمْرٍ حَازِبٍ أذهَلَهُ؟
شاحِبُ الوَجْنَةِ لا مِن عِلّةٍ ... مُطْرِقٌ هَامَتَهُ، واني اُلخْطَى
طَالَ فِى اللهِ بِهِ عَهْدُ الرَّجاءْ
يا لهذا العَرَبِى الصَّائم ... ابْنِ عَبْدِ اللهِ، أزكى هاشِمِ
بَلَغَ الغارَ فألقى زَادَهُ ... يا لهُ من لا غِبِ طَاوِى الحشا
أكثرُ الزّادِ لهُ تَمْرٌ وَمَاء!
يا نجومَ اللّيْلِ أَضْنَاهُ المَّهَرْ ... لم يَنَلْ مِن طَرْفِهِ طولُ النّظَرْ
هَلْ أتَى مَكّةَ ما أرَّقَهُ؟ ... حَسْبُهَا مِن لَيْلهِاَ طِيبُ الكَرى
يَغْرقُ السُّمَّارُ فيه السُّعَداء!
إيه شمْسَ الصُّبْحِ، يا نورَ الأزَلْ ... هَلْ جَلاَكِ اللاّتُ يومًا أو هُبَلْ؟
اسألى مكّةَ عن أَصْنَامِها ... اسألى السَّادَة في أمِّ القُرَى
عن تماثيلَ لها حَقُّ الوَلاَء!
حَدِّثِى يَا شَمسُ عَنْ أَنْصَابهَا ... وأُولي الغَفْلَةِ من أصَحابِهَا
حَدِّثى عن ظلْمَةِ الْعَيْشِ بِهَا ... وعن الشَّحْنَاَء فيها والخنا
وَذَوِي الفُحْشِ بها واُلْخَيلاَء
تُؤثِرُ اللّيْلَ عَلَى الصُّبْح اتجاها ... كَهْلُهَا يَسْبِقُ فى الشّرِّ فَتَاهَا
بَلْدَةٌ كَمْ غَرَّهَا باَطِلُهَا ... لَيْسَ فى شِرْعَتِهاَ إلا الهَوى
شِرْعَةِ الجورِ ودين السُّفَهَاءْ
لاذَ بالوَحْدَةْ فى عُزْلَتِهِ ... ذلك الواحِدُ فى نَشْأَتِهِ
ذَلِكَ المُفرَدُ مِن أيَّامِهِ ... ما دعا داعى الصِّبَا إلا أّبَى
وَتَوَلّى وهْوَ موفورُ الإبَاء
كَمْ يُعَانِى اليَوْمَ مِمَّا يَحْمِلُ ... لاَذَ بالغَار فِفيِه اَلموْئِلْ
هَاجِسٌ فى نَفْسِهِ يَشْغَلُهُ ... يَنْسَخُ الْيَأْسَ بهِ لَمْحُ المُنى
سَاَعَةً ثم يُغَشِّيهِ اَلخْفَاءْ
يَا لَعَانٍ يَعْظُمُ الكَوْنُ لَهُ ... كَمْ يَرَى الرَّهْبَة فيما حولَهُ
كَمْ لَهُ فى صُبْحِهِ إذ يَنْجَلِى ... ثمَّ فى اللّيْلِ إذا اللّيْلُ سَجَا
من يقين وجَلاَء واهْتِداءْ!
هَذِهِ الأفْلاَكُ من يُمْسِكُهَا ... فى الفَضَاءِ الرَّحْبِ من يُسْلِكهَا؟
والرَّواسى الشُّمُّ من شَيَّدَها ... من دَحا الأرضَ ومن ساق الحيَا
فَسَقَى التُّرْبَ بِهِ حَيْث يشاء؟
مَنْ لهذا السَّاجِدِ المُقْتَرِبِ ... هَلْ تَلَى فى أمْسِهِ من كُتُبِ؟
هَلْ بنتْ أُمُّ القُرَى مَدْرَسَةً؟ ... مُنْتَهَى ما عَلِمَتْ تِلك الدُّمَي
يَتَمَلاّهَا بنوها النُّجَبَاءْ!
مَنْ لَهِذا الفَرْدِ فى بَيدائِهِ ... بِرُؤى العَالَم أو أنباَئِهِ
هَلْ أَتَاهُ نَبَأٌ عَن فَارِس ... هَلْ عَن الشّامِ ومِصْرٍ من نَبا
وعن الرُّومِ وأرْضِ اُلحْكَمَاءْ؟
ضَجَّ بالعُدوان ذاك العالَمُ ... ما يرُى هَادٍ له أو عاصِمُ
الهداياتُ بهِ حائرةٌ ... والضَّلاَلاَتُ به استشرت فما
يَفهَمُ الرَّحْمَةَ إلا الضعفاء!
باتَ ما طافَ به من قَبَس ... فى ظَلاَمِ الأرضِ كالْمُحْتَبِسِ
يا لَها مِن شُعلة خابيةٍ ... غَرقَتْ أو أوشكت فيما جرى
من دموعٍ هاطِلاَتٍ ودِمَاء!
لَوَت الشُّعْلَةَ عن وِجْهَتهِاَ ... أُمَمٌ ثارَتْ على وَمْضَتِها
ضَرَبَ الغَى على آذانِها ... واشتَرَت بالحقِّ والنُّورِ العمى
فَتغَشَّتها دياجير الفناء
طابَ للأمِّيِّ فى الغارِ المُقَامْ ... ليس يثنيه سُهَادٌ أو صِيامْ
للِسَّموات العلى مُستَشْرِفٌ ... فى دُجى الليل وفى نورِ الضَّحَى
ضارِع لِله موصولُ الدُّعاءْ
سَابحٌ فى الملكوتِ الدائِمِ ... وَاَلجْلاَلِ المُستفِيضِ القَائم
مُطْلَقُ النَّفْس رَضِى آمِلٌ ... صُوَرُ الحقَّ بهذا المُجْتَلى
أمَدَّتْهُ برَوْحٍ وانتشاء
رَوْعَةُ التَّسبِيحِ فى نَظرَتِهِ ... وَجَلالُ الحقِّ فى مُهْجَتِهِ
سَاجِدٌ لله يرجو وَجْهَهُ ... صَابِرٌ مُرْتَقِبٌ جَم الرَّضا
خاشِعُ المحَبةِ مَصدوق الولاء
طاف بالرعْبِ على مَضجِعِه ... هَامِسٌ يَهْمِسُ فى مِسْمَعِهِ
يا له الله! أرؤيا نائم ... ما له يَسْمَعُ لكن لا يرى
حوله إلا هواءَ أو هباء؟
إنها الشعْلةُ جاءت من جديدْ ... للِوَرَى فيها طَريفٌ وتَليدْ
هَبَطَ الغَارَ بها الرُّوحُ الأمين ... سَاقَهَا اللهُ لِطَهَ المُصْطَفَى
ابنِ عبدِ اللهِ خَيْرِ الأنبياءْ
قَبَسُ اللهِ العلى الأكْرَمِ ... (عَلْمَ الإنْسَان ما لم يَعْلَمِ)
قَبَسُ الله الذى أوحى له ... ظَلَّ يرجو نورَه حتى انجلى
رائعَ الإشراقِ وهَّاجَ الضياء
هلَّ نورُ الله فى أعلى الجبل ... أّبْشِرى يا أرضُ قد هَلَّ الأملْ
حَمَلَ ابنُ البيدِ ما أُلْهِمَهُ ... وَمَشى الراعى رسولا للورى
يرفع الشُّعْلَةَ من بَعْدِ انطفاء
ياَ رِمَالَ البيد قد جَاَء البَشيرْ ... نَزلَ الدَّاعى إلى الحقِّ النَّذِيرْ
انظريه... نوره بين يَدَيهِ ... أَى نُور مِثلَ هذا أومضا
أى قَوْل حَارَ فيه الفصحاء؟
غَمَرَ النُّورُ جباه الصَّابِرِينْ ... وَتمَشَّى بين أيدِي الفَاتحينْ
مِنْ رُبُوع الْهِنْدِ لِلأّندَلُسِ ... أّلْهَم النَّاسَ الْعُلاَ أَنّى مَضى
فَهُمُو فِى الدِّينِ والدُّنياَ سواء
