الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 410الرجوع إلى "الرسالة"

في تأبين محمد مسعود بك

Share

كان حفلاً أدبياً رائعاً حفلُ تأبين المغفور له الأستاذ محمد  مسعود بحديقة الأزبكية مساء الأربعاء ٣٠ أبريل، سمعنا فيه  من غرر المنظوم والمنثور، ما الفقيد به جدير.

واسمحوا لي أن أسجل هنا ظاهرتين غريبتين لفتتا نظري  في هذا الحفل.

الأولى أن أكثر ما سمعناه من شعر - على جودته -  كان أميل إلى الصنعة والتقليد، فيه من التشبه بالقدماء والمحدثين  الشيء الكثير. فقصيدة الأستاذ حسين شفيق المصري هي هي  مقصورة ابن دُرَيْد المشهورة معانيً وألفاظاً وقوافيَ، وقصيدة

الأستاذ الأسمر هي هي (وحقك أنت المنى والطلب) قافية  وبحراً بل. . . ولفظاً. يحضرني منها:

وماذا تقول بحور القريض ... وطوفان بحرك شئٌ عَجَب

أو نحوٌ من ذلك.

أما قصيدة الأستاذ الماحي فلعلها القصيدة التي انفردت  بالطبع وقلة الصنعة، ويلوح لي أنها وليدة نفس فجعها المصاب  أكثر مما فجع غيرها

هذا وإن لدي ميزاناً قلما يخطئ في نقد الشعر كان عمدتي  في هذا الحكم. أما الميزان فهو أني أقرأ الأبيات الثلاثة  أو الأربعة بإمعان ثم أنكس الصحيفة وأمتحن ذاكرتي،  فكل بيت يحضرني فهو - عندي - جيد وإلا فلا

ولقد انصرفت من هذا الحفل وفي خيالي صدى يتجاوب  لأبيات من قصيدة الماحي منها:

لم أنس قولك في حفلٍ سمعتَ به ... شعري وقد كنت تطريه وتطربني

أَجدت صوغ المراثي في أحبتنا ... فهل تراك إذا ما مت ترثيني؟ لبيك مسعود. . . . . . الخ

ألا ترى الصدق والطبع في هذا الشعر على بساطته؟ أما الظاهرة الأخرى ففي كلمة الأستاذ كامل كيلاني؛  ولا أدري إن كان غيري تنبه لها

ذلك أنه وقف فقال أول ما قال: (لقد ألم الذين سبقوني  من الخطباء بما كنت أريد أن أقول، ولم يبق إلا الذي لم أكن  أريد أن أقول، وهو ما سأقوله الآن) . ثم أن الأستاذ أخرج  أوراقاً وأخذ يتلو منها رثاءه وذكرياته عن محمد مسعود؛ ومضى  يتلو من هذه الأوراق فصولاً من (رسالة الغفران)  لشيخ المعرة  ليدلل على أن مسعود لن يفوته الاشتغال بالتأليف والتصنيف  في قبره

فليت شعري. . . هل أوحى الله إلى كامل كيلاني بما لن  يقوله الخطباء فأعده ليلقيه من أوراقه. . .؟ أطَّلع الغيب أم اتخذ  عند الرحمن عهداً؟

(حدائق القبة)

اشترك في نشرتنا البريدية