) نقلنا هذه القصة عن الشاعر والناقد الألماني الشهير جوتهولى إفرايم ليسغ lerring الذى يعد في الإقدام والدؤوب ، ومجافاة الراحة مثالا فذا للذهن البشري . فهو القائل : ليست الحقيقة التي وصل إليها الانسان أو التي يظن أنه وصل إليها هي ما تدل على قيمته ، بل الجهد الخالص الذي يبذله للوصول إلى ما وراء الحقيقة
ولد ليصع في سنة ١٧٢٩ ابنا لعالم ورع من علماء الدين . فلما دخل المدرسة تبين فيه معلموه " جوادا " يطلب ضعف العلف المخصص للجياد فألف في سن الخامسة عشرة ملهاته العالم الشاب " وترجم " أناكربون ، فكان ذلك النابغة والأديب المطبوع ، وقد دخل الجامعة في سن السابعة عشرة ليدرس اللاهوت فلم يلبث أن انصرف عنه إلى الأدب فألف أغاني صغيرة وكتب ملهاة " الشيطان وقيد اسمه في جامعة لينسج leiuyg لدراسة الطب فهجر الطب بعد سنة من التحاقه ، وتوفر علي التأريخ للمسرح وكتابة المسرحيات ، ثم توجه إلى فينتبرج witiennerg فحصل من جامعتها على الماجستير في سنة ١٧٥٢ . وقد توالي إنتاجه الأدبي والعلمي وتلاحق ، وتدفقت كتاباته في الشعر والفن والعلم والخرافة والمسرحية ، وتعاظمت مكانته وهيبته في أوساط الأدباء والعلماء وهو بعد شاب .
ومن آثار ليسنغ الخالدة لاؤكون laocion صفة ومينا فون بارتهلم . ومن آثاره الفنية العظيمة ما سجله عن الفن المسرحي وحرر به المسيحية الألمانية من رق السيادة الفرنسية .
وقد كان النقد هو النزعة الغالية علي نقاط ليسنغ لكنه كان بناء غير هدام وكان متواضعا جدا مع نفسه فلم ينسب نجاحه العظيم كشاعر إلى شيء سوى استمداده للنقد وكان شأنه في تكوين الذهن الألماني هائلا لا يحد ، فوجهه في الفن والجمال والفلسفة واللاهوت ، وأدخل على الشعر والفن كما كانا في ألمانيا وقتئذ إصلاحا أساسيا ، فرسم لهما الحدود البينة الأمينة بين فنونيهما المختلفة . ويمتاز ليسنغ بأسلوب لم يحل عليه أسلوب ألماني في أي عصر .
وقد مات في سنة ١٢٨١ في الثانية والخمسين من عمره
1
لما هرم الذئب الشرير ، وبلغ أرذل العمر ، صحت عزيمة النفاق فيه على العيش مع الرعيان في سلام . فخرج إلي الراعي الذي تجاور قطعانه جحره وقال له . أيها الراعي
إنك تسميني لصا متعطشا إلي الدماء ، وإن كنت في الحقيقة غير ذلك . صحيح أنه لا معدي لي عن اللجوء إلى غنمك إذا جعت ، ذلك ان الجوع مؤلم فقني شر الجوع ! اشبعني تسلم ولا تر مني مكروها ! فإني في الحق أودع مخلوق على وجه الأرض وادمث مخلوق خلقا حين اشبع
فقال الراعي : حين تشبع ؟ ربما . لكنه متى كنت شبعان ؟ إنك والبخل صنوان لا يشبعان ، فامض
2
وجاء الذئب المتهور إلي راع ثان وقال له : إنك تعلم أيها الراعي انى استطيع ان انكبك في عامك في بضعة من خرافك . فاذا خصصتني في العام بستة منها قنعت . واستطعت انت ان تنام ملء جفونك ، واستغنيت مطمئنا عن كلابك .
قال الراعي : ستة خراف ؟ إن هذا لقطيع كامل
فقال الذئب : أ كتفي بخمسة من اجلك بالذات .
قال الراعي : خمسة ! إنك تهذي ! إن خمسة خراف يكاد ألا يبلغها كل عام قرباني ليان ) ١ ( إله الرعيان .
فقال الذئب : ولا أربعة .
فهز الراعي رأسه سخرا
فقال الذئب : ثلاثة ؟ - اثنان ؟
وكان الجواب الأخير : ولا واحد ! فإن من الحمق أن جعل لعدوي جعلا على وأنا قادر باليقظة أن اتقي شره .
3
وقال الذئب في نفسه : الثالثة ثابتة ! وقصد إلي راع ثالث ، وقال له : أكاد أن أكون عندكم يا معشر الرعاة الوحش الذي لا حد لضراوته ، ولا وزن لضميره . لكنى سأثبت لك انت مبلغ ظلمكم إياي . اعطني خروفا واحدا
كل عام ترع قطعانك وهي أمنة مطمئنة في تلك الغابة التي لا يذهب بأمنها سواي ، خروفا واحدا . ما اتفهه أجرا ! هل يمكن ان اكون اكرم من ذلك و اكثر في المساومة مجردا عن المصلحة ؟ اتضحك أيها الراعي ؟ فعلام الضحك إذن ؟
فأجاب الراعي : لا أضحك على شيء . لكن هلا خبرتني كم عمرك يا صديقي ؟
قال الذئب : وماذا يعنيك عمري ؟ إني أستطيع في أي عمر أن أنكبك في أعز حملانك
قال الراعي : كفكف مني غربك أيها الذئب الهرم . فإنه ليؤسفني ان تتقدم باقتراحك بعد فوات الاوان ببضع سنوات . وفمك الأدرد شاهد على ذلك . إنك تصطنع التجرد والزهد لتحصيل القوت بأهون خطر وأدنى جهد .
4
فتضايق الذئب لكنه تمالك . وذهب بالمثل إلي الراعي الرابع . وكان كلبه الامين قد نفق ولما يكد . فأراد الذئب ان يستغل هذا الظرف ، قال : أيها الراعي لقد تصرم بيني وبين إخوتي في الغابة حبل المودة ، وانقطع الامل في التصافي . وانت عليم بمبلغ الخشية منهم ، فإذا استأجرتني بدلا من كلبك النافق ضمنت لك الا ترنوا إلي غنمك عين ولا تحول إليها .
فقال الراعي ، إذا تريد أن تحمي غنمي من إخوتك في الغابة ؟
قال الذئب : بلي ، وهل اقصد غير ذلك ؟
قال الراعي : ليكونن بلا ريب عملا طبيبا ! لكن قل لي : من عساه ان يدفع عدوانك عندئذ عن خرافي . المساكين إذا أنا انزلتك بينها ؟ هل اتخذ في بيتي لصا ليدفع عنى غائلة لصوص الخارج ؟ هذا نسميه نحن الأدميين -
قال الذئب : فاهم ! فلا حاجة إلى محاضرة في الأخلاق ! وداعا
5
وحرق الذئب الأرم : آه لو لم أكن هذا الهرم لكن لا مناص من أن أرضخ لحكم الزمان
وذهب إلي الراعي الخامس وقال له : اتعرفني أيها الراعي ؟
قال الراعي : مثلك على الأقل لا يجهل
قال الذئب : مثلي ؟ إني اشك فيما تعنى كثيرا . إنى ذئب بلغ من غرابة شأنه أنه حقيق بمودتك انت وإخوتك الرعاة جميعا
قال الراعي : كيف ذلك ؟
قال الذئب : لو جاءنى خروف حي ما استطعت خنقه بله أكله ، ولو كلفني عجزي هذا حياتي . إني افتات بالخراف النافقة وحدها . أليس هذا جديرا بالحمد ؟ فهلا سمحت لي أن أمر بقطيعك الفينة بعد الفينة وأسأل هل من -
فقطعه الراعي بقوله : وفر كلامك ! فما ينبغي ان تأكل خرافا إطلاقا ، ولا النافق منها ، إذا شئت الا اكون عدوك . والحيوان الذي يألف اكل خرافي النافقة لا يلبث ان يعتد مريضها ميتا ، وصحيحها مريضا . فاذهب ولا تجعل صداقتي في حسابك .
6
وفكر الذئب : لابد أن أفرغ قصاراي وإلا ادخر في سبيل الوصول إلي غرضي وسعا .
وأتى الراعي السادس وقال له : أيها الراعي كيف تري فروتي .
قال الراعي : فروتك ؟ أرني ! إنها جميلة ! ولا بد أن الكلاب لم تظفر بك كثيرا .
قال الذئب : إذا فاسمع أيها الراعي لقد هرمت ،
ولن استطيع بعد اليوم سعيا . فاطعمني حتى اموت اهب لك بعد الموت فروتي .
قال الراعي : ياعجبا ! أنت أيضا تلجأ إلي حيل الطاعنين في السن من البخلاء . كلا ! فما أري فروتك إلا ستكلفني في النهاية أضعاف أضعاف ما تستحق إذا كنت جادا فيما تعلنه من الرغبة في إهداء ، فروتك فهبنيها الآن في الحال .
وطلب الراعي هراوته فلاذ الذئب بالفرار .
7
وعوي الذئب : يالهؤلاء القساة ! وأخذ منه الغضب مأخذه ، ولم يعرف غيظه حدا . وقال : هل اصبر حتى أموت جوعا ؟ بل سأموت عدوا لهم ما داموا يكرهون الإصلاح .
وعدا يطلب بيوتهم فسطا عليها ، وفتك باطفالها ، ولم يتمكن منه الرعاة إلا بعد جهد جهيد
عندئذ قال الحكماء منهم : لقد أخطانا إذ احرجنا الذئب هذا الحرج الشديد فحرمناه كل وسيلة للاصلاح وأحبطنا كل محاولة وإن جاءت متكلفة وبعد الاوان .
