الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 345الرجوع إلى "الثقافة"

فيتامين د

Share

منذ زمن ليس بالبعيد أعلن أن بعض المواد الغذائية كزيت كبد الحوت وصفار البيض واللبن وبعض الدهون الحيوانية يحوي على الراجح فيتامينات تسبب تكلس العظام وصلابتها . ولم يثق بذلك بعض رجال الطب وعللوا الكساح بنقص في التدابير الصحية كالتهوية والرياضة ، ووصفوا لعلاجه الكهرباء ، فلم يؤد إلي تحسن يذكر في حالة المرضي . أما مراعاة الشروط الصحية كالتهوية والرياضة ، فهذه ادت إلي نتائج لا بأس بها . وقد كان هذا سببا في اكتشاف huldschinsky ان مرض الكساح عند الأطفال يشفي بتعريض المريض للأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من مصباح زئبقي .

بعد ذلك عرف أن أثر الأشعة المنبعثة من الصباح الزئبقى أو من الشمس تحول المادة الخاملة sterol ( إلى مادة نشطة هي الفيتامين ) د ( وهذا ما يفسر زيادة نسبة المصابين بهذا المرض بين الأطفال في المناطق المعتدلة عنها في المناطق الحارة ، على الرغم من قلة الأغذية عند سكان هذه المناطق الحارة ، وقلة الفيتامينات تبعا لقلة الأغذية . ويعلل ذلك بأن تعرض الأجسام لضوء الشمس يحول المواد الأولية الساكنة كما قدمنا إلي فيتامينات نشطة . أما قبائل الأسكيمو فيلاحظ بالعكس أن في عظامهم صلابة واستقامة وفي أسنانهم قوة ولمعانا ، هذا مع ضعف الأشعة التي يتعرضون لها . والسبب في ذلك ان غذاءهم الدهني به من الفيتامينات ما يغنيهم عن أشعة الشمس

وقد بحث العلماء تحول المواد غير العاملة إلي فيتامينات فعالة ، و أمكنهم معرفة خطوات هذه العملية ، كما توصلوا إلي اكثر من مادة واحدة تتحول في النهاية إلى الفيتامين ) د ( وجميع هذه المواد الناتجة لها أثر كبير في تكلس العظام وصلابتها . وأول مادة عرفت هي الإرجوستييرول ، وينتج

عنها الفيتامين ) د ( بتعرضها لاشعة الشمس فوق البنفسجية ، وبهذا التعرض يتكون هذا الفيتامين في النبات والحيوان على السواء . وإذا حرم الكائن الحي من هذا الفيتامين في غنائه ولم يتعرض للشمس ، أصيبب بأعراض نقص الفيتامين ) د ( ، وهي المادة التي لابد للهيكل العظمي لكل حيوان من ان ينال قسطا منها عن احد هذين الطريقين ، الغذاء أو الأشعة فوق البنفسجية

فالأسماك التي تعيش في الأعماق والتي لا يصلها أشعة ما تتغذي على أسماك تعيش بالقرب من سطح الماء فتنال شيئا من الأشعة . كما أنها تتغذي على أحياء سطحية مثل الطحالب والأحياء الهائمة pianktond أحياء دقيقة نباتية وحيوانية ، تطفو علي الماء ، تتقاذفها التيارات ، فتنتقل من مكان لآخر ( . وهذه الأحياء بطبيعة الحال معيشتها السطحية تنال من أشعة الشمس ما يساعدها على تكوين مقدار كبير من الفيتامين ) د ( . والأغنام والمواشي تستمد فيتاميناتها من الحشائش . وأما الطيور فقد لوحظ أن تكلس عظامها لا يتم إلا إذا أعطيت غذاء يحتوي علي الفيتامين ) د ( إذ أن أشعة الشمس لا تؤثر فيها كغيرها . وللفيتامين ) د ( فائدتان : الأولى تسهيل امتصاص الكلسيوم والفسفور في القناة الهضمية بوساطة الدم ، والثانية ترسيب هاتين المادتين بقدر يكفي لتكوين العظام والأسنان . فإذا غذي إنسان على مواد خالية من الفيتامين فان المختزن منه في الجسم لا يلبث أن يتضاءل ، فيقل امتصاص الكلسيوم والفسفور تبعا لذلك ، فإذا كان في غذاء الإنسان مقدار كبير من هاتين المادتين ، خرج عن الفضلات دون أن يستفيد منه الجسم ، وإذا ما نفد كل الفيتامين المخزون في الجسم فان كلا من الفسفور والكلسيوم يطرد إلي الخارج ، وهذا معناه أن الفيتامين ) د ( ضروري لامتصاص الكلسيوم والفسفور من القناة الهضمية .

ومما يبين اثر الفيتامين في ترسيب هذه المواد وتكوين العظام ، أن حقن هاتين المادتين في الدم ، مع غياب القيتامين ) د (

لا يؤدي إلي ترسيب الفسفور والكلسيوم . أما إذا توفر الفيتامين فان العظام والاسنان تتكون تكوينا سليما رغم  قلة العنصرين ، إذ يستفيد الحسم عندئد بكل الفسفور والكلسيوم الذي يصل إليه .

ومن الغريب ان مقدار الفيتامين د اللازم للجسم صغير جدا ، فالطفل إذا اعطي يوميا من ٥٠٠ إلى ١٠٠ وحدة منه ، وذلك من بدء حتى يصل إلى سن البلوغ ، كون عظاما واسنا سليمة ، فإذا عرفنا ان المليجرام اي 1من الجرام يحتوي على . . ٤٠ وحدة من الفيتامين يكون الغذاء اللازم يوميا يتراوح بين 80000،4000 من الجرم ، أي حوالي ٧ مليجرام في السنة لمدة خمسة عشر عاما ، ويقدر ما يحتاجه الإنسان مدى الحياة بمقدار نصف جرام .

ويظهر أثر الفيتامين بشكل واضح مدة الطفولة ، أي وقت البناء والنمو ، فقلته تؤدي بالطفل إلى ارتخاء عضلاته ولين عظامه التي يسهل انشاؤها ، فينتج من ذلك مرض الكساح . اما الاسنان فيكون تكلسها ناقصا ولا تلبث ان تسوس ، وقد وجد ان إمداد الطفل بالفيتامين ) د ( يؤدى إلي التغلب على هذه الامراض ، وقد فحص في انجلترا ، في إحدي مدارسها ، ١٣٠٠ طفل في السادسة من عمرهم ) عام ١٩٢٩ ( ، فلم تقابل حالة واحدة ، يكون فيها الطفل كامل الآسنان ، وكانت نسبة الخلو من التسويس حوالي ٤,٧ %

ولنقص هذا الفيتامين أثر خطير على السيدات ، إذ يؤدي ذلك إلى نقص في تكوين عظام الحوض ، بل وضمورها وانكماشها ؛ مما قد يودى بحياة الحامل والجنين . وقد وجد ان هذا الخطر يزداد حيث ينتشر مرض الكساح ، كما انه زاد ايضا وقت الحروب بتحديد مقادير الأغذية . وقد كانت الحرب الحالية سببا في توجيه عناية خاصة نحو التغذية ، فعملت أبحاث كثيرة سيكون لها أكبر الأثر

في تغذية الجسم على أساس علمي ، ومع كل ذلك فإن الفيتامين ) د ( سيبقى عنصرا هاما في بناء هيكل الجسم وقوامه . وتعاني انجلترا وكثير من المالك الأوربية نقصا في هذا الفيتامين ، نتيجة لهذه الحرب . وقد تبين ان مرض الكساح تزيد نسبته أثناء الحرب ، بينما قلت في الفترة بين الحرب الماضية والحرب الحالية ، وقد أخذت انجلترا خطوات عملية لمعالجة هذا النقص على النحو الآتي :

١ - إعطاء وجبات مجانية من اللبن للأطفال دون السادسة .

٢ - إضافة كربونات الكلسيوم إلى الدقيق

٣ - إضافة الفيتامين ) د ( إلي زبدة جوز الهند لقلة الزبد الطبيعي .

" - تيسير الحصول على زيت كبد الحوت وغيره من المواد الغنية بالفيتامين ) د ( ولاشك ان ما وصل إليه العلم بعد دراسته عن الأغذية لابد ان يؤدي إلى تكوين جيل سليم التكوين على أن في شمسنا وجونا ما يعين الكثير من فقرائنا على تعويض ما نقص من غدائهم .

اشترك في نشرتنا البريدية