الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 646الرجوع إلى "الثقافة"

قصة جوستا برلنج، للشاعرة والقصاصة السويدية " سلمي لاجيرلوف "، ١٨٥٨-١٩٤٠

Share

كانت في بده حياتها مدرسة ، ثم ذاع صيتها إثر نشرها مجموعة من القصص عن حياة الفلاحين ، وأطلقت على تلك المجموعة عنوان هذه القصة التي نشرتها عام ١٨٩١ . وقد منحت جائزة ، نوبل " للآداب في عام ١٩٠٩ ، وكانت أول عضو من النساء في الاكاديمية السويدية . وطافت الكاتبة - مستعينة بإجادتها لكثير من اللغات - إيطاليا وفلسطين والمشرق ، ولكن عنايتها الكبرى كانت موجهة إلى الكتابة عن بلادها .

قالت الكاتبة : تتخذ القصص القديمة ميدانها في ذلك الإقليم ، إقليم Varmland الذي ينبت الحديد ، وهي قصص وأساطير سمعها شيوخ القوم من أجدادهم الذين سمعوها من آباء آبائهم .

وهذه الأساطير تتحدث عن ذلك العصر يوم كانت مصانع الحديد تكسب الأموال والثروات الطائلة . ويوم كان القوم الذين ورثوا عن آبائهم الغنى والجاه يضيفون في بيوتهم كل داع من دعاة المرح الذين يعيشون على حساب إدخالهم السرور على الناس ، وعلى حذقهم لفنون الموسيقى ، وإجادتهم نظم القوافي .

وهؤلاء كانوا يرون أن من حقهم أن يعيشوا في بيوت الخاصة ضيوفا مكرمين ، وكان الفني ( جوستا برلنج ) واحدا من أولئك الأضياف .

وهذا الفني كان أول أمره قسيسا يعمل في قرية من قرى Varmland وكان يعاقر الخمر . وكان على الرغم من هذه السيئة فتى حصيفا فصيحا يؤمن بالله الإيمان كله ، وكان ذا جمال ملائكى .

وكان هذا الفتى كلما نظر إلى تلك القرية الموحشة تولته الكآية ، وركبه الغم ، واتخذ من الخمر مغلاقا لهمومه .

وجاء المطران يوما ليزيح ذلك القسيس عن منصبه ، ققام هذا يدفعه إيمانه القوي بالدين ، فخطب القوم خطبة لم يسمع القوم مثلها من قبل ، فسعوا سعيهم ليظفر الرجل بالعفو من مطرانه .

وظن القسيس الفتى أن تلك الخطبة قد طهرته من أدران الذنوب .

ولكن اماله في العفو عنه قد خابت يوم قامت جماعة من زملائه في شرب الخمر يتوعدون المطران بالقتل .

ورأي القسيس الفتى أن يكفر عن ذنبه بأن يقتل نفسه ، فحالت بينه وبين إنفاذ رغبته زوجة جندي ثري ، شديد الشكيمة ، صعب المقادة ، كانت تعيش في مدينة Ekeby.

وقصت هذه المرأة على الفتى قصة أحزانها ، فقالت له : إن أهلها قد أرغموها وهي صغيرة على أن تتزوج رجلا لم يجمع بينها وبينه الحب .

ثم عاد بعد حين من الدهر حبيب أيام الشباب ، وكان قد أدركه الغني ، فمد لها ولزوجها الأحمق يد المعونة .

ولما سمعت أمها هذا الحديث منها قامت تسبها وتلعنها ، ثم مات حبيبها الثري ، وكان قد أوصى قبيل وفاته أن يرث الجندي وزوجته أرضه الواسعة في مدينة Ekeby.

وفي تلك المدينة ، وفي بيت تلك السيدة نزل ( جوستا برلنج) ضيفا هو واثنا عشر من السادة الذين عضهم الفقر بنابة .

وجري ( جوستا برلنج) يفتش في كل مكان عن السعادة فلم يظفر بها ، وعمل معلما ومؤديا للكونتس الشابة النقية ( أبا دونا ) ، وقد فتن كلاهما بصاحبه ؛ فلما علمت الفتاة النقية الورعة المتعبدة أن صاحبها ( جوستا ) كان قسيسا مطرودا أعدت نفسها لملاقاة الموت لكى تهرب من حبه ، ولكن ( جوستا )وهو زعيم النازلين في بيتها وهو المحبوب من بينهم ، وهو الذي أوتي الألمعية والذكاء والذي كان دأبه اقتناص طائر اللذة واللهو أينا حط ، وفي أي أرض نزل ، كان لا يزال يفتقد الرضا والقناعة.

وقد حدث المتحدثون أن الشيخ الفاجر ، الدميم الخلقة ( شنترام ) صاحب مصانع الحديد كان قد تحالف مع الشيطان ، وقد جاء هذا الشيخ يحدث النزلاء ذات يوم ويدس بينهم وبين مضيفتهم ، ويقول لهم إنها قد باعت أرواحهم للشيطان .

وجاء ( جوستا ) فأنبأهم أنه قد عقد صفقة مع الشيطان بأن يكون لهم حق الرقابة على مدينة Ekeby عاما كاملا .

فإذا عمل أولئك النزلاء عمل الرجال المهذبين فإن سلطان الشيطان على تلك المدينة سوف ينقضي ، وإلا فتصبح أرواحهم ملكا حلالا للشيطان .

فعمد النزلاء - نكاية بتلك السيدة ، وعقابا لها على نفاقها - أن يقصوا على زوجها الجندي قصة حياتها الماضية بما فيها من سيرة تشوبها الخطيئات والذنوب .

فلما سمع الجندي هذا القول طرد زوجته . وجعل للنزلاء سلطانا على المدينة .

وفتن النساء في المدينة بجوستا وتدلهت في حبه الحسناء الفاتنة ( أناستارنهوك )، وجاءته ماريا سنكاير تخطب وده ، وقد تركت من أجله ديار قومها ، وهي التي فتن بجمالها الكثيرون ، فلما أصابها الجدري ، وشوهت آثاره وجهها عادت إلى بيت أهلها .

وسيقت زوجة الجندي إلي السجن عقابا لها على الشروع في حرق المدينة ، فأحس أهل الدين أن المرأة قد ظلمت ظلما شديدا ، إنها قد لقيت أسوأ المعاملة ، فكانوا - لذلك - يلقون أولئك النزلاء بفتور وجفاء .

وغضب أولئك النزلاء الذين لا يجدون ما ينفقون على الكونتس الشابة ( اليزابث) غضبا شديدا .

وكانت ( الكونتس ) فوق ما أوتيت من شباب غض جميلة مرحة . تأمير بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وكانت - لإقراطها في حسن الظن - غافلة عن أن زوجها " كونت هنريك ، كان رجلا قاسيا ، وكان مغرورا أحمق .

وقد أبت هذه ( الكونتس) الشابة ذات يوم أن تراقص ( جوستا ) عقابا له ولزملائه النزلاء ، الذين كانوا سببا فيما حل بزوجة الجندي من نكبات .

ولكي يصب عليها ( جوستا ) جام انتقامه حملها ذات يوم في مركبة من مركبات الجليد . ولكنه - إذ رثى لفتنتها وطيب حديثها - خلى سبيلها ، ثم أرجعها إلى بيت زوجها .

ولشد ما ذهل النزلاء إذ علموا أن ( الكونت) - ذلك النياء الفخور - قد أجبر زوجته ( الكونتس ) على الاعتذار عن الإهانة التى ألحقتها بجوستا .

ولكن هذا الإدلال الذي لحق ( الكونتس ) من أجل ( جوستا ) قد جعله أسير غرامها . فأصبحا منذ ذلك الحين صديقين متحابين ، وظلت العلاقة بينها تزداد على مر الأيام توثقا ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي عرفت فيه أنباء ماضيه ، وما حمل من شرور وآثام . فنأت عنه ورغبت في أن لا تراه مرة أخرى ؛ ولكنها ما إن علمت أنه قد أجمع أمره - في ساعة من ساعات القنوط واليأس - على التزوج من فتاة شريدة مجنونة . حتى عبرت من أجله النهر للتجمد لتصده عن عزمه .

وتحدث الناس وأطالوا الحديث في أمر هذه العلاقة ، وبلغ حديث الناس مسامع ( الكونت ) فأتهم زوجته بالخيانة ، وبدا للزوجة أن حبها البريء كان خطئا كبيرا ، فأقرت بذنبها .

وعمل( الكونت )، وعملت أمه القاسية القلب ، على التنكيل بالفتاة ، وأعدوا لها من صنوف الذل ألوانا . واحتملت الفتاة كل ما حل بها من عذاب ! وذلك لتكفر عن خطيئتها .

فلما طال عذابها بدأ يخونها الصبر والجلد ، وخشيت أن يصيب جنينها الذي تحمله أذي ، فقد لجأت إلى القرار ، لتعيش بين قوم من الفلاحين عيش المغمورين .

ولما علمت أن ( الكونت ) قد فسخ عقد زواجها توسلت إلى( جوستا) أن يتخذها زوجة ، وذلك لكى يجد مولودها يوم ولادته أبا .

وأجابها (جوستا) إلى ما طلبت ، ولكن الطفل فارق الحياة بعد قليل .

ورضي (جوستا) عن زواجه بتلك المرأة ، ولكنه خشى أن يكون هذا الزواج نكبة من النكبات .

وكانت آخر مزاحة من مزاحات ( جوستا) مزاحة يخالطها الحزن والأسى . فقد جاءه رجل هو ( الكابتن ليترة ) وكان قد فارق السجن منذ قليل مكفرا عن تهمة باطلة ، فالتف حوله ( النزلاء ) وسقوه خمرا ، فغلبته الخمر على أمره . ذلك لأنه لم يكن من معتاديها . فعمد ( النزلاء ) إلى وجهه فنكروه بالطلاء وبالنقش . ثم بعثوا به - وهو على تلك الحال - إلى امرأته ، فطردته زوجته شر طردة . فخرج وقد نذر ليعيشن حياته يطوف المدائن والقرى . يغيث البائس والملهوف . ثم نزل القحط والفقر بالمدينة .

فهاج هائج أهلها وثار ثائرهم ، وقد ضاقوا بالنزلاء ، وبما اقترفوا من خطيئات وآثام . ثم أجمعوا أمرهم على أن يخربوا المدينة . ولكن ما أوتيه ( جوستا ) من لباقة وكياسة ، وما جبلت عليه ( اليزابث ) من رقة وظرف ، قد صد القوم عن غيهم .

وحاول ( جوستا ) الانتحار ليريح زوجته من عناء صحبته . ولكنها منعته عن المضى فيما انتوى ، وقالت له : إن الانتحار ليس السبيل إلى الخلاص من الإثم . إنما السبيل إلى ذلك هجر حياة اللهو والإثم .

ثم عقد كلاهما العزم على أن يعيشا حياتهما يسديان الخير ويصنعان المعروف . .

(عن الإنجليزية )

اشترك في نشرتنا البريدية