إن التاريخ سيسطر فى سجل البشرية ، أن ساكن هذا الكوكب قد تم له صنع قنبلة فائقة القوة فى القرن العشرين .. وان أول انفجار مروع من صنع الإنسان قد تم فى السادس من أغسطس سنة ١٩٤٥ حين ألقت الطائرات التابعة للجيش الأمريكى على قاعدة الجيش اليابانى فى هيروشيما قنبلة تفوق فى قوتها عشرين ألف طن من أشد أنواع الديناميت فتكا : هى القنبلة الذرية ..
وقد لا يدري القارئ أن الطبيعة عرفت هذه القنابل الذرية من زمن جد بعيد ، ولكنها كانت من نوع مختلف عن ذلك الذي صنعناء فوق سطح كوكبنا .. كانت قنابل ذرية نجمية ..
وقصة تلك القنابل الذرية التي عرفنها الطبيعة ، أو في كلمات اخري قصة انفجار النجوم، هي قصة قديمة معروفة لعلماء الفلك . وسأحاول أن أسرد على القارئ فيما يلي طرفا منها :
ليس انفجار نجم بالشئ الجديد ، فإن عشرات من النجوم تنفحر فى كل عام فتزيد درجة لمعانها عشرة آلاف مرة ، ومع ذلك فإن معظمها يكون عادة باهتاً قبيل الانفجار إلى حد بعيد، وحتى فى أقصى درجات لمعانها لا يمكن للعين العادية أن تراها ..
ولكن إذا انفجر نجم مرتين فى جبل واحد ، فذاك حدث عظيم يثير علماء الفلك ، لأنه يعطيهم معلومات علمية فائقة عن مثل ذلك النجم .
ففى سنة ١٨٦٦ لمع فجأة فى المجتمع النجمى "التاج الشمالى" نجم جديد "نوفا" ولكنه فى الحقيقة لم يكن نجماً جديداً ، وإنما جزء من نجم منفجر فى هذا المجتمع ، وقد أطلق عليه الفلكيون "ت . النجم المتغير".
وفى تلك السنة كان التصوير فى بداية عهده ، فلم يكن فى الإمكان الحصول على صور النجوم . ولكن العلماء تتبعوا منذ ذلك الحين تغيرات هذا النجم ودرسوا خصائصه، وبعضها محير غريب لا يجدون له تفسيراً ، فإن وجدوا التفسير فإنه قد يمدهم بكثير من المعلومات عن ظاهرة "النوفا"
ويعلم الفلكيون قليلاً عن حالة النجم التى تسبق تلك الظاهرة "Pre - nova" فان هناك عدداً هائلاً من النجوم حتى إنه من المتعذر أن يأملوا فى تتبع نجم ودراسته دراسة خاصة على اعتقاد أنه سينفجر يوماً ما ... فالنجم لا يعطى أية اشارة عن قرب انفجاره ...!!
وإن انفجار النوقا لهو انفجار ساحر جذاب ، فازدياد لمعان النجم مدهش إلى حد بعيد - تماما - كما ترى حشرة من تلك الحشرات التي تضئ بالليل ، والتي يسمونها بالحباحب؛ وقد لمعت فجأة كمصباح كهربائي باهر الضوء ... وإن الطاقة التي تنتشر في هذا الانفجار فائقة في مقدارها ، قنبله واحدة لكي تطلق مثل هذه الطاقة ، يجب أن تكون في حجم الكرة الأرضية تقريبا ....!!
فهناك في داخل النجم يطلق فجأة سراح طاقة هائلة تشق طريقها إلى السطح لكي تنتشر في الفضاء ، فيتمدد النجم كأنه فقاعلة من الصابون ويشتد لمعانه ، وأخيرا تنفجر الطبقات الخارجية وتنطلق إلى مسافات نائية ، وتبدو على بعد وهي تتحدر في الفضاء كأنها مجاميع من النجوم في أغشية من ضباب .. ويعود النجم تدريجيا إلى حالة لمعانه الأولى . .
ويظهر أن درجة حرارة النوفا فى حالته النهائية أعلى بكثير منها فى حالته الأولى ، فقد أثبتت المشاهدات أن
الغازات المتمددة حول النجم قد تستمر درجة حرارتها مليون درجة سنتيغراد لعدة سنين بعد الانفجار ....!!
ويعتقد بعض علماء الفلك أن ظاهرة النوفا ترجع إلى فقدان النجم لقوته ، وان الطاقة المطلق سراحها في الانفجار نتجت عن تضاغط داخلى ؛ ويرون أن النوفا هو طور من اطوار النجم وان الانفجار آخر دور من أدوار شبابه يركن بعدها النجم إلي حياة المحرم والشيخوخة ...
ولا شك أن الانفجار الثانى للنجم المتغير T.Coronae يخطئ هذه النظرية ، ويبين أن هذه الظاهرة ترجع إلى ضعف تركيبى فى النجم . وهذه النتيجة تهبنا الشجاعة والأمل ، لأنها تجعل الفرصة فى انفجار الشمس ضئيلة جداً .. وإن تاريخ الشمس الطويل لمحو تاريخ مطمئن مهدئ لروع البشرية ؛ ففى خلال تلك الأجيال الطويلة التى تزيد عن بليون سنة لم يحدث ان ضاعقت الشمس أو أنقصت إلى النصف ما ينطلق منها من الطاقة .. وإن تلك التغيرات العادية فى الشمس مثل البقع الشمسية (الكاف) ونافورات الغاز التى تدفع فى القضاء ، لا تدل على أن الشمس ستنفجر انفجاراً تاماً كما يعتقد بعض العلماء ؛ ولعل هناك (صمامات أمن) تنظم انطلاق الطاقة فى النجم وتمنع حدوث كارثة تهلك الإنسانية ...!!
ويعتقد العلماء أن "ت النجم المتغير" كان له قبل الانفجار جو بارد منتفخ إلى حد كبير ، يحوط قلباً دقيقاً شديد الحرارة ... ففى خلال الانفجار اندفع هذا الغاز المحيط مع مواد أخرى بعيداً فى القضاء .. ولذا فإن النجم "القلب الدقيق" هو فى الحقيقة أصغر بكثير بعد الانفجار منه فى حالته الأولى ، ولكن ليس هناك فقدان مفاجئ للقوة ...
ويحتمل أن النجم ينفجر بشكل نافورات من اللهب خلال فتحات صغيرة ، وليس من السطح بأجمعه .. ولشدة الحرارة في الأجزاء الداخلية من هذه النافورات فإن الضوء يبدو بلون بنفسجي واضح . كما ان الإشعاع فوق البنفسجي يكون شديدا فائقا .. ويتغير اللون خلال نافورة اللهب من البنفسجى إلى الأزرق إلى الأبيض الباهر، وقد يبين على الجوانب الخارجية لون أحمر وردى حيث الحرارة على أقلها .
ولا يبدو أن انفجار النوفا حدث مبيد فى حياة النجم" وفى أغلب الأحيان نجد النجم يستعيد نشاطه ، وقد يعد العدة لانفجار آخر فى المستقبل القريب ، أو البعيد ، وإن عدة آلاف من السنين ليست إلا زمناً قصيراً فى تاريخ حياة النجم ..!!
وإن أعظم نوفا في التاريخ هي التي حصلت في نجم "تبكو" (نسبة إلي العالمي الفلكي تبكو) الذي دق في لمعانه جميع الأجرام السماوية ما عدا الكوكب المتألق الزهرة في سنة ١٥٧٢ . ولم يكن لدي العلماء حينئذ تلسكوبات ، ولا تدري أي نجم من تحديد النجوم الباهتة القريبة منا هو الذي شاهده الفلكي تبكو.
وقد كان ذلك الانفجار هائلا إلى حد كبير ، حتى إن علماء الفلك يسمونه "سوبر نوفا" وهي ظاهرة شديدة الندرة حقا .. ولا يعد أن ذلك الانفجار قد دمر النجم تدميرا تاما ، ولكن الفلكيين لا يزالون يلاحظونه على أمل أن يروه مرة أخرى ...!
وقد يكون مصدر الطاقة لهذه الانفجارات الهائلة نوعاً من التفاعل النووى ، يختلف عما - ولكنه ليس أقل مما - فى القنبلة الذرية ..
ويبدو أن انطلاق الطاقة الذرية فى النجوم العادية يسير فى نظام خاص ، ولكن فى الوفا يظهر أن العمليات التى يطلق فيها سراح الطاقة تخرج عن يد الطبيعة المنظمة ، فتشيع الفوضى وتحدث الانفجارات الهائلة ...
وإن الملاحظة والدراسات النظرية لهذه القنابل الذرية النجمية مهمة لتقدم العلم .. فمعرفة طبيعة الغازات فى درجات الحرارة المرتفعة، والأدوار التى تسلكها الانفجارات الهائلة، والحالات التى تسببها، قد تفيد فى مشكلة القوة الذرية .. إنها ستساعدنا لا شك فى فهم تركيب النجم ..
وما دام هناك على ظهر هذه الأرض إنسان يمكنه أن يتأمل وان يتصور وأن يفكر .. ما دام هاك ذلك المخلوق الذي يستحبب لنداء المجهول ويستهديه البحث عما تكنه الطبيعة في أعماقها من أسرار خافية ومغاليق مبهمة ، فسيوالي العلم اكتشافاته يوما بعد يوم ، وستزداد كثافة تلك الأضواء التي تشعها المعرفة في آفاقنا من مصباحها العتيد ...

