الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 281الرجوع إلى "الثقافة"

في القراء والكتب، (بقية المنشور علي الصفحة الرابعة)

Share

أن نؤلف فيها ؛ فالتأليف في أكثر شئون هذه الثقافة مستعص في يومنا ، مرجو في غدنا، وتلك التآليف التي نسمع اليوم بها ، إن هي إلا تراجم مستورة . وواجبنا ان نتوجه إلى الترجمة بالجملة في ستر وفي غير ستر ؛ وإن كان في الستر إشباع لغرور ، ففيه ايضا نفع بين لما يتضمنه من تغيير وتحوير . وفي التغيير ملاءمة الطبع ، ومسايرة العادة ، وتسهيل الهضم.

فحاجتنا اليوم إلي جيل من المقفعين ؛ إلي جيل من التراجمة في كل فن وكل لغة وحاجتنا إلي خطة شاملة كاملة يهيمن عليها ذو سلطان .

إن من اطرف ما نرى اليوم هيئتين كبيرتين تقوم فينا بالترجمة وبتحضير المترجمين . والطرافة فيهما انهما غير مصريتين ، إحداهما امريكية والأخري إنجليزية ، يتباريان

في نقل ثقافة العصر إلينا . ونحن المصريين والشرقيين نرحب بهذا طبعا ، لكنه ترحيب في خجل ألا يكون إلي جانبهما من الجانب المصري إلا هيئة متواضعة كلجنة التأليف والترجمة والنشر تساهم في ذلك بسهم المجاهد الفقير .

فهذان سبيلان إلى إحياء العلوم فينا ، قديمها وحديثها . لقد جرى الحديث فيضا كثيرا في قلة من يقرأ في مصر والشرق ، وفي كثرة من ينسى القراءة بعد تعليمها . والسبب في هذا ظاهر لا أدري كيف خفي عن هؤلاء المتحدثين إن قلة القراء من قلة المقروء . وليس كل مكتوب بمقروء ، فالمناسب من المطبوع قليل ، أو هو غير كائن . أين كتب الفلاح خريج الإلزامي التي تلازمه عن رغبة منه بعد ترك إلزاميته ؟ وأين كتب الصانع خريج الابتدائية في المدن تحفظ عليه ما تعلم في ابتدائيته؟ وأين كتاب الطفل ، وكتاب الصبي يكتب له بلغة محضنه مزوقا بصور الطفولة ، فيعوده صغيرا علي طلب اللذة على صفحات الأوراق ؟ وأين وأين . . ونقول أين ، ونحن نعلم اين هي . هي في لغات الغرب كثيرة شتيتة ، سهلة النقل ، نقلا مستورا أو غير مستور . ولن يقف في سبيلنا تحرج من تقليد ، فالمدنيات مفارضات بين الأمم ؛ ولن يعوقنا عنها تأزم في لغة ، فاللغات وسائل لا غايات . وما أولى اللغة العربية ببحبحة تكون بها نعم الوسيلة إلى أكرم غاية.

إن اللغة ستضيع بين جمود الجامدين ، وثورة الثائرين . ستضيع بين من يتشبث حتى بأن تسمى الجزمة في كتب الاطفال حذاء والشبب نعلا ، والدولاب قمطرا ، وبأن يرفع لهم الفاعل وينصب المفعول ، ويثني المثني ، وبين من يفتن فيرى أن لا خلاص للعربية إلا بتلتيها، وفرنجة حروفها . واللغة اداة الثقافة ووعاؤها ، فتضييعها تضييع للثقافة ، وإضاعة الثقافة إضاعة للنهضة ، وإضاعة النهضة إضاعة للشرق ولأهله .

اشترك في نشرتنا البريدية