الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 244الرجوع إلى "الثقافة"

قصة الأدب فى العالم

Share

سررت أن تفوز اللغة العربية بكتاب في هذا الموضوع كان مكانه من مكتبتها خاليا ، وظللت انتظره بشوق منذ قراءتي الإعلان عنه في الثقافة الغراء قبل صدوره بأسابيع . فباللغة العربية اليوم حاجة ماسة إلي معالجة هذا الموضوع بشكل واسع النطاق ، على نحو ما صنع الأستاذان الجليلان أحمد أمين بك وزكي نجيب محمود .

وكل الأمم الحية ، كما ذكرا في مقدمة الكتاب ، لم تترك ادبا من الآداب الشرقية والغربية إلا اعلمت قومها .به ونقلت إليهم اقوم آثاره ، وبالمطولات والمختصرات ، والمجموعات والمتفرقات ، بينما فرطت اللغة العربية في ذلك كل التفريط . فالنهضة العربية في عصر الدولة العباسية اسست على الترجمة ، ولكنها اضربت عن ترجمة الأدب مما سبب خسارة كبيرة للأدب العربي وقيد افقه ، فلم يجر إلا في مجاريه القديمة ؛ وقد كان ذلك فيما اري السبب الرئيسى للركود الذي أصاب الأدب العربي منذ نهاية العصر العباسي الأخير إلي عصرنا هذا . وقد عرفت الآداب الغربية في خلال تلك الفترة الطويلة ، التى يدعوها مؤرخو الأدب بالفترة المظلمة ، انواعا أدبية جديدة ظللنا بمعزل منها وقد تدرك مرارة هذه الحقيقة إذا تذكرنا اننا لم نعرف في ادبنا الملحمة ولا المسرحية ولا الرواية ولا القصة ولا الشعر القصصي من الفنون الأدبية التي عرفها آداب الامم الأخرى .

فإذا كنا نريد لأدبنا العربي أن يجاري تطور الزمان ، ويلتحق بالقافلة التي تأخر عنها كثيرا ، فلا بد لنا من دراسة آداب الأمم الآخر ، والإطلاع عليها ، والتعرف فيها على الأنواع الأدبية المستحدثة ، والأساليب الجديدة ، ولأخيلة والأفكار التي تختلف في كل أدب وعند كل أمة

وقد كانت الخدمة التي اسداها مؤلفا الكتاب بعد " قصة الفلسفة اليونانية " و قصة الفلسفة الحديثة خدمة ممتازة ونافعة غاية النفع ، سدت حاجة وملأت فراقا ، ولعلها تفوق سابقتيها في صعوبتها واتساع موضوعها وما

يقوم دون تحقيقها من عقبات . ونظرة مجلي في موضوعات الكتاب تكفي للدلالة على عظم المجهود المشكور الذي انفق فيه .

ويختص هذا الجزء الأول من " قصة الأدب في العالم بالأدب القديم وادب الصور الوسطى ، فيدرس الأدب المصري والأدب الصيني والأدب الهندي والأدب الفارسي القديم والأدب العبري والأدب اليوناني والأدب الروماني والأدب الإنكليزي في العصور الوسطى ، والأدب العربي في الصور الوسطى ، والأدب الفارسي الإسلامى في العصور الوسطى ثم يعطي في آخر كل فصل أو في خلاله نماذج مترجمة ترجمة جيدة لكل من هذه الآداب .

ولا ريب في أن هذه العجالة لن تتسع لدراسة الكتاب والتعليق علي فصوله او نقدها تفصيلا ، وأرجو أن أوفق إلي ذلك في فرصة أخرى . وهذه ملاحظات عابرة بدت لي وأنا أقرأ الكتاب متمتعا بعرضه الشيق وموضوعه الطريف : ١ -ففي الفصل الخامس عن نشأة الأدب ، نجد الإشارة الصريحة المتكررة إلي أسبقية الشعر على النثر ، وهذه الإشارة بالرغم من بساطتها وبداهتها أخطأت فيها كثير من كتبنا الأدبية قديمها وحديثها فقدمت النثر علي الشعر ٢٠ - وفي النسل عينه تجد نقطة قد تكون جديدة على الدراسات الأدبية العربية ، بالرغم من أهميتها ، وهي النظر إلي الأدب كظاهرة اجتماعية تتأثر بالبيئة ونظمها الاقتصادية والاجتماعية من أوتوقراطية وديمقراطية . ولكن قد يؤخذ على المؤلفين عدم اعتبارهما بهذه النظرة في غضون الكتاب كثيرا عند دراسة الآداب المتغايرة ببيئاتها ومجتمعاتها اختلافا واسعا مع ضرورة إبلائها العناية الكبيرة في الدراسات الأدبية الحديثة ٢ - ما ورد في الصحيفة ) ٨٨ ( من خطأ عند الكلام من قصة شمشون ، إذ جاء أن الشاعر الانكليزي ملتن قد تناول هذه القصة في إحدي قصائده " كما تناولها كذلك الكاتب الفرنسي - سانت ساينس - في رواية تمثيلية غنائية هي في الطليعة بين مثيلاتها في الأدب الحديث ؟ وسان سان ملحن موسيقى مشهور وضع ألحان هذه الرواية - التي كتبها فردينان لومير - وليس يكاتب كما جاء في الكتاب سهوا في اغلب الظن . ٤ - ما جاء في فصل الأدب الفارسي

الإسلامي في العصور الوسطى ص ٤٦٠ من تعليق على ملاحظة وردت في كتاب " شعر الهند " للاستاذ عبد السلام الندوي إذ قال : " إن الفلسفة والتصوف في الشعر الفارسي والأردي لا نظير لهما في الشعر العربي " ؟ فورد في الكتاب تعليق على هذه الملاحظة لم ادر أكتبه الدكتور عزام الذي كتب هذا الفصل من الكتاب ام أورده المؤلفان وهو يقول إن الفلسفة لا تقبل فيها هذه الدعوي . وانا بالرغم من قراءتي الشعر الفارسي عن طريق ترجماته فقط - لم أجد ما يؤيد هذا التعليق بقوة ، وياليته كان معززا بأمثلة وأدلة توضح القصد منه .

وهذه كما يظهر ملاحظات طفيفة لا تنقص من قدر الكتاب الذي يكفيه نبلا ان تعد معايبه . وإني لعظيم الغبطة أن أقدم إلي قراء الأدب العربي هذا السفر القيم . وأوصي أدباءنا أن يولوا وجوههم هذا المنحي النافع ، وان أحيى مؤلفية الجليلين وأهنئهما خالص التهنئة ، مقدرا لهما جهودهما حق التقدير

) بغداد (

اشترك في نشرتنا البريدية