في صباح يوم جميل ، سار الزورق في سكون بجانب الشاطئ المنحدر ، وكان المنظر خلابا ، ولون النهر مفعما بالجمال والسلام . ولم يكن في الزورق إلا شيخ هرم ، وولده الذي يجلس بجانبه في هدوء .
- إلي أين نحن سائران يا ابت ؟ - إلي تلك القرية البعيدة ، هناك سنجتمع بوالدتك وإخوتك ، ألا تحب أن تكون معي هناك ؟ . - نعم أريد ذلك ، ولكن ، ألا نستطيع أن نسرع يا أبتاه ؟ ألا نستطيع أن ننهك أنفسنا اليوم في تجديف مستمر ؟ إنني أريد أن أصل سريعا إلى هناك . ألا ترى أنه لا يكفينا ذلك الشراع القائم فوقنا ؟
- نحن نسير الآن بتمهل وبطء ، فالهواء اليوم ساكن ، والرياح قد توقفت عن المسير . ولكن ألا يعجبك النظر إلي الماء يعكس أشعة الشمس الذهبية ، وإلى تلك ال الطيور الحمراء تسير وسط السماء ذات الألوان اللامعة ، وإلى هذه الأسماك تثب من أعماق مثواها في حركات راقصة لتظهر على سطح الماء بلونها الفضى الجميل . ألا يروقك كل هذا يا طفلي العزيز ؟
- نعم كل هذا أحبه وأهواه ، ولكن ، ألا نستطيع الوصول في وقت قريب ؟ ألا نستطيع أن نترك زورقنا لتيار النهر فتزداد سرعة ، ونصل إلى والدتي المحبوبة وإخوتي ؟
- إنك لا تعرف النهر جيدا يابني ، إننا لا نستطيع أن نترك زورقنا ليحمله التيار إلى هدير الجنادل . . . هناك حيث لا مناص من الصخور القاسية ، ألا تشاهد هذه الزوارق المحطمة تلوح من بعيد . غدا سنتعلم كل هذا عندما تدرك النهر وعوالمه.
سكت الطفل وأدار رأسه إلى الوراء وكأنه لم يقتنع
وأخذ ينظر حوله إلى النهر مرة ، وإلى الشاطئ مرة ، ومرة إلى السماء وما فيها من طيور ، وأشار إلى والده أن يلتفت إلى ذلك اللون القاتم الذي يغزو السماء ، وسأله إن كان هذا دليلا علي قرب اشتداد الرياح .
أجاب الشيخ بأن هذا صحيح . وفرح الطفل بهذا القول وهلل . وأخذ يتصور ما سيلقى عند إخوته من لعب كثيرة ، وما سيجده عند أمه من هدايا جميلة .
وبعد وقت ليس بالقصير ، أظلمت السماء ، وهبت الرياح التى كانت كل آمال الطفل وأحلامه .
واشتدت الرياح وزادت سرعة الزورق ، ونظر الطفل فرحا مبتهجا إلي القرية البعيدة وهو يقترب منها ، وأخذ يطيل النظر ويمعن في التفكير والحيال ، ثم نظر إلى أبيه ، فوجده يتصبب عرقا وهو يحاول تثبيت الشراع ، لقد كادت الرياح أن تمزقه وترمي به بعيدا .
خاف الطفل . وأشفق على أبيه من التعب والإرهاق ، وذهب إليه يحاول مساعدته . وكلما أمسك الشيخ بالشراع زادت قوة الريح ومال الزورق وكاد ينقلب .
واشتد حزن الطفل وقلقه . وحقد على الرياح التي تكاد تفتك به وبأبيه . وأخذ يسبها ويلعنها وعينه مملوءة بالدموع . أشار الشيخ إلي ولده بالصمت .
- إن شراعنا ضعيف صغير ، والرياح قوية شديدة ، ولكننا سنصل . . سنصل إلى القرية في الغد ، هناك سنجتمع جميعا ، وستعلمنا أمك كيف ننسج شراعا أقوي وأكبر ، وستثبته في زورقنا بشدة وقوة . . حينئذ لن نخاف الرياح مهما اشتدت .

