عجيب امر ابن ادم اليوم يكاد لا يعطف بعضه على بعض إلا المادة او السطوة او الشهوة ! اما الفة الجذر للجنس ، ومتعة الإنس بالإنس ، وإجابة الحس للحس فقد أصبحت فى هذا الزمان ، مر الصفات الأثرية فى الإنسان .
كانوا يقولون إن الناس مع الزمان ، يقبلون متى أقبل ، ويديرون متى أدير . فكنا نقول : كان ذلك والزمان كلب يجرى وراء سيده ، ما دام الرغيف فى يده . أما اليوم فالزمان إنسان حر مفكر لا يتبع إلا المبدأ ولا يطيع غير الضمير . ولكن الواقع واسفا علمنا آن الزمان لا يزال كلبا ، وان المال لا يزال ربا ، وان حكمة الأولين لا تزال صادقة
لى صديق من رءوس العراق المرفوعة بالفضل والنبل والكفاية ، كان وهو فى سلطان السيف وعزة القلم مرجع الرأى والهوى والحاجة . فلما نكبته فى نفسه واهله السياسة العشواء الجموح ، يجرد كالسيف ، وتفرد كالاسد ، وأصبح فاذا الوجوه أقفاء ، والانصار اعداء ، والاحياء فى دنياه موتى ؛ فلا رأس ينحنى ، ولا لسان يحيى ، ولا يد تصافح . وظل وحده يعالج مرارة الحزن والحرمان والغربة حتى صحا الدهر من غفوته ، ونهض الحظ من كببونه ، فعاد إلى الوزارة ، وعاد الناس إلى الزيارة ، وقال الوجه الذى عبس وأشاح ، واللسان الذي ذم وتم : والله يا مولانا لا يعدل حزننا لفيدتك ، إلا فرحنا بأوبتك . ثم انعكت الصفات فى الصحف ، فصارت الخيانة امانة ، والبلادة زكانة ،
والعقوبة شهادة .
