الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1020الرجوع إلى "الرسالة"

فى فضل محمد (ص)

Share

قرأت بشىء من التعجب مقال الكاتب الإسلامى محمد عبد الله السمان فى "المعاني الحية فى رسالة محمد" فإذا هو فى صميمه مقال فى شخصية الرسول (ص) وفى عظمته, وإذا تحمسه لبعض النواحي العظمى للرسالة يحمله على إنكار بعض نواحي أدلة تلك الرسالة التى هى

أيضا بعض مظاهر عظمة الرسول , فى غلو فى التعبير جانى فيه مالا أشك انه يعلمه من أدب الإسلام فى الدعوة ، ثم هو بعد ذلك لا يصيب حقيقة عظمة الرسول

إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه متعدد نواحي العظمة , والإسلام الذى هو رسالة الرسول متعدد نواحي الدعوة تعدد نواحي الفطرة التي هو دينها . وليس الناس سواء فى تقدير تلك النواحى , فمنهم الخواص الذين يكبرون ما أكبر الأستاذ , ومنهم العوام الذين يقصرون عن ذلك ولا يكبرون ما دعا إلى إكباره من تحرير الإسلام العقول والنفوس إلا عن طريق إيمانهم بتلك النواحى التى لم يابه هو بها والتي نعى على خطباء المساجد والسرادقات الإشادة بها فى احتفالات ذكرى ميلاد الرسول , وأكثر شهودها هم العوام الذين أمر الرسول صلوات الله عليه أن يخاطبوا على قدر عقولهم وإلا كان مخاطبوهم فتنة عليهم

ولو غير الأستاذ السمان نعى على المسلمين ما يثنون على الرسول صلى الله عليه وسلم بما أجرى الله على يديه من الخوارق لقلنا غير مؤمن بالخوارق والمعجزات , ولكن الأستاذ والحمد لله مؤمن مجاهد يؤمن بالقرآن وبما أثبت للأنبياء من معجزات أكرمهم الله وأيدهم بها لم تكن لنثبت لهم في عصرنا هذا إلا بالقرآن . والقرآن نفسه أثبت لمحمد صلوات الله عليه من المعجزات - إذا أغفلنا شرط التحدى فيها - ما شاء الله . أثبت له الإسراء فى سورة الإسراء والمعراج فى سورة النجم , وانشقاق القمر فى سورة القمر , إذا أخذنا الآيات على ظاهرها كما ينبغى ولم نلجأ إلى التأويل تهربا من إثبات إلا الأقل الذى لا بد منه من المعجزات ؛ فالتأويل لا يجوز إلا بقرينة حاملة ، والقرينة غير موجودة , والحديث الشريف الصحيح يفسر تلك الآيات ويصف من تفصيلها ما أجمل القرآن . فهل تلك المجزات يا ترى ليست من مظاهر عظمة الرسول ؟ بلى !

فإن الله الذى لا يقدر على إجرائها غيره أجراها تأييدا له أو تكريما . وفى كل تعظيم للرسول أى تعظيم

والحديث الصحيح أثبت للرسول صلوات الله عليه  خوارق كثيرة كمعجزات الأنبياء والرسل من قبله. منها  حنين الجذع الذي كان صلى الله عليه وسلم يخطب عنده قبل  اتخاذ المنبر، ومنها تكثير طعام جابر حتى أشبع جيش  الخندق، وتكثير اللبن حتى أروى أهل الصفة من قدح  استقله أبو هريرة لنفسه وللرسول، وتكثير الماء في الإناء  حتى استقى منه جيش تبوك. ومنها رد عين أبي قتادة في  غزوة أحد أو بدر، وإبراء عين علي رضي الله عنه وعن  أصحاب رسول الله أجمعين في غزوة خيبر. وما من هذه  إلا قد شهده الجم الغفير من الناس. فليت شعري لماذا  نؤاخذ الوعاظ إذا ذكروا الناس بما أكرم الله به نبيهم من  تلك المعجزات في ذكرى مولده الشريف؟ أو لماذا ينعى  على الناس استشعارهم السرور والفخر بينهم الذي أكرمه  الله تلك الكرامة وأنوله تلك المنزلة! لو أن أمثال الأستاذ  السمان انتهزوا اهتزاز الناس ذلك وذكروهم بوجوب العمل  بما أهملوه ونسوه من رسالة الرسول لكان خيرا للناس  وأعظم أجرا له ولأمثله. أما النعي على من يذكر الناس  بناحية من نواحي عظمة الرسول يرى هو غيرها أكبر  منها، أو النعي عليهم إذا خرجوا من تلك الذكرى يعددون  ما ذكروا به وازدادوا به إيماناً من تلك المعجزات، ففيه من  الغلو والإسراف وتحجير الواسع ما فيه

وأعجب من هذا وأوغل فى الإسراف نعيه على "صنف" من المسلمين يفضلون محمدا على الرسل , ويجعلونه إمامهم ويجعلون رسالته فوق رسالاتهم والسلمون كلهم ذلك الصنف الذى زعم الأستاذ ومنهم الأستاذ السمان نفسه بما كتب فى مقاله من الناحية التى يعظمها ويكبرها . وإلا فأى الرسل أصلح الله به ما أصلح بمحمد صلوات الله وسلامه

عليه؟ وأى الرسالات بلغت مبلغ الإسلام وحققت ماحقق الله, من تحرير العقول والنفوس فى الماضى ولا يزال يدعو إلى تحريرها من كل سلطان غير سلطان الله سبحانه خالق الكون وفاطر الناس ؟ وإذا كان الأستاذ يستشهد على من ظنهم خصومه من المسلمين بأن أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس افلا يكون الرسول الذى أخرج الله على يديه تلك الأمة خير الرسل ؟

إن محمدا صلى الله عليه وسلم جمع الله له ما فرق فى الرسل . آتاه من المعجزات مثل الذى آتاهم , وخصه صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم معجزة خالدة لاتضارعها معجزة , وبدين شهد الله له بما لم يشهد به لدين قبله . شهد له بالكمال حين أنزل عليه فى الموقف فى حجة الوداع "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ". وشهد له صلى الله عليه وسلم بما لم يشهد به سبحانه لنبى قبله من عموم الرسالة وعموم الرحمة به فى قوله تعالى من سورة سبأ "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون" وقوله تعالى من سورة الأنبياء "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". وأمثال الآيتين فى القرآن الكريم كثير

والرسالة نفسها ليست مما لمحمد فضل فيه فإنه لم يأت بشئ منها . والآيات التى استشهد بها الأستاذ من قول الله لا من قول محمد كما يعلم الأستاذ طبعا . فلو لم يشغله الحماس عن التدقيق لما خفى عليه أن مبادئ الإسلام نفسه ليس لمحمد فضل فيها إذ لم تكن من عنده ، وإذا كان هو مأمورا بالإيمان بها كغيره , وإذ عاش فى قومه أربعين سنة قبل الرسالة لم يؤثر عنه أنه دعاهم فيها حتى إلى التوحيد , وإن أثر أنه لم يسجد لصنم وأنه كان قبل الرسالة من الموحدين . فالثناء الذى أثنى به بعض المستشرقين عليه أنه كان من عظماء المصلحين ثناء مدخول كان

لا ينبغى أن ينخدع به الأستاذ لأن مبعثه اعتقادهم أن القرآن من تأليفه وأن الإسلام من وضعه . وكل ثناء عليه صلى الله عليه وسلم بغير النبوة والرسالة هو فى الواقع دون مقامه الكريم ولو كان ذلك الثناء أنه بطل الأبطال وأعظم المصلحين

إن حقيقة عظمته صلى الله عليه وسلم ليست فى الرسالة نفسها ولكن فى انه أدى الرسالة على وجهها . فالرسالة من عند الله ليس لمحمد ولا لغيره منها شىء ولا له فى مبادئها فضل , وإنما الفضل كله أنه أداها كما ينبغى أن تؤدى , وتحمل فى أدائها كل ما تحمل , ونهض بأعبائها نهوضا لم يكن لينهضه إلا من بلغ غاية كمال البشرية . وهذا هو ما يقصده الذين يقول الأستاذ انهم يرفعون محمدا فوق مستوى البشر , وما مستوى البشر الذي يعرفه الاستاذ أو يمكن أن يعرفه فى تاريخ البشرية إذا قيس بالمستوى الذى بلغه سيد البشر وخاتم الرسل محمد بن عبد الله ؟

إن أعجب العجب أن يقوم فرد بأعباء دين أعجز البشرية أن تحمله ونقوم بأعبائه إلا مجتمعة ! والترقى داخل حدود الإسلام ليس له نهاية , لأن حدود الفطرة نفسها , إذ هو دين الفطرة بل نفس الفطرة التي فطر الله عليها الناس , بشهادته سبحانه فى سورة الروم . وكل ما يمكن البشر أن يبلغه من الرقى فى الفطرة قد حققه الله للبشرية فى محمد ابن عبد الله رسول الإسلام الذى لا ينطق عن الهوى , والذي صار كل عمل له سنة , وكل قول له حجة لله على عباده , لا عملا أو قولا لم يقره الله عليه فى حوادث معدودة نطق بها القرآن وأحاطت بها سنة الرسول . فكأنما أعد الله محمدا من بين البشر فى تاريخ البشرية المتطور للقيام بأعباء دين الله الكامل ؛ تلك الأعباء التي تفرق القيام بها فى الناس , فى الصالحين وأولى العزم من المسلمين حتى صار المتأسي بة صلى الله عليه وسلم عن اجتهاد

وصدق في صفة من صفاته مثلا يضرب فى مكارم الأخلاق إلى اليوم كما ضرب المثل في أبي بكر وعمر وعلى ومن إليهم من الصحاب وممن تبعهم بإحسان . فالكمال البشرى قد جمعه الله لمحمد الفرد كى يستطيع أن يقوم بدين الله دين الفطرة والبشرية الكاملة . أفلا يكون صلى الله عليه وسلم لذلك أكمل البشر على الإطلاق

هذه نتيجة منطقية ليس عنها محيص , وليس فيها انتقاص لأحد من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين , فالله سبحانه قد فضل بعض رسله على بعض كما أخبرنا سبحانه فى آية تلك الرسل ؛والحديث الذى ساقه الأستاذ السمان يشهد بذلك التفاضل . والأفضلية فى صفة غير الأفضلية فى مجموع الصفات . والنهى فى الحديث الكريم عن التخيير بين الأنبياء موجه فى الأصل إلى ذلك اليهودى لأنه هو الذى خير كما يتبين الأستاذ إذا رجع إلى الحديث . وجاء النهى عاما لحكمة غير نهى المسلم عن التعصب لأن المسلم فى الحديث لم يزد على أن أنكر أن يكون موسى أفضل من محمد , وما يوهمه الحديث خلاف ذلك ليس على إطلاقه ولكنه محدود بما ذكر فى الحديث . والثناء على موسى صلوات الله عليه بصفة تميز بها هو مثل فى التواضع ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ليكون تشريعا فى مثل حادثته وهو يؤيد ما ذهبنا ونذهب إليه مع جمهور المسلمين من أنه صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للبشرية حققه الله للناس تاريخا واقعا . والمثل الأعلى يقترب منه المجتهدون فى بلوغه اقترابا بطرد ما اطرد اجتهادهم من غير أن يبلغوه مهما اجتهدوا

وصلوات الله وسلامه على الرسول الكامل الذى حقق الله به وفيه الفطرة الإنسانية الكاملة محمد بن عبد الله

اشترك في نشرتنا البريدية