ليست الأيام كلها سواء في صناعة التاريخ ، فمنها ما يجيء ويمضى وكأنه العدم ، لا يضيف شيئاً ولا يغير شيئاً ؛ ومنها ما يجيء مليئاً مترعاً ولوداً ، ما تتفك آثاره باقية على مر الزمن تخلق الأحداث خلقا وتوجهها يمنة ويسره حتى إذا ما نظرت إلى التاريخ بعدئذ كيف سار وفي أى طريق تحركت خطاه ، رأيت هاتيك الايام الزواهر قائمة كالقمم الشوامخ متناثرة هنا وهناك فوق سهل منبسط ، تطرح ظلها مديداً يتقيؤه الناس وينعمون بثماره .
وهذه الأيام الأخيرة تجتازها مصر ، فترة حاسمة في تاريخها ، فليست هي كسائر الأيام تجيء وتمضى ، بل إنها لتملي إرادتها على الزمان الذي جلس ناشرا صفحاته ، ليسمع ويسجل بأسطر من نور ونار إنها أيام تقع من تاريخنا الحديث موقع الذروة في المسرحية ؛ تظل تصعد إليها الحوادث منظرا بعد منظر ، وفصلا في إثر فصل ، لكي تسير بعدها الأمور التى تعقدت نحو الحل الموفق السعيد .
وشاء الله أن تزداد هذه الأيام الفذة الفريدة أهمية وخطرا ، فجعل من بينها يوماً فذا فريداً ، هو يوم الأربعاء السادس عشر من شهر يناير سنة ١٩٥٢ حيث ولد فيه لوادى النيل امير يتولى عهده ، هو حضرة صاحب السمو الملكى الأمير أحمد فؤاد امير الصعيد فجاء مولده السعيد بمثابة البشرى تألق نجمها في سماء اكفهرت آفاقها ، واسودت جوانبها بالسحاب الأدكن القاتم .
إنها مشيئة الله أن ترتبط النهضة المصرية الحديثة المباركة منذ فجرها بالأسرة العلوية الكريمة منذ قيامها ونشأتها ؛ ففجر النهضة هو بذاته قيام ساكن الجنان المغفور له محمد على باشا الكبير على حكم البلاد وإصلاحها ، إذ فتح لها بيديه الكريمتين في أول القرن الماضى باب الحضارة على مصراعيه وأمدها بروح من روحه ، ومضى من القرن ثلثاه . فجاءها اسماعيل العظيم الذي أراد لها أن تكون قطعة من اوربا ؛ ثم خيمت على البلاد غمامة ثقيلة من الاحتلال البريطانى البغيض فلبثت تنتظر فؤاداً صاحب المجد في صفحة الخلد ، ليزيح عنها ما جثم فوق صدرها ويرفع لها راية الكفاح والجهاد ، ثم جاء بلاد الفاروق العظيم صيحة الثورة بمثابة الصيحة المباركة التى انطلقت بها أفواه المصريين تطلب للوطن عزه ومجده ؛ وها نحن أولاء ماضون في جهادنا وجلادنا مستظلين بظله الوارف ، مستلهمين رشده وهداه
ولقد خط القدر بالأمس في صفحة تاريخنا سطرا جديدا مشرقا بالأمل والرجاء ، إذ من الله علينا بمولد أمير اغر الطلعة مبارك القدوم ، فأراد الله العلى القدير بمولده أن يبعث رسالة البشرى إلى أبناء الوادي بالنصر المؤيد في ظل ملكنا المفدى حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول . أقر الله عينه بولى عهده ، وجعل مولده مطلع خير شامل وبركة سابغة للناس أجمعين .
