الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 293الرجوع إلى "الرسالة"

فيدياس، PHlDlAs،

Share

كان لاستيقاظ الشعب الإغريق ونمو الروح الوطنية فيه بعد الحروب الفارسية ان ازدهر فن النحت على ايدى الذين استطاعوا السيطرة على الخلق التكويني ، ووصلوا إلى اقصى درجة من الإجاز فى إخراجه ، فكان لمنحواتهم أن مثلث المثل العليا اسمى تمثيل وعبرت عن الوصول إلى درجة الكمال ؛ فارتبط الواقع بالجمال المثلى ، وظهر النحت الإغريق بمظهر لا يزاحم فيه إطلاقا .

وكان استعداد الإغريق للنحت هائلا ، فجعلوا من تماثيلهم البارزة ونصف البارزة ما سجلوا به الموهبة الفطرية والعقلية والفنية فى هذا المجال .

ولهم من منحوتاتهم ما اظهر عقائدهم الدينية والكيفية التى كانت تسير عليها عاداتهم فضلا عن حياتهم العامة التى كانت الألعاب الرياضية ركنا هاما من أركانها .

وكان ولا يزال وسيظل النحت الإغريق مثار إعجاب الإنسان المتحضر ورمزا للتفوق ومثلا عاليا يحلق فى سماء الفن ، لا يمكن لطامح أن يعلق بأطرافه .

وللنحت في بلاد الإغريق مناطق ومراحل ومدارس اما من حيث المناطق فخيرها لهذا المقال منطقة اثينا ، واما المرحلة الزمنية فهي المحصورة بين سنة ٤٧٠ وسلة ٣٣٠ قبل الميلاد ، لأن هذه هى مرحلة " عصر الرفعة " أو " الازدهار " .

على انه يمكن تقسيم هذا العصر إلى قسمين : أولهما أو أقدمهما

استغرق القرن الخامس قبل الميلاد ( من كيمون إلى حرب البيلوبونيز ) وفيه تناول النحات الإغريق الحقيقة الواقعة امام عينيه فى احسن وضع لها ؛ فلم تكن تنتجى هذه الحقيقة إلى فرد بعينه ، بل إلى النوع كلية ، فى شىء من السمو فى الخيال والتصور ، فكانت طابعية النزعة وليست طابعية الإخراج .

ومع هذا لا يزال المشاهد يتصور أو يظن " وحينا يعتقد " ان التماثيل - فى تلك المرحلة على الاقل - قد عبرت بتفاصيلها وطريقة اخراجها عن أصحابها التى تحتت من أجلهم تعبيرا حقيقيا

أو طبيعيا ، ولكن هذا بعيد الاحتمال بالنظر إلى ما فى تكوينها من جمال ساحر قلما يوجد مثله فى النوع الإنساني .

و لا جدير بالذكر ان المظهر الكلى والمجموع الإنشائي لمنحوتات " عصر الرفعة " او " الازدهار " يعطي فكرة المبالغة فى الأحجام مع تمام التناسب ، ولم يقصد النحات الإغريق من ذلك إلا إبراز المعالم فى مظهر من القوة وعلو الهمة ووجود الشخصية ، فى هدوء نفسانى وبعد عن العنف .

وأما الحركة الجسمانية التى تعبر عن الحيوية فهذه مع بساطتها - نسبيا - من حيث التنويع ؛ فإنها عبرت خير تعبير عن اليقظة والنشاط .

ولا يوجد من يمكن اعتباره فى مقدمة هذا العصر سوى زعيم المدرسة الاتيكية القديمة ( نسبة إلى اتيكا ) الا وهو فيدياس الذى لا يزال ليومنا من أعظم فنانى العالم أجمع .

ولد فيدياس بن خرميدس الاثيني فى عام ٥٠٠ ق . م . واشتغل مصورا فى اول الامر تم تتلمذ على اجيلادس بمAlada وبعدئذ استقل فى عمله حتى استدعى لنحت تمثال زويس المعروف فى اوليمييا ، وعاد إلى أثينا والتقى فيها بيركليس وعمل فى البارتنون . وبعد ما أتم تمثال أثينا سنة ٤٨٣ انهم بالخيانة وطلبة للمحاكمة ولكنه مات قبل الحكم عليه

وأبرز مميزات فئه انه أول وأعظم مثال مثلى بكل معانى الكلمة ، لا سيما وانه حصر مجهوده الجبار فى خلق تماثيل الآلهة واستطاع التعبير عن المثل الأعلى فى التكوين الجسمانى المتناسب مع تمثيل

الالهة ، فاتخذ من جسم الإنسان مادة بيانه ، ولكنه ارتفع بتماثيله إلى المستوى الذى ابعدها عن الصفات البشرية وقربها من الالوهية ؛

فبدت فى غاية كمال الانسجام التفصيلى للأعضاء ونهاية الكمال المجموعى للانشاء ، واصبحت مدرسة اتيكا تسير على متواله وعرفت بهذه المبزات الرائعة من بعده .

اشتغل فيدياس بنحت تماثيله من سن الفيل والذهب حينا ، ومن البرنز حينا آخر ولكنه نحث فى الرخام نادرا .

أما أعماله التى استطعنا أن نقف عليها فأولها تمثاله لأثينا برماخوس على مرتفع ا كرروليس وكان ارتفاع هذا التمثال نحو العشرين مترا . وقد سبق أن نوهنا بذكره فى مقال سابق .(1) وله ايضا مجموعة رائعة مثلت ملتادس القائد الذي انتصر على الفرس فى موقعة ماراتون سنة ٤٩٠ ق . م وحوله الالهة وابطال أتيكا ، كما مثل الأثينيين يقدمون الهدايا والقربان فى دلفى .

هذا إلى جانب تماثيل معبد زويس Zeuss الذى اعتبره الإغريق إليها للماء والبرق والضوء ، والذي يقابل الإله جويتر عند الرومان ، وتماثيل معبد أثينا يارتنوس 05 Parthen1

وكان الجسم مكونا من سن الفيل والملبس من صفائح الذهب ؛ وقد تم تمثال زويس سنة ٤٤٨ ولكنه حرق بعدئيد ، ولولا الصور التى سكت على نقود إلى Elis لما امكننا أن نعرف من شكله شيئا . جلس زويس ( ش ١ ) على عرش بديع حاملا بيمينه إلهة النصرNiKeيساره العصا ، وواضعا قدميه على كرسى صغير خصص لهذا الغرض ، واحيط الراس بغصن الزيتون فوق شعره المجعد ، كما أحيط الوجه بذقن كتيف . وإذا تأملت الصورة اليمنى

فانك بجد القوة والنبل والجمال السامى مرتسما فى وضوح على وجه زويس . وقد تحلى الملبس بعض رسومات ملونة على الذهب .

أما قاعدة العرش فقد تحلت برسومات تمثل مولد أفروديت إليهة الحب عند الإغريق ، والتى خلقت كما هو مذكور فى قصص الآلهة ، من زبد ماء البحر . ولا بد لنا من ان نذكر ان نظرة زويس تدل على الحلم والجبروت ، وهذا منطبق على صفة الالوهية فى معناها الكامل

وكان تمثال اثينا يارتنوس من سن الفيل والذهب أيضا ، أتمه سنة ٤٣٨ إلا أنه اختفى منذ اوائل القرن الرابع . وكل ما حصليا عليه تمثالان منقولان عن الأصل ، أحدهما كبير عن الآخر ، وهما محفوظان فى متحف اثينا . ويخيل إلينا ان الا كبر منهما اقرب إلى الاصل بالنظر إلى ما فيه من تفاصيل تتناسب مع ما عرف عن فيدياس وما امتاز فنه به من طابع خاص .

وله قطعة تمثل أثينا وهى من بدائع معروضات متحف عاصمة بلاد اليونان . هذا عدا تمثال برنزي على جانب عظيم من الجمال لأثينا لمينيا Lemnia قدمة الليمنيون إلى مرتفع أكروبوليس .

وفي متحف درسدن تمثالان رخاميان مماثلان له يظهر انهما منقولان عنه . اما فى رومافله تمثال لافروديت اورانيا ، ولهرمس ابن زويس الذي اعتبره الإغريق إلها للرعاة ورسولا للآلهة وإلها للطرق والتجارة ، وهو الذي يقابل عند الرومان الإله مركور .

وكان لفيدياس تلامذة أمجاد منهم من سار على خطاه مثل أجور كريتوس Paros Agoakritos of والكامينيس  Alkamenes oF Athena or Lemnosو كولوتبس Kolotes الذى ساعده فى العمل بأولمبييا ، ومنهم من ارتسم لنفسه خطة خاصة مثل ليكيوسا Lykiosبن ميرون وتلميذه ، وستر ومجيليون  Strongylionالذي كان بارعا فى محت تماثيل الخيل فى حالة السير  والتسابق ، وكريزيلاس

واستعان في خلق تمثال زويس بشعر هوميروس الذى فيه وصف الإله وصفا مكن النحات من خلقه ( ش ٢ ) . ولعلنا بلمقارنة بين الراسين يجد غنيان واضحا جليا ، فلاملاحح متشابهة ولا الشعر على أبسط جانب من التماثل .

ونختار هنا جانبا من التماثيل المنحوتة فى جزء من وسط المثلث الواقع تحت جمالون الواجهة الغربية لمعبد زويس فى أوليميا لنقف على مدى العظمة الفنية التى بجلت في عمل فيدياس ( ش ٣ )

انظر إلى تفاصيل الأجسام ، وتأمل تكوين العضلات ، وشاهد الحركات الرائعة فى كل جزء من أجزاء القطعة ، ثم انتقل

بنفسك فجأة إلى مصر وإلى من يقدر الفن فيها ويفهمه ، يجد أننا بحالتنا الراهنة لا نستطيع أن يخلق جيلا يتذوق الجمال فى الوقت الحاضر .

أما المستقبل فهو رهين بما نعده الآن ، فإن لم يتكاتف الشعب المصرى مع الحكومة كل فى دائرته على إحياء الفن والعمل على تعليم النشء كيف ينظر وكيف يتأمل وكيف يتذوق

فلا أمل عاجلا أو آجلا فى شئ .

اشترك في نشرتنا البريدية