أما الظاهرة القديمة فهي المغنطيسية الأرضية فقد عرف منذ معهد قديم أن الإبرة الممغنطة تتخذ في كل مكان عند سطح الأرض وضعا ثابتا في الفضاء ، فتميل على الأفق بزاوية محددة ، ويتجه طرفاها نحو نقطتين ثابتتين في اتجاه الشمال المغناطيسي والجنوب المغناطيسي وقد عرف أيضا أن ظاهرة المغنطيسية الأرضية يمكن تفسيرها بإعتبار أن الأرض أشبه شئ بقضيب مغنطيس ضخم له قطبان ومحور يصل بينهما ؛ ومحور الأرض المغنطيسي لا ينطبق على محور دوران الأرض بل يميل عليه بزاوية ، بقيسها العلماء ما بين آن وآخر .
وقد استخدمت ظاهرية المغنطيسية الأرضية في رسم الخرائط الملاحية وفي كثير من القياسات الكهربائية ، وأصبح الإخصائيون فيها كثرا يعقدون المؤتمرات الدولية ، ويحددون ( العواصف ) المغنطيسية ويربطون بينها وبين ظواهر كلف الشمس وانعكاس موجات اللاسلكي والكهرباء الجوية وغيرها .
أما القانون الجديد فلا يفسر المغنطيسية الأرضية ، بل يربط بينها وبين دوران الأرض حول محورها ، فيقضي بأن كل جسم كبير الكتلة دائر حول محور فيه لابد وأن يكون له مجال مغنطيسي ، وأن شدة هذا المجال تتناسب مع عزم دوران الجسم . ويقول بلا كيت إن هذا القانون يربط بين المغنطيسية وبين الحركة الدورانية بعلاقة عددية يمكن إثباتها .
ويجدر بنا أن نتعرف على صاحب هذا القانون . هو باتريك ساينارد ستيوارت بلا كيت أستاذ الطبيعة في جامعة مانشستر منذ ١٩٣٧ ، وقد ولد منذ ٥٨ عامًا ويعتبر اليوم من أعظم علماء العالم تخصصًا في الأشعة الكونية ، وهي
الأشعة القوية التي نشعر بها علي سطح الأرض وكأنها تنقض علينا من الفضاء البعيد ، ولما يصل العلماء بعد إلى تفسيرها تفسير مرضيا . وقد نظمت البعوث الكثيرة والرحلات البعيدة في مختلف أنحاء الأرض لقياس شدة الأشعة الكونية ، فقيست فوق قمم الجبال ومن الطائرات والبالونات ، وارتفع الأستاذ بيكار البلجيكي عدة مرات مخاطرا بنفسه ليقيسها ، ونزل العلماء إلى أعماق البحار والبحيرات سعيا وراءها ، وقاسوا شدتها نهارًا وليلا وصيفا وشتاء ، علهم يهتدون إلى منذ إلى سرها المكنون وأصلها المجهول .
وكان بلا كيت ، ولا يزال ، يشارك العلماء في السعي غير الكشف عن سر الأشعة الكونية ، خطر له ذات يوم أن ينظر إلي السماء ليرى ما قد يحدث لهذه الأشعة إذا مرت بالقرب من نجم ضخم له مجال مغناطيسي قوي ؛ ففتح صحائف علماء الفلك ، فوجد أنهم قد قاسوا مجال الشمس المغنطيسي بدقة . ولاحظ بلاكيت أن ليس من من الأجرام السماوية التي تعد بملايين الملايين ما يعرف مجال المغنطيسي ، سوى الشمس والأرض .
ولكن في هذا العام حدث أن نشر الفلكي الأمريكي بانكوك بحثا يتضمن قياسا للمجال المغنطيسي لأحد نجوم برج السنبلة ( ورقه ٧٨ ) وهو نجم ذو كتلة معروفة ، وسرعة دوران مقيسة بدقة من قبل . عندئذ رجع بلا كيت إلى بحوثه القديمة ، فتبين أن الشمس والأرض ونجم السنبلة جميعا تحقق علاقة معينة ، بأن عزم الدوران لكل منها يتناسب مع المجال المغنطيسي ، عندئد أعلن بلاكيت في شهر أبريل الماضي القانون الذي أشرنا إليه في صدر هذا المقال . وذلك في اجتماع عقد خصيصا في الجمعية الملكية بلندن .
ومن الطريف أن العالمين سوان ولو تجاكر قد حاولا إثبات هذا القانون تجريبيا عام ١٩٢٨ ، فأحضرا كرة من النحاس قطرها عشر سنتيمترات وأداراها حول محورها
بسرعة ١٢٠٠٠ دورة في الدقيقة ، وحاولا الاستدلال على مجال مغناطيسي حول الكرة بسبب دورانها ، فلم يوفقا . ويفسر بلا كيت إخفاقهما في ذلك ، تفسيرا عدديًا ، بأن المجال المتكون كان أقل جدا من أن يقيسه جهاز سوان ولوتجا كر ؛ والعلماء جميعا اليوم يتطلعون إلى إجراء هذه التجربة الهامة لتحقيق قانون بلاكيت .
وقد كان لإعلان بلاكيت قانونه صدى عظيم في جميع الدوائر العلمية ، فقيل إن أخر حادث مماثل له ، كان منذ أكثر من مائة عام عندما أعلن فاراداي قانون الحث الكهربائي المغنطيسي ، ذلك القانون الذي مهد السبيل أمام ماكسويل لاستكمال نظريته المشهورة . وإذا رجعنا لأبعد من ذلك نجد قانون الجاذبية لنيوتن الذي يربط المادة وأوضاعها بقوة الجذب ، ثم جاء أينشتين في أوائل هذا القرن وأخرج نظريته النسبية التي تربط بين الجاذبية وبين هندسة الفضاء . وفي الوقت الذي كان يعلن فيه بلاكيت
قانونه في لندن ، كانت البعثات الفلكية تتجه نحو البرازيل والأرجنتين لتقيس انحراف الضوء عند كسوف الشمس الكلي ، تحقيقا لقانون أينشتين .
فعلم الفلك يكشف مرة أخرى أمام العلم ظواهر لا تتسع لتبيانها أمام ناظرينا أرجاء الأرض ولا حدود النظام الشمسي وقد سبق أن كشف الفلكيون الطريق أمام جاذبية نيوتن ونسبية أينشتين وغيرهما من القوانين الطبيعية الأساسية .
ومما يجدر ذكره أن معمل بلاكيت في ما نشستر يضم ثلاثة من الطلبة المصريين من جامعة فاروق الأول ، وهو عظيم الحدب عليهم ، ولا غرو في ذلك ، إذ أن آراءه الاجتماعية ونشاطه خارج دائرة العلم قد جعلاه قبلة أنظار كثيرين فهو رئيس اتحاد المشتغلين بالعلم في بريطانها ، وهي هيئة نقابية ، تسعى لخدمة العلماء الشبان ، وتشجع العلم والعاملين فيه .
