الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "الثقافة"

قبة الصخرة

Share

امين دار الآثار العربية

كان الحرم الشريف مقدسا منذ العصور القديمة ، فبني عليه سيدنا سليمان معبدا ذاع صبته . وقد شيد فيه عبد الملك ابن مروان بناء من الحجر مثمن الشكل ، تعاره قبة وفي وسعله الصخرة المقدسة ، التي يروي أن النبي عليه السلام وضع قدمه عليها لما صعد إلي السماء . ولما يسمي هذا البناء قبة الصخرة ( انظر الصورة المواجهة لهذه الصفحة )، وإن كان يعرف أحيانا باسم جامع عمر ، لأن عمر بن الخطاب كان قد أقام في موضعه مصلي صغيرا من الخشب ، قبل أن يقيم عبد الملك بن مروان على أنقاضه البناء الحالي بين عامي ٦٨ و ٧٢ هجرية (٦٨٧ و ٦٩١ بعد الميلاد).

ويبلغ طول هذه الصخرة ١٨ مترا من الشمال إلي الجنوب و ١٣ مترا من الشرق إلي الغرب ، كما بلغ اقصي ارتفاع لها فوق أرض البناء مترا ونصف متر . وتحت الصخرة مغارة ينزل إليها بأحدي عشرة درجة في الجهة الجنوبية الشرقية .

ومهما يكن من شئ فإن البناء مقسم من الداخل إلي ثلاث مناطق دائرية يفصل كلا منها عن الأخرى صفان مستديران من الأعمدة والدعائم . وفي الوسط سياج من الخشب المدهون يحيط بالصخرة القديمة التي يطوف حولها الزائرون في المناطق المذكورة .

  ولكن هذا الشكل المثمن لم يظهر ثانية في تصميم الجوامع الإسلامية ، وظلت قبة الصخرة فريدة في عمارتها ؛ لأن تصميمها كان ملائما كل الملائمة ليحيط بالصخرة المقدسة في الحرم الشريف ؛ بينما كانت الجوامع المستطيلة

ذات الصحن المفتوح أوفق للعبادة الإسلامية ، فأتخذها المسلمون واحتفظوا بها زهاء أربعة قرون .

وقد كان الجانب الخارجي من جدران البناء ، وكانت القبة نفسها مغطاة بالفسيفساء التي استبدلت سنه ١٥٤٥ على يد السلطان سليمان القانوني بلوحات من القاشاني المدهون بالمينا من صناعة تبريز في إيران .

والقبة قائمة فوق اسطوانة محمولة على أعمدة ضخمة وقد كان استخدام القباب معروفا في الشام وأرمينية قبل بناء قبة الصخرة ، كما كان في الشام كنائس ذات قباب فوق أبنية مثمنة الشكل ، وعلى كل حال فإن هذا الأثر بديع بتناسب عناصر ، وغني برخارفه ، ولا سيما الفسيفساء التي تزين كثيرا من أجزائه الداخلية . وليس غريبا أن يكون للمسلمين مثل هذا الأثر الخالد ، بعد أن انتشر الإسلام ، واتسع أفق الفن في أعين العرب ، وأصبح لخلفاء بنى أمية بلاط ملكي له ترفه وأيهته ، وكان تسامحهم الديني ،أكبر عون لهم على استخدام الصناع والفنانين من أهل البلاد المفتوحة ، ولاسيما الشام التي ازدهرت فيها قبيل الفتح العربي مدرسة من أرقى مدارس الفن الهلميتي, قدر لفنانيها أن يساهموا في بناء صرح الفن البيزنطي بنصيب وافر .

 على أن قبة الصخرة ليست الان على الحال التي كانت عليها في عصر بنائها فإن أكثر الزخارف يرجع إلى عصر متأخر ,أللهم إلا زخارف الفسيفساء المسكونة من رسوم الأشجار ومن الأواني التي تخرج منها الفروع النباتية ومن رسوم الأهلة والنجوم .

وطبيعي أن يلاحظ علماء الآثار أن عناصر الزخرفة والعمارة في قبة الصخرة كانت هلينية أو بزنطية او سورية مسيحية أو رومانية مما لا محل لتفصيله هنا ، فحسبنا أن نتبه إلي فخامة هذا الأثر من لم يسعدهم الحظ بزيارته ، والشعور بالعظمة والجلال اللذين ينبعثان منه

اشترك في نشرتنا البريدية