لا إخالك إلا قد سمعت و سمعت مرارا كثيرة أناسا يتحدثون حول الأذن . ويذكرون أن لها طبلة ، ولا إخالك إلا ظانا ظنهم ومعتقدا معتقدهم ، أن هذه الطبلة أو خرقت لأصبح صاحبها أصم ، ولكن عليك أن تعلم أن ليس لهذا الظن نصيب من الصحة ؛ فكثير من الناس قد خرقت طبلات آذانهم ، ومع ذلك لم يصبحوا صما ، وكل ما حدث أنهم لم يعودوا يسمعون جيدا كما كانوا يسمون من قبل
وإنك لتعلم جبدأ شكل الأذن من الخارج . وما هي مصنوعة منه من مادة غضروفية يكسوها الجلد ، ما عدا طرفها الأسفل فهو لحمي . وكذلك تعلم بوجود تجويف صغير بوسط هذه الأذن يبدو معتما كجحر الأرنب ، إنه الممر الذي يسلكه الصوت في طريقه إلي مركز السمع ، وما هو إلا أنبوبة يبلغ طولها هو بوصة .
وإذا حاولنا إلغاء نظرة على هذا التجويف العجيب الشأن ، فأول ما يصادفنا فيه ويقع نظرنا عليه منه . تلك المزوجة الشديدة التى تفرزها غدد كثيرة وتعمل عمل ورق صيد الضباب تصيد الغبار والحشرات التي قد تقتحم هذا الممر أحيانا وتمنعها من التغلغل فيه .
وإذا تيسر لنا التقدم قليلا في داخل هذا للمر بعد النطفة الشمعية اللزجة ، ولم تمنعا هذه المادة وتعوق تقدمنا ، فإننا لا نلبث أن نجد جدارا يسد الطريق دونا ؛ ذلك هو " طبلة الأذن " وقد أتي على الناس حين من الدهر سادفيهم
الاعتقاد بأن الطبلة هي مركز السمع ، ولكنها ليست ذلك قطعا ، بدليل أن صاحبها رغم خرقها يستطيع السمع بقدر لا بأس به .
ولكن ماذا يوجد في الجانب الآخر من الطبلة ؟ . توجد عظمات صغيرات ثلاث ، هن أغرب عظام الجسد كلها ، وقد أطلقت عليها أسماء لاتينية هي أسماء أشياء شبيهات بها ؛ فأطلق على أولاها كلمة( lncus ) أى عظم السندان ، وأطلقت على الثانية كلمة ) malleus ( بمعي المطرقة ، وسميت الأخيرة بكلمة ( (srapes أى العظم الركابي القرب الشبه بينها وبين ركاب السرج . وتتصل هذه العظمات الثلاث بعضها ببعض كما تتصل حلقات السلسلة ، ويتصل أحد طرفي هذه السلسلة بداخل الطبلة ، في حين تتصل نهايتها بالطرف الآخر من تجويف الأذن ، فكأنها تمتد من الطبلة حتى نهاية هذا التجويف .
وما هي وظيفة هذه السلسلة من العظام الدقيقة ؟ إنها في الحقيقة من أعجب الوسائل لخفض الصوت ومنع وصوله مرتفعا بشكل مزعج ؛ فالصوت يجعل طبلة الأذن تهتز كما تهتز نوافذ الدور من أثر صوت الرعد القاصف ، بيد أن اهتزازات طيلة الأذن متكررة ومزعجة ما لم تقلل هذه العظام من شدتها وتعمل على خفضها ، ومثل هذه العظام في ذلك مثل مسند القدم في البيانو ؛ فوضع القدم عليه يخفض من صوته كثيرا ؟ ومن العسير أن تفهم جيدأ
عمل هذه العظام ، ولكننا لو شبهناها بزمبرك العربية المركب بأسفلها لقرب الفهم إلينا كثيرا ، لأن هذا الزمبرك يحفظ راكبي العربة من الإحساس بمطبات الطريق ، وما قد تؤدي إليه من ارتجاج العربة وتأرجحها مما يزعج ركابها ، وكذلك تفعل عظام الأذن ، إذ تمنع عن صاحبها اهتزارات الطبلة العنيفة المزعجة .
والجزء من الأذن الذي يحوي المادة الشمعية يطلق عليه اسم " الأذن الخارجية " وهي تشمل الجزء الممتد من الخارج حتى الطبلة ، وتوجد بعد الطبلة مباشرة حجرة صغيرة تحوي عظام الأذن المتقدم زكرها ، ويطلق على هذه الحجرة اسم " الأذن الوسطى " وبجانب ما تحويه هذه الأذن من العظام تحوي أيضا شيئا بالغ الدهشة ، إذ تخرج من أسفلها أنبوبة تمتد حتى تصل إلى الحلق من الخلف .
وإذا أجريت التجربة الآتية علمت شيئا لم نكن تعلمه من قبل . اقفل انفك ثم انفخه بأكبر قوة ممكنة ، فإنك لا تلبث أن تسمع نوعا من الصوت الكمود وما هو بالصوت . فهو أقرب ما يكون إلى الشعور منه إلى الصوت ، وعندما ترغب في التخلص من هذا الشعور الغريب ابلع الهواء ( ريقك ) فإنه يذهب توا ؛ ويتخلص ما تفعله وأنت تجري هذه التجربة في أنك تملأ الأنبوبتين المتصلتين بحلقك وبكل من أذنيك المتوسطتين بالهواء . وعندما تبلع الهواء فإنك بذلك تعاود فتح هاتين الأنبوبتين فيخرج الهواء منهما ، والآن تستطيع أن تعلل كيف يعتريك الصمم عندما يصيب البرد أنفك ؛ فإن البرد بسد هاتين الأنبوبتين وقد يصل إلى داخلهما فيصب الأذنين ويلحق بهما الالتهاب فيعتريك مرض شديد . وقد يضطر الطبيب المعالج إلى عمل فتحة بطبلة الأذن لكي يهبك الشفاء . وسوف لا تصاب بالصمم من جراء ذلك ، ولكنك سوف لا تستطيع السمع جيدا كما كنت تستطيعه من قبل .
ومركز السمع ليس في الحجرة الصغيرة التي تحوي العظام ، كما ان عدسة العين ليست هي جزؤها الرائي ، بل يقع مركز السمع بعد الطلبة الداخلية المصنوعة من العظم ، في حين صنعت الطبلة الخارجية من الجلد ، وبالطبلة العظمية فتحتان يغطهما جلد رقيق ، وإحدي هاتين الفتحتين بيضاوية الشكل الأخرى مستديرة ، والعظمة الصغيرة الشبيهة بركاب السرج
تناسب الفتحة البيضاوية تماما وتثبت عليها ، في حين أن الفتحة المستديرة طليقة لا يثبت عليها شئ .
ويمتلي . مركز السمع في الأذن بالماء ، وهو ذو شكل غاية في الشذوذ ، إذ يشبه أحد طرفيه محارة القوقعة وبشبه طرفه الآخر ثلاث عقد متجاورة صنعت من العظم وتمتلئ بالماء ، وإذا ما ضغطت العظمة الشبيهة بركاب السرج على الثقب المثبتة عليه اندفع الماء متحركا بداخل مركز السمع وتبع ذلك انتفاح الغشاء الجلدي الرقيق المغطي لثقب الطبلة المستدير ، وما من صوت إلا ويجعل الطبلة الخارجية تتحرك ، وما تتحرك هذه الطبلة حتى تتحرك العظمات الصغيرة أيضا ، وتضغط إحداهن وهي الشبيهة بركاب السرج على الماء ضغطا خفيفا ، ومن هذا تعلم ان الضغط المسبب لحركه الماء في داخل مركز السمع هو الذي يجعلنا نسمع لأنه يثير الشعر النامي بجدران مركز السمع في وسط الماء وإن الأثر الذي يحدث عند تحريك أوتار القيثارة كالأثر الذي يحدث عندما تحرك الشعيرات الكائنة بمركز السمع .
وفضلا عن أن عقد الطبلة العظمية تساعدنا على السمع فهي تحفظ توازننا ، وإذا كسرت إحداهن لسبب من الأسباب فإن صاحبها يترتح في مشيته كما يترع المخمور من أثر الخمر ، ولسنا بمستطيعين تعليل ذلك إنما هى الحقيقة بعينها .
ولتعلم رغم كل شئ أن مخك هو الذي يجعلك تسمع ، إذ تتصل كل أذن بالمخ رأسا بواسطة سلك برقي ( الأعصاب السمعية ) كما تتصل به كل عين . ولو قطع هذا السلك أصبت بالصمم ولو كنت سليم الأذنين .
ولتعلم كذلك أن من وقر الأذن أي صممها أنواعا كثيرة ، وأخفها ما نشأ عن وجود قدر كبير من الشمع بتجويفها ، وعلاج ذلك متيسر وشقاؤه مضمون لو غسلت الأذن جيدا وأزيل منها القدر الزائد من الشمع ؛ وكذلك تصاب الأذن بالصم إذا اعتري جزءها المتوسط مرض ، وغالبا ما يشفي هذا النوع من الصمم إذا لم يهمل علاجه ، ولكن إذا وصل الرض إلى مركز السمع حيث يوجد الماء ، فإن الصم الناشئ عن ذلك لا يرجي شفاؤه ، وكذلك إذا أصيب الجزء من المخ الذي يساعد على السمع بإحدي العلل فإن صاحبه يصبح ذا أذن صماء طالما بقى علي قيد الحياة

